تسارع الأحداث في دول الساحل الإفريقي، وخاصة النيجر، مالي، وبوركينا فاسو، يشير إلى وقوع حرب اقتصادية، أمنية، طاقية، واستخباراتية مستترة خلال الأيام الأخيرة. هذه الدول الثلاث التي شهدت انقلابات عسكرية أو تصحيحات ثورية كما يُقال، اختارت إدارة ظهرها للمستعمر الفرنسي السابق بقطعها لعدة اتفاقيات وعقود كانت تربطها بالشركات الفرنسية العملاقة.
اجتمعت هذه الدول في نيامي في 6 يوليو 2024، حيث قرر الزعماء تشكيل ما يسمى بـ “كونفدرالية دول الساحل الإفريقي”. جاء هذا التحالف كرد فعل على الحصار الذي تعرضت له هذه الدول من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والتهديد بتدخل عسكري في حال استمرار الانقلاب في النيجر.
وجهة نظر البروفيسور كمال ديب:
من وجهة نظر البروفيسور كمال ديب، فإن هذه التطورات تشير إلى تغييرات تاريخية وجذرية في المنطقة. يرى ديب أن تحرك هذه الدول نحو تشكيل تحالفات جديدة بعيدًا عن الهيمنة الفرنسية يمثل خطوة جريئة نحو الاستقلالية الحقيقية والسيادة الوطنية. يعتبر ديب أن هذا التحالف الجديد ليس مجرد رد فعل على الضغوط الخارجية، بل هو تعبير عن رغبة عميقة في التحرر من القيود الاستعمارية السابقة وبناء مستقبل يعتمد على الشراكات الاستراتيجية مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين وروسيا.
ديب يشير إلى أن الرئيس البوركينابي في خطابه خلال اجتماع تشكيل التحالف الجديد أطلق تصريحات قاسية تُفهم بأنها موجهة للرئيس السنغالي، مشيرًا إلى أن البعض لا يزالون يلعبون دور الكلب في خدمة أسيادهم، ناسيين أنهم قد تحرروا من السلاسل والأغلال وأصبحوا أحرارًا لا يخضعون لأحد. هذا التصريح يعكس التوترات المتزايدة بين الدول التي تسعى للابتعاد عن النفوذ الفرنسي والدول التي ما زالت تحتفظ بعلاقات قوية مع فرنسا.
الرئيس السنغالي، الشاب الطموح الذي يبلي بلاء حسنًا في عملية حوكمة تسيير المال العام والاقتصاد والظروف الاجتماعية في السنغال، كان قد أجرى جولة مكوكية في حوارات ومفاوضات مع قادة الدول الثلاث لإعادتهم إلى مجموعة “سيدياو”. ومع ذلك، وفي ظل هذه التطورات، يبدو أن جهوده لم تكلل بالنجاح، خاصة مع التوترات المتزايدة والتصريحات اللاذعة.
التحديات والفرص:
يُشير ديب إلى أن هذه الدول تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالاقتصاد والأمن والطاقة. ومع ذلك، يرى أن الجزائر يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في هذه التغيرات من خلال الاستثمار في مجالات الزراعة والنقل والطاقة والمياه. هذه المجالات يمكن أن توفر فرصًا كبيرة لتعزيز التعاون بين الجزائر ودول الساحل الإفريقي، مما يساهم في تحقيق الاستقرار والازدهار المشترك.
ديب يشدد على أهمية الاستفادة من الموارد الطبيعية الغنية في هذه الدول، مشيرًا إلى أن التعاون مع الصين وروسيا في إنشاء بنك مشترك للاستثمار يمكن أن يوفر الدعم المالي اللازم لتنمية هذه الموارد بشكل مستدام. كما يرى أن تحرير حركة المواطنين بين مالي، النيجر، وبوركينا فاسو يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز الوحدة والتعاون الإقليمي.
التداعيات الجيوسياسية:
في سياق متصل، يشير ديب إلى الخبر الذي ورد صباح اليوم 14 يوليو 2024، حول هروب عدد من الإرهابيين من أحد أكبر السجون في النيجر. هذا الهروب تم بعملية تواطؤ كبيرة من بين الحراس وآخرين ساهموا في إخراجهم وتسريبهم بأسلحة مختلفة. يصف ديب هذا الحدث بالمناورة التي قد تكون مدبرة من قبل فرنسا وشركائها لإثارة الفوضى والعودة تحت غطاء إحلال الأمن في المنطقة.
يرى ديب أن هذه الأحداث تعكس صراعًا كبيرًا بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ والسيطرة في منطقة الساحل الإفريقي. يحذر من أن هذه التحركات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، مشيرًا إلى أن فرنسا قد تلجأ إلى استخدام مثل هذه الأحداث كذريعة لتبرير تدخلها العسكري في المنطقة تحت ستار مكافحة الإرهاب. هذا يمكن أن يؤدي إلى تعقيد الوضع الأمني وزيادة التوترات بين الدول الإفريقية وفرنسا.
الدور الجزائري:
يعتبر ديب أن الجزائر عليها أن تكون مستعدة لهذه التغيرات التاريخية، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة التي تواجه دول الساحل. يشير إلى أن الجزائر يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم اللوجستي والاستثماري في مجالات الزراعة والطاقة والمياه، مما يمكن أن يساهم في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة.
التطلع إلى المستقبل:
ختامًا، يدعو البروفيسور كمال ديب الجزائر ودول الساحل الإفريقي إلى التركيز على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي. يشدد على أهمية بناء بنية تحتية قوية ودعم التنمية المستدامة لتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة.
ديب يرى أن الوقت قد حان لتشكيل رؤية مشتركة للمستقبل تركز على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين في دول الساحل الإفريقي. هذه الرؤية يجب أن تشمل تعزيز التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية، بالإضافة إلى تطوير قطاع الطاقة والمياه لضمان تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلالية الاقتصادية.
ساعد جزائرهوب وشارك في التعريف بتراث و تاريخ الجزائر، عن طريق شراء كتاب جزائرهوب لك أو كهدية لأقربك هنا: https://jazairhope.org/fr/ebook/، لأولئك الموجودين في الجزائر الذين لا يستطيعون شرائه، نقدم نسخة رقمية مجانية، لذلك أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى: INFO@JAZAIRHOPE.ORG