بقلم: المعتز بالله منصوري
تعرض بعض المحللين الذين تابعوا زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الجارية لجمهورية الصين الشعبية، إلى ما يمكن نعته “بحبسة التحليل”.
والحبسة تصيب أحيانا الكاتب الذي يعجز عن إيجاد الكلمات لصياغة تقرير أو مقال جراء الإرهاق الذهني أو صعوبة وصف الموقف، كما يمكن أن تصيب أيضا، المحللين والخبراء الذين يختصون بالتعليق على قضايا معينة، ويصعب عليهم إيجاد الكلمات لفك الشفرات التركيبية للموضوع.
بالنسبة للكثيرين، يعتبر ملف العلاقات الجزائرية-الصينية، منتهيا. بمعنى أنه خال من كل ما يثير الفضول حيال رهانات أو أبعاد جديدة، لأن البلدين وببساطة بلغا درجة الكمال تقريبا في علاقاتهما الثنائية، أي أنهما على صداقة استراتيجية محسومة منذ 65 سنة، لا تشوبها شائبة.
ولاحظنا كيف، أن جميع المقالات أو الحصص التلفزية والإذاعية، التي تناولت موضوع الزيارة منذ إعلانها، وجدت في التاريخ جميع الشواهد التي تؤكد مثالية هذه الصداقة منذ اعتراف الصين بالحكومة الجزائرية المؤقتة وصولا التعاون النوعي في أزمة كوفيد 19, ولابد من الاعتراف بصعوبة إيجاد تحليل عميق يصاحب اعلان زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى الصين، بعدما أنهى البلدان سنة 2022 توقيع اتفاقيات في غاية الأهمية تؤطر العلاقات البينية، وهي :
أولا : الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق.
ثانيا: الخطة الخماسية للتعاون الاستراتيجي الشامل 2022-2026.
ثالثا: الخطة الثلاثية للتعاون في المجالات الهامة.
ووجب التنبيه أن العلاقات الجزائرية الصينية، ارتقت سنة 2014 إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، من خلال اتفاقية مشتركة تم إبرامها.
هذه المعطيات التي تؤكد عراقة العلاقات، حولت الاهتمام نحو مسألة انضمام الجزائر إلى منظمة البريكس، باعتبارها الجديد الطارئ على البلدين، وراح البعض ينسج سيناريوهات عن مساعي جزائرية افتراضية لإقناع الصين بقبول عضويتها في المنظمة، وكأن الرئيس تبون، توجه إلى بكين خصيصا من أجل التعبئة والحشد لدخول بريكس او منظمة شنغهاي.
ولتفكيك الرموز غير الظاهرة في زيارة الرئيس تبون، لا بد أولا من الاجتهاد في التنقيب عما تريده الجزائر، لأن العالم أجمع إنتهى من معرفة ما تريده الصين, وللوصول إلى الإجابات الصحيحة، لابد من الفهم الجيد لما يقوم به رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، وما ينوي القيام به.
وأول ما نلاحظه في الزيارة، هو أن الصين فهمت جيدا ما تريده الجزائر، وتصرفت تماما مثل ذلك الصديق الوفي الذي يتوفر في الوقت المناسب والمكان المناسب، من أجل صديقه, ونقرأ ذلك، في البيان المشترك، الذي كرر فيه الجانب الصيني عدة مرات استخدام عبارة “رؤية الجزائر الجديدة”.
والرؤية ليست مجرد التزامات أو برنامج، وإنما مشروع طموح للغاية، يبدأ تنفيذه آنيا وله أبعاد على المستقبل، وبالضبط ينقل البلد من وضع إلى وضع مغاير تماما من حيث التطور والتنمية, وأثبت الصين انها تتعامل مع هذه الرؤية بكل جدية وثقة، حيث وضعت تنفيذ الاستراتيجية الشاملة للتعاون ضمن إطار “رؤية الجزائر الجديدة و” مبادرة الحزام والطريق”.
وفي ذات البيان نحصل على التفاعل الإيجابي الكبير للصين في علاقتها مع الجزائر، حين عبرت عن تمنياتها ” للشعب الجزائري أن يحقق الهدف لبناء دولة مزدهرة وغنية وقوية في يوم مبكر”, ويعكس ذلك، مدى إدراكها لاستعجال الجزائر، ورئيس الجمهورية، تحديدا التوجه نحو اقتصاد مغاير جذريا لما كان عليه الحال منذ 61 سنة.
لهذا جاءت الزيارة، لتضع حجر الأساس لمرحلة أخرى في العلاقات بين الجزائرية الصينية، قوامها التفاعل المثمر من خلال الأخذ والعطاء وتبادل الخبرات والتكنولوجيا الحديثة، والمساهمة المشتركة في صناعة الفوارق التنموية ووضع قواعد التحول الاقتصادي. تأتي هذه النقطة المفصلية بعد مرحلة سادها منطق السوق المزدهر والدفع مقابل الخدمة.
وبعدما توقف إدراك البعض للسياسة الجزائرية عند حدود دخول منظمة البريكس كهدف سياسي، أو في إطار اصطفاف معين، استطاعت الجزائر إقناع شركائها التقليديين، كالصين وروسيا أن هدفها ليس البريكس أو شنغهاي في حد ذاتهما، وإنما هدفها بناء القوة الاقتصادية بعيدا عن ريع المحروقات، وعن طريق إبرام شراكات ناجحة وفق قاعدة “رابح-رابح”.
وعكس الدول التي تتوجس من تنامي الاقتصادي الجزائري ولو بمؤشر واحد، تعاملت بكين مع الطموح الجزائري المشروع بمنطق الفرص التاريخية للشعبين، من أجل تحقيق الازدهار، بعيد عن الأنانية والحسابات الضيقة، ما يجعل من الزيارة في قمة نجاحها.
ويظهر الاستقبال الحافل لرئيس الجمهورية، بقصر الشعب، ببكين بمعزوفة مخصصة القادة والزعماء ومعزوفة “جزائرنا” ، الاحترام الكبير الذي تكنه هذه الدولة العريقة للتاريخ الثوري للجزائر، ويثبت قدرة القيادة الجزائرية على الاستثمار في الرصيد التاريخي العريق للعلاقات مع بلد بحجم الصين.
aljazairalyoum.dz