قلبت جائحة كورونا والأوضاع الاجتماعية أطراف معادلة السياحة في الجزائر للموسم الجاري 2022، ورسمت واقعا جديدا، فلأوّل مرّة بعد استئناف النشاط السياحي تفوّقت السياحة الداخلية على نظيرتها الخارجية، وزاد الإقبال عليها مقارنة بالسنوات الماضية، حيث خابت آمال وتطلعات الوكالات السياحية التي كانت تأمل في انتعاشة حقيقية تعوّضها خسائرها، لكنها تفاجأت بتراجع الطلب خاصة بعد فتح الحدود البرية مع تونس التي ظلت متربعة لسنوات على عرش الوجهات السياحية المفضلة، قبل “الإطاحة” بها لصالح تركيا ومصر…
وتبقى أغلب الرحلات الخارجية المسجلة لدى الوكالات السياحية، رغم ضآلتها مقتصرة هذا العام على وجهتين أساسيتين بكل من تركيا وفي مقدّمتها مدينة اسطنبول وأنطاليا وتأتي بعدها في المرتبة الثانية شرم الشيخ بمصر.
السياحة الداخلية تتفوق!
لأول مرّة ومنذ سنوات، تفوّقت السّياحة الداخلية على الخارجية، حيث شدت العديد من العائلات الرّحال باتجاه مختلف المدن الساحلية منذ حلول فصل الصيف لاسيما منها تلك التي عرفت إشهارا مجانيا عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي من طرف العديد من المؤثرين وحتى من طرف المواطنين العاديين عبر صفحاتهم اليومية، كما أنّ التكاليف الاإضافية للرحلات نحو تونس بسبب فرض الإجراءات الصحية انعكست بالسلب على توافد العائلات.
ويقول في هذا الشّأن رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية، نذير بلحاج في تصريح لـ”الشروق”، أنّ السّياحة الدّاخلية تغلّبت هذه السّنة على السّياحة الخارجية، مرجحا أن تكون الإجراءات التي وضعتها السّلطات التونسية عائقا لعديد العائلات بسبب التكلفة التي يمكن أن تفوق 120 ألف دينار للعائلة الواحدة بعد فرض “بي سي آر” عند الدخول والخروج، قبل التراجع عن الفحص لدى مغادرة التراب التونسي منذ أياّم.
قرار استغلال الأحياء الجامعية أحد الأسباب أيضا..
ويرى بلحاج أنّ من بين أسباب التي قد تقف خلف تغلب السياحة الداخلية على الخارجية، هو القرار الأخير المشترك بين وزارة التعليم العالي والسياحة الذي يقضي باستغلال الأحياء الجامعية لاستقطاب السياح داخل وطنهم، كما أن التكلفة المنخفضة المحددة بـ1700دج تعد في المتناول وهي فرصة مشجعة لقضاء العطلة الصيفية داخل الوطن.
المغتربون يكتسحون الفنادق.. وهران ومستغانم في المقدّمة..
ولعلّ أكثر ما ميّز العطلة الصيفية هذا العام، هو اكتساح عدد كبير من المهاجرين أرض الوطن بعد غياب فاق السنتين بسبب الجائحة، وأشار رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية في هذا الاتجاه، إلى أنّ الأسعار المعروضة بالفنادق لا تزال مرتفعة، بينما يبقى الطلب عليها أكثر من العرض، مشيرا أن هذه الأخيرة عرفت اكتساحا من طرف المغتربين الذين وجدوا فيها ضالتهم على اعتبار الأسعار المعروضة في متناولهم مقارنة بتحويل الأورو إلى الدينار، فيما فرّ بقية المواطنين إلى كراء سكنات الخواص.
واعتبر المتحدث ولايتي وهران ومستغانم بغرب الوطن، من أكثر المناطق استقطابا للسياح المغتربين، بالنظر إلى المنشآت المتواجدة بها من فنادق و”بانغالوهات” عكس الولايات الشرقية التي رغم أنها تزخر بطبيعة خلابة، إلا أنها لا تزال تعاني نقصا فادحا في مثل هذه المنشآت السياحية، ويبقى الكراء عند الخواص الملاذ الوحيد لدى زوارها.
تركيا وشرم الشيخ.. أكثر الوجهات الخارجية المفضلة للجزائريين
بعد ما كانت تونس تتصدر قائمة الرحلات الخارجية للجزائريين كل عطلة صيفية ومنذ سنوات، تضاءل الطلب عليها بشكل كبير لم تعهده الوكالات السياحية إطلاقا بل وقفت مندهشة للأمر حسب ما أكده ممثل النقابة الوطنية للوكالات السياحية الذي أشار في المقابل أن الطلبات الخارجية المسجلة لديهم تباينت ما بين تركيا التي اعتلت الترتيب وفي مقدمتها ارتفاع الطلب على كل من اسطنبول وأنطاليا، أما الوجهة الثانية التي اختارها الجزائريون فكانت شرم الشيخ بمصر.
تونس في ذيل الترتيب.. وانتعاشها مع رفع الإجراءات الوقائية
لم يشهد عزوف الجزائريين عن تونس مثيلا من قبل، حيث كانت في الأعوام الماضية تعجّ بالسّياح الجزائريين الذين أصبحوا ضيوفا موسميين، فلا تكاد تمر بأي منطقة أو وجهة إلا ويقابلك ترقيم سيّارات الجزائر التي تجوب الطرقات والفنادق.
وأشار نذير بلحاج في هذا الشأن أن تونس أتت في ذيل الترتيب، وقلة من الجزائريين فقط شدوا الرحال باتجاهها نحو فنادق 5 نجوم، أما الفنادق ذات الـ4 نجوم وما دونها فعرفت هجرة جماعية.
ويتعلق السبب حسب الاستطلاعات الأوّلية عند الاستفسار عن السبب، بالتكاليف المرتفعة لتحليل الكشف عن كورونا “بي سي آر”، فمن المستحيل لعائلة من 5 أفراد –حسبه- الدخول إلى البلد بدفع 12 ألف دينار دخولا وخروجا “قبل إلغاء الخروج”، لترتفع تكاليف العائلة الواحدة في حال إجراء عملية حسابية بسيطة إلى 120 ألف دينار لإجراء التحاليل فقط وهو المبلغ بالتقريب الذي يمكن أن يغطي تكاليف عائلتين مجتمعتين لقضاء أكثر من 5 أيام بتونس قبل حلول الجائحة.
وتوقع محدّثنا انتعاشا طفيفا في الطلبات نحو تونس خلال شهر أوت الجاري بعد قرار رفع الشروط الصحية التي كانت بمثابة حجر عثرة أمام دخول العائلات الجزائرية إلى تونس منذ بداية هذه الصائفة، مضيفا أن حتى “التوانسة” لجأوا مؤخرا إلى خفض الأسعار بعد العجز الذي سجلوه الشهرين الماضيين على أمل أن يسابقوا الزمن لاسترجاع ما فاتهم من سياح.
خيبة أمل بالنسبة للوكالات السياحية
تفاجأت الكثير من الوكالات السّياحية للركود الذي سجّل في نشاطها هذا الموسم، فبعد سنتين من الغلق والبطالة المفروضة عليهم، اصطدموا هذه السنة بقلة الطلبات وأوضح نذير بلحاج، أن الموسم الجاري غير ناجح مائة بالمائة كما كان متوقعا بالنسبة للوكالات السياحية، معللا ذلك بانخفاض القدرة الشرائية للجزائري فضلا عن الارتفاع الفاحش للرحلات الجوية، كما أن الخطوط الجوية الجزائرية والأجنبية لا تمنح إلا “كوطة” ضئيلة للوكالات، أما الأغلبية التي كانت تعول على تونس، فقد خاب ظنها في آخر المطاف بسبب الطلبات الضئيلة.
echoroukonline.com