دخلت الجزائر خلال قرابة الثلاث سنوات الأخيرة، عالم الرقمنة، خاصة بعد توفر الإرادة السياسية اللازمة بعد وصول رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم سنة 2019.
وقد سمح ذلك بتحقيق تقدم مهم في الملف، مقارنة بالسنوات الماضية أين كانت الجزائر تسير بسرعة السلحفاة فيما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة.
وعلى ضوء الحركية الجديدة في المجال، برز التجمع الجزائري للناشطين في الرقمنة كرقم هام في المشروع بالجزائر، خاصة وأنه يجمع أبرز الناشطين في المجال؟
في هذا الحوار، الذي خص به جريدة “المستثمر”، يعود رئيس التجمع الجزائري للناشطين في الرقمنة ، تاج الدين بشير، إلى واقع وآفاق الرقمنة في الجزائر، ونشاطات التجمع.
-
بداية، كيف جاءت فكرة إنشاء التجمع سنة 2020، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية لم تكن على أحسن ما يرام وقتها؟
تم انشاء التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات في جانفي 2020 من طرف مؤسسات جزائرية تنشط في ميدان تكنولوجيات الإعلام والاتصال، بغرض لمّ أكبر عدد ممكن من الناشطين الجزائريين في الميدان، مهما كان حجم مؤسستهم، أو شكلهم القانوني، أو مستوى خبرتهم، أو ميدان تخصصهم، أو موقعهم الجغرافي، وذلك حول 4 اهداف محورية: توحيد الجهود وتنمية القدرات وتشكيل مركز اشعاع وطني و دولي و المساهمة في التغيير الايجابي.
إن الجزائر في حاجة إلى سد الفجوة التكنولوجية، وتوجيه استراتيجيتها نحو حل المشاكل الداخلية التي يعاني منها القطاع، والتي تقيد الإبداع العلمي والتكنولوجي للشباب الجزائري. من الطبيعي إذن أن يكون هؤلاء الفاعلين هم من يخطط ويقود هذا التغيير اللازم لإنشاء أساسات قوية وسليمة، تمكن من تجسيد المشاريع التكنولوجية الكبرى اقتصادية كانت أم مدنية.
من البديهي إذن أن أي استراتيجية ترسم تكون على أساس معطيات ميدانية دقيقة، لذلك فإن التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات يمثل همزة وصل بين الفاعلين من جهة والمسيرين لقطاع التكنولوجيا الجزائري من جهة أخرى، حيث يكون صوتا للأول وعينا على حقائق الميدان بالنسبة للثاني.
التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات ليس له أي انتماء سياسي، ومستقل تماما عن مؤسسات الدولة.
كيف ترون تقدم مشروع الرقمنة في الجزائر؟
في أي مشروع، مهما كان حجمه أو طبيعته أو مجاله، من المهم أن نجيب على ثلاثة أسئلة أساسية: لماذا وماذا وكيف.
بالنسبة لمشروع التحول الرقمي في الجزائر، سألنا أنفسنا لماذا: لماذا التحول الرقمي؟ لماذا رقمنة الإدارة؟
كانت الإجابة على سؤال “لماذا” واضحة فقد اتفقنا جميعًا على أن الرقمنة أمر لا مفر منه نظرًا للمزايا التي تقدمها للمواطنين والشركات والإدارة ومساهمتها في تطوير الاقتصاد.
أما سؤال “ماذا” فهو يعني تحديد ماهية الجزائر الرقمية التي نرغب أن نصل إليها ونحققها على أرض الواقع، و هو السؤال الذي لم نطرحه على أنفسنا رغم أهميته البالغة لأن الجواب على هذا السؤال يسمح لنا بالاتفاق على رؤية موحدة تجعلنا نتخذ القرارات الصحيحة و نوحد الطاقات، رؤية مشتركة تضمن التناسق بين الإجراءات على أرض الواقع و التنسيق بين الفاعلين.
في 2009 حاولنا الإجابة عن هذا السؤال من خلال ما كان يعرف آنذاك بـ “استراتيجية الجزائر الالكترونية 2013” لكن للأسف لم تطبق هذه الخطة وضعت الوثيقة في الأدراج.
بعدها ذهبت الإدارات مباشرة إلى مسألة “كيف“، كل وزارة و كل ولاية و كل بلدية وكل إدارة بدأت التحول الرقمي الخاص بها بدون تنسيق مع الإدارات الأخرى، و أطلقنا عليه اسم الحوسبة . فكان الجواب على السؤال “كيف” هو شراء معدات وبرامج الكمبيوتر.
لو أردنا إجراء تقييم موضوعي لما آلت اليه عملية التحول الرقمي في الجزائر، فسنقول أننا اليوم حققنا بعض المكتسبات المهمة و تقدمنا بخطوات إلى الأمام لكن بسبب عدم وجود الرؤية المشتركة فإن العديد من هذه المكتسبات لا يتم استغلالها وتسخيرها في خدمة المواطن و الإدارة و المتعامل الاقتصادي.
و من أهم الإنجازات التي تحققت و التي لا تستغل كما يجب، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- بطاقة التعريف البيو مترية : و هي بطاقة ذات تكنولوجيا عالية، تحتوي على شريحتين تخزنان جميع معلومات المواطن حتى الصورة و بصمات الأصابع. كان على كل إدارة تتعامل مع المواطن أن تقتني قارئ للبطاقة البيومترية مما سيغني المواطن من تقديم شهادة ميلاد. لكننا اليوم، للأسف، مازلنا نقدم صورة طبق الأصل للبطاقة البيومترية.
- الامضاء الالكتروني : و هو أساس الإدارة الرقمية، حيث أن عالم الرقمنة ليس فيه أوراق و لا أختام و لا إمضاءات بالقلم، لذا فإن الامضاء الالكتروني يسمح بالتحقق من هوية الشخص الذي أصدر ملفا رقميا ما و يسمح بإمضاء العقود عن بعد. لكن للأسف، برغم جاهزية هذه التكنواوجيا في بلادنا إلا أن عدد الإدارات التي تستعملها لا تتجاوز عدد الأصابع.
- البنية التحتية: لقد شهدنا تحسنا ملحوظا في جودة الإنترنت، لا سيما بعد الزيادات في الحد الأدنى لسرعة التدفق التي انتقلت من 2 ميغا إلى 10 ميغا دون زيادة في الأسعار. بالرغم من أنه لا يزال هناك هامش كبير لتحسين جودة الإنترنت، لكن مستوى أداء البنية التحتية كافٍ إلى حد كبير للسماح بتطوير الخدمات الحكومية عبر الإنترنت، ولا سيما إزالة الطابع المادي من الإجراءات الإدارية، مما سيقلل من البيروقراطية ويحسن علاقة المواطن بالإدارة.
- رقمنة الاقتصاد من أولويات الحكومة، هل الشروط مستوفاة لهذا الغرض؟
يجب أن نتفق أولا على أنه لا يوجد اقصاد قوي في العالم لا يرتكز بشمل أساسي على الرقمنة، أنا لا أتحدث عن الاقتصاد الرقمي أو اقتصاد المعرفة بل عن الاقتصاد الكلاسيكي.
يجب أن نعترف أيضا أن عملية انشاء نشاط اقتصادي في الجزائر تعد عملية صعبة للغاية و تحتاج لنفس طويل، فعلى المتعامل الاقتصادي أن يطلب على الأقل 8 أرقام أو معرفات مرتبطة بنشاطه ، و لكل من هذه الأرقام ، يجب عليه التنقل للإدارات و تقديم ملفات :
- رقم السجل التجاري الصادر عن المركز الوطني للسجل التجاري.
- رقم المادة الضريبية الصادر عن مفتشية الضرائب.
- رقم التعريف الضريبي الصادر عن دائرة الضرائب.
- رقم التعريف الإحصائي الصادر عن الديوان الوطني للإحصاء.
- رقم صاحب العمل أو رقم المستخدِم الصادر عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
- التسجيل لدى الوكالة الوطنية للعمل لتتمكن من التوظيف ؛
- رقم الحساب المصرفي.
- رقم مستخرج من الصندوق الوطني لغير الأجراء
كل هذه البيروقراطية القاتلة كان يمكن حلها عن طريق الرقمنة وذلك بالربط البيني بين جميع هذه الإدارات. لكن ما يبعث على التفاؤل أن قانون الاستثمار الجديد قد أخذ بعين الاعتبار هذه المشاكل، نتمنى أن نرى الحلول سريعا على أرض الواقع.
-
بعد طول انتظار دخل مؤخرا قانون الاستثمار حيز التنفيذ ما رأيكم في التسهيلات الواردة ضمنه خاصة ما تعلق في قطاع الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة؟
نحن في التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات نستبشر خيرا بصدور قانون الاستثمار خاصة أنه كرس قطاع اقتصاد المعرفة وتكنولوجيات الاعلام والاتصال كأحد القطاعات الستة التي ستستفيد من التحفيزات والإعفاءات الضريبية والجمركية. وكان ذلك صريحا في المادتين 2 و 26 من القانون.
كما أن القانون في مادته 18 تحدث عن منصة رقمية للمستثمر وشباك موحد مما سيلغي حتما جميع الحواجز البيروقراطية ويضفي الشفافية وسرعة التنفيذ. وهذا ما طالبنا به في عدة مناسبات آملين أن يتحقق فعلا على أرض الواقع ولا يبق حبرا على ورق.
كما علينا الآن أن نقوم بحملة إعلامية احترافية على نطاق واسع تروج للجزائر كوجهة للمستثمرين عبر العالم وننبه أن هذا العمل الترويجي يجب أن تقوم به شركات خاصة و متخصصة في مجال الاعلام و مكاتب دراسات تعمل في مجال جلب المستثمرين.
-
يقول الخبراء إننا أكثر عرضة للجرائم الإلكترونية من أي وقت مضى. هل بياناتنا، وخاصة البيانات الحكومية ، محمية بشكل كاف؟
في الحرب الكلاسيكية، يتم إعلان حالة الحرب أولاً ثم تبدأ الأعمال العدائية، عكس الفضاء السيبراني، يجب أن نعرف اليوم أن العالم في حالة حرب إلكترونية غير معلنة، حرب لا توجد فيها قواعد علاوة على ذلك رأينا كيف أن الحلفاء يتجسسون على بعضهم البعض. لذا يجب ألا ننخدع ونظن أن الهاكرز هم أفراد يجلسون في قبو منزل يحاولون اقتحام أجهزة الكمبيوتر بل غالبية الهجمات يكون وراءها دول معادية.
فالجنود في العالم السيبراني هم أشخاص تجندهم الدول يستخدمون أجهزة الكمبيوتر لأغراض هجومية، مثل سرقة البيانات والتخريب والابتزاز وحتى التسبب في أضرار مادية، كما كان الحال مع فيروس “ستاكسنات” الذي دمر أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في محطة نووية إيرانية.
لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت بياناتنا الحكومية محمية بشكل كاف أم لا، أفترض أن هذه القضية يتم الاهتمام به على مستوى عالٍ حيث تعد من الأمن القومي، ومع ذلك أدعو جميع مستخدمي أنظمة الكمبيوتر إلى توخي الكثير من الحيطة واليقظة باحترام تعاليم الحماية والامن.
في هذا السياق ، سبق و أن نبهت المسؤولين لتجنب تبادل رسائل البريد الإلكتروني عبر خوادم أجنبية (جيمايل، ياهو و هوتمايل). ما هي الأخطار التي يتعرضون لها؟
من أهم الممارسات الآمنة في مجال تكنولوجيات الاعلام والاتصال هي استخدام صناديق البريد الكترونية المستضافة في الجزائر. خاصة بالنسبة للمسؤولين والأشخاص العاملين في الإدارات الذين يتعين عليهم تبادل مستندات وبيانات هامة في عملهم اليومي.
باستخدام خدمات البريد الإلكتروني المستضافة في الخارج مثل جمايل، ياهو و هوتمايل نحن نقدم بياناتنا على طبق من ذهب لأعدائنا. يجب أن نعلم أنه عند ارسال رسالة إلكترونية من قبل مرسل جزائري إلى مستلم جزائري عن طريق بريد الكتروني مستضاف في الخارج، فإنه يتم تخزين محتوى هذه الرسالة والملفات الملحقة بها في خادم مستضاف في مركز بيانات في الخارج، مما سيتيح لمالكي هذا المركز الاطلاع على المحتوى بدون عناء.
- لا تزال نسبة الضرائب و الرسوم الجمركية المطبقة على استيراد أجهزة الكمبيوتر وملحقات الوسائط المتعددة الأخرى (الطابعات والبرامج) مرتفعة للغاية وتشكل عائقاً أمام مجتمع المعرفة. هل تشارك هذا الرأي؟
“محو الأمية الرقمية” بين جميع شرائح المواطنين يجب أن يكون من أولويات الحكومة كما عليها أن تشجع جميع الجمعيات المكونة للمجتمع المدني أن تشارك فيه.
إن معدل انتشار الهواتف الذكية / الأجهزة اللوحية قد تطور بشكل كبير في الجزائر، إلا أنها تظل أجهزة مهيأة بشكل أساسي لاستهلاك المحتوى.
أما عدد الحواسيب الشخصية فهولا يتجاوز 3 ملايين جهاز كمبيوتر لأكثر من 40 مليون نسمة وهو عدد ضئيل جدا، مما يقلل بشكل كبير نطاق الحلول الممكنة لضمان المرونة في العمل أو التعلم.
في هذا السياق، يجب مراجعة الضرائب و الرسوم الجمركية المطبقة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية وغيرها من معدات تكنولوجيا المعلومات.
إن التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات استقبل بارتياح كبير إلغاء الرسم على الاستهلاك الداخلي من الرسوم المفروضة على استيراد أجهزة الكمبيوتر في قانون المالية التكميلي ولكن يواصل التجمع مطالبته بتخفيض أكثر للرسوم المفروضة على هذه الأجهزة خاصة أن أسعارها في السوق الدولية ارتفعت بسبب جائحة كورونا مما انعكس على أسعارها في السوق الوطنية.
https://almostathmir.dz/