اقرأ في هذا المقال
- الهيدروجين النقي سيفرض نفسه في عملية تحول الطاقة
- البرنامج الجزائري للهيدروجين يواكب الحركة العالمية الملاحظة منذ الأعوام القليلة الماضية
- الجزائر المرشح الأبرز على مستوى شمال أفريقيا لتزويد أوروبا بالهيدروجين
- الجزائر تخصص أهمية للشراكة والتعاون في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر
- هناك مفاوضات فعلية بين الجزائر ومجموعة البلدان الأوروبية لتزويدها بالهيدروجين
يحظى قطاع الهيدروجين في الجزائر باهتمام حكومي ملحوظ أسفر عنه تطورات ملموسة لفتت أنظار العالم، وخاصة الدول الأوروبية التي باتت تترقب أيّ مصدر من مصادر الطاقة يخرجها من أزمتها التي تعيشها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ويدعم -في الوقت نفسه- مسيرتها نحو الحياد الكربوني.
وتتمتع الجزائر بمميزات مهمة تؤهلها لتكون مورّدًا رئيسًا لأوروبا، وذلك بحسب ما يوضحه مدير الهيدروجين والطاقات البديلة لمحافظة الطاقات المتجددة في الجزائر، الدكتور رابح سلامي، في حوار خاص أجرته معه منصة الطاقة المتخصصة.
ويكشف سلامي في حواره مع منصة الطاقة جهود الحكومة بدعم قطاع الهيدروجين في الجزائر، من جميع النواحي التنظيمية والمادية، مستدلًا ببرنامج الجزائر الوطني لتطوير قطاع الهيدروجين وإنتاجه، كاشفًا تفاصيل خريطة الطريق المعتمدة لتأطير كل العملية من البداية إلى النهاية.
إلى تفاصيل الحوار:
تتجه الجزائر لتطوير إنتاج واستغلال الهيدروجين، ماذا يعني ذلك؟
أولًا، لا بدّ من الوقوف على بروز أهمية الهيدروجين على المستوى العالمي، خاصة بعد إطلاق العديد من المشروعات التي أكدت أنّ الاكتفاء بالطاقات المتجددة وحدها دون إدراج قطاع الهيدروجين يستحيل أن يُحقق هدف تحول الطاقة المنشود؛ الأمر الذي يفرض إدخال عنصر جديد يسمح بتخزين الطاقات المتجددة ونزع الكربون من المجالات التي يصعب إدخال الكهرباء فيها.
من هنا تأتي أهمية الهيدروجين الذي يعدّ بمثابة أداة لإنتاج أنواع أخرى من الطاقة، إضافة إلى كونه منتجًا للطاقة بحدّ ذاته.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الهيدروجين النقي عمومًا -والأخضر منه خصوصًا- سيفرض نفسه في عملية تحول الطاقة، خاصة بالنسبة لبعض المجالات التي يصعب إدخال الكهرباء فيها، أو تلك التي يصعب نزع الكربون منها؛ لكونها تستعمل كميات هائلة من الطاقة، وتحتاج لدرجات حرارة عالية، كما هو الشأن بالنسبة لمجال صناعة الأسمنت أو إنتاج الحديد والصلب، بصفتها المجالات التي تستعمل طاقات حرارية كثيرة يمكن للهيدروجين أن يوفرها.
بالنسبة للجزائر، فإنّ البرنامج الوطني يواكب الحركة الكبيرة العالمية الملاحظة منذ السنوات القليلة الماضية، لذلك فإنّ الجزائر كانت من أوائل الدول التي شعرت بأهمية تطوير إنتاج الهيدروجين في الجزائر واستعماله، وانعكس ذلك في إرادة السلطات العليا لتجسيد البرنامج المقرر، تحت إشراف الوزارة الأولى ووزارة الطاقة، من خلال تشكيل فريق عمل يضم كل القطاعات المعنية، ومن بينها محافظة الطاقات المتجددة والفاعلية الطاقية، بالإضافة إلى وزارة الصناعة ووزارة المالية، وكذلك وزارة التعليم والبحث العلمي.
ما دور فريق العمل؟
المهمة الأولى لهذا الفريق هي وضع خطة إستراتيجية وخريطة طريق لإطلاق شعبة إنتاج الهيدروجين في الجزائر، تفتح المجال لبلادنا لبعث مشروعات على المدى المتوسط، والهدف هو إنتاج ما أطلق عليه “الهيدروجين المتجدد والنظيف”، لاسيما الهيدروجين الأخضر المطلوب في الأسواق الأوروبية، إذ تشير التوقعات الى أنّ البلدان الأوروبية تطمح لاستيراد ما يعادل 10 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر في حدود 2030، ضمن إستراتيجيتها لنزع الكربون من مختلف القطاعات الصناعية في أوروبا.
هل يمكن للجزائر تغطية احتياجات السوق الأوروبية من الهيدروجين؟
تعدّ الجزائر أول البلدان المرشحة لأداء هذا الدور على مستوى المنطقة المغاربية وشمال أفريقيا، إذ تحوز عدّة مقومات تمنحها الأفضلية مقارنة بالبلدان المجاورة، بالنظر الى خبرة الجزائر في مجال الغاز الطبيعي، وإنتاجه ونقله وتسييله.
يضاف إلى هذا شبكة الأنابيب المتصلة ببلدان الضفة الشمالية للمتوسط، وهي شبكة الأنابيب التي يمكن استعمالها لنقل الهدروجين كذلك، كما أنّ قرب المسافة من القارة الأوروبية يجعل تكلفة النقل أقلّ مقارنة مع المنافسين، فضلًا عن توافر حجم كبير من الطاقات المتجددة، في مقدّمتها الطاقة الشمسية، إضافة إلى شريط ساحلي يمتد على مسافة تفوق 1200 كيلومتر، يفتح المجال لاستعماله لإنجاز محطات تحلية مياه البحر، إذ إنّ المياه تعدّ عنصرًا أساسيًا في سلسلة لإنتاج الهيدروجين.
كيف يترجَم هذا على أرض الواقع؟
هناك عدّة مشروعات نموذجية تدرس حاليًا في إطار الشراكة بين الجزائر وألمانيا، بالتوازي مع مشروعات أخرى تتفاوض الجزائر حولها مع مجموعة من الشركاء، ضمن خطة الطريق المقررة في هذا المجال.
وبالرجوع إلى الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر المنتظر نشرها في المستقبل القريب، فإن الجزائر تخصص أهمية للشراكة والتعاون في مجال انتاج الهيدروجين الأخضر.
ما تفاصيل خريطة الطريق؟
تنص خريطة الطريق على وضع تدابير ضمن 3 مراحل أساسية، المرحلة الأولى التي انطلقت وتستمر إلى 2030، تخص إطلاق شعبة الهيدروجين في الجزائر، وتحديد الإطار القانوني والمعياري الخاص بالهيدروجين، بصفته عنصرًا جديدًا يجري التعامل معه والتحكم في الضوابط المتعلّقة بمعايير السلامة، إلى جانب تكوين الموارد البشرية التي سيكون على عاتقها تطوير هذه الشعبة بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لتحضير المتخرجين الجدد من الجامعات.
كما تطلق خلال هذه المرحلة مشروعات نموذجية تكون بمثابة ورشة لتجريب أبرز التقنيات الموجودة عبر العالم في هذا المجال، بالتوازي مع إطلاق دراسات لتقييم الاحتياطيات، وتحديد أفضل المناطق لإنجاز المشروعات (توفر الطاقة المتجددة، والمياه، والبنية التحتية لنقل الهيدروجين).
هذه المشروعات النموذجية ستخصّ كل سلسلة القيمة لشعبة الهيدروجين، ودراسة إمكان نقله عبر الأنابيب الموجودة أو التفكير في إنجاز شبكة جديدة، فضلًا عن إدخال المنتوج الوطني في جميع أجزاء سلسلة القيمة، على غرار المجالات الكهربائية وأنظمة انتاج الكهرباء المتجددة، ضمن خطة للتنسيق بين وزارة الصناعة ووزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ماذا عن المرحلة الثانية؟
خلال المرحلة الثانية الممتدة بين 2030 و2040، تشهد الجزائر إطلاق المشروعات الصناعية الكبيرة على ضوء المشروعات النموذجية المنجَزة في المرحلة الأولى، ولكن بطريقة تدريجية ترتفع خلالها الطاقة الإنتاجية عامًا بعد عام إلى غاية بلوغ مليون طن من الهيدروجين الأخضر الموجّه للتصدير في سنة 2040، و250 ألف طن من الهيدروجين الأخضر والأزرق الموجّه للاستعمالات المحلية.
ونهدف من هذا إلى الاستعاضة عن الهيدروجين الرمادي المستعمل حاليًا في الصناعات المحلية بالهيدروجين النظيف المنتج، خاصة في مجال نشاطات التكرير وإنتاج الامونيا والميثانول، ومن ثم العمل على نزع الكربون من الصناعة المحلية، ثم العمل على إدخال الهيدروجين في العديد من المجالات، كإنتاج الاسمنت وصناعة الزجاج وصناعة الحديد والصلب.
والملاحظ أن النسبة الكبيرة موجّهة للتصدير نحو السوق الأوروبية؛ استجابة للطلب الكبير على الهيدروجين الأخضر، بينما تخصص ربع هذه الكمية فقط لإدخالها في الصناعات المحلية.
هل هناك تواصل مع الأطراف الأوروبية للحصول على الهيدروجين الجزائري؟
انطلقت المفاوضات والمشاورات فعليًا مع مجموعة البلدان الأوروبية، ممن أبدت رغبتها في الحصول على حصص من الهيدروجين الأخضر الجزائري، والتعاون قبل ذلك خلال المراحل الأولى، قصد التحضير لإنتاجه.
وقد أعلنت دول الاتحاد الأوروبي احتياجات كبيرة جدًا بحدود عام 2030، تُقدَّر بزهاء 20 مليون طن من الهيدروجين الأخضر، نصف هذه الكمية يُستورد من البلدان المجاورة.
وتعدّ الجزائر أحد أبرز الدول لتزويد أوروبا باحتياجاتها بأقلّ تكلفة ممكنة؛ نظرًا للمميزات المذكورة سابقًا.
وضمن هذا السياق، تندرج دراسة مشروع موجود حاليًا، وهو ما يُعرف بـ”ساوث تو كوريدور”، يشمل النمسا وإيطاليا وألمانيا، على مسافة تزيد عن 3300 كيلومتر، وبطاقة نقل سنوية تصل إلى 4 ملايين طن من الهيدروجين، تشير الدراسة أنه سيزوّد كذلك بخزنات لضمان الأمن الطاقي للأنبوب، وتزويد هذه البلدان بكميات هائلة على مدار السنة.
ويتضمّن مشروع الأنبوب هذا امتدادًا يشمل الجزائر؛ ما يؤكد أهميتها في منظور السوق الأوروبية ومخططها لتطوير استعمال الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى إمكانات إنجاز خطوط جديدة مستقبلًا لنقل الهيدروجين الأخضر حصريًا.
كيف ستكون المرحلة الثالثة من خريطة الطريق؟
المرحلة الثالثة، التي تبدأ من سنة 2040، تشهد مرحلة انتاج الهيدروجين الأخضر من أجل ضمان تمركز الجزائر في هذا المجال على المستوى العالمي، عبر إطلاق مشروعات كبيرة جدًا، في حين ستحدَّد كميات الإنتاج حسب الطلب على هذا النوع من الطاقة، ومن ثم فيمكن رفع الطلب حسب حجم السوق الدولية واحتياجاتها.