في حديث له، تناول الفيلسوف والمنظر الجيوسياسي الروسي ألكسندر دوغين الوضع في سوريا من منظور جيوسياسي وتاريخي، مستشهداً بنظرية ابن خلدون حول صعود وسقوط الدول. دوغين، المعروف بتحليلاته العميقة للشؤون الدولية، قدم رؤية شاملة لأسباب انهيار سوريا وتداعياته على المنطقة والعالم.
أسباب الانهيار الداخلي والخارجي
بدأ دوغين بالإشارة إلى أن انهيار سوريا يعود إلى أسباب داخلية وخارجية. من الناحية الداخلية، أشار إلى أن نظام الأسد لم يقم بالإصلاحات الضرورية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية. كما أشار إلى أن بشار الأسد، على عكس والده حافظ الأسد، لم يكن بنفس الكفاءة السياسية والحيوية، مما أضعف قدرة النظام على الحفاظ على استقرار البلاد.
من الناحية الخارجية، أوضح دوغين أن روسيا، التي كانت داعمة رئيسية للنظام السوري، أصبحت غارقة تماماً في الحرب الأوكرانية. وأكد أن روسيا لا تستطيع خوض حربين في وقت واحد، مما أدى إلى تراجع دعمها لسوريا. كما أشار إلى أن الولايات المتحدة، رغم محاولاتها تبني عقيدة القتال في جبهتين، تواجه أيضاً تحديات كبيرة في هذا الصدد.
نظرية ابن خلدون وتطبيقها على سوريا
استشهد دوغين بنظرية ابن خلدون حول دورة صعود وسقوط الدول، حيث أشار إلى أن سوريا تشهد الآن مرحلة من الانهيار تشبه ما وصفه ابن خلدون. وفقاً لهذه النظرية، تبدأ الدول بقوة وشجاعة، ثم تتراجع مع مرور الأجيال، حيث يفقد الحكام اللاحقون الكفاءة والشجاعة، مما يؤدي إلى انهيار الدولة ووصول غزاة جدد.
وأكد دوغين أن سوريا تشهد الآن ظهور قوى جديدة أكثر وحشية، مما يدل على صحة نظرية ابن خلدون. كما أشار إلى أن روسيا لم تتدخل في المعركة الحاسمة في سوريا، مما ترك الأمور تسير نحو المزيد من التدهور.
تداعيات كارثية على المنطقة
توقع دوغين أن تكون لهذه الأحداث عواقب كارثية على المنطقة بأكملها. وأشار إلى أن سوريا قد تصبح مثل ليبيا، حيث تتصارع الميليشيات المختلفة، مما يؤدي إلى مزيد من التفتت والدمار. كما أشار إلى أن القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك تركيا والقوى العربية، ستتصارع في سوريا، مما سيؤدي إلى مواجهات خطيرة.
مستقبل روسيا في الشرق الأوسط
رغم انسحاب روسيا الجزئي من الشرق الأوسط، أكد دوغين أن موسكو ستظل منخرطة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً في المنطقة. وأشار إلى أن روسيا تركز حالياً على الحرب في أوكرانيا، ولكن بعد تحقيق النصر، ستعود لدورها في العالم الإسلامي. ومع ذلك، شدد على أن العالم الإسلامي يحتاج إلى إجراء تغييرات جذرية لمواكبة التطورات العالمية.
في الختام، قدم ألكسندر دوغين تحليلاً شاملاً لأزمة سوريا، مستنداً إلى نظرية ابن خلدون والواقع الجيوسياسي الحالي. وأكد أن سوريا ستظل ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية، مما سيؤدي إلى مزيد من التدهور والدمار. ومع ذلك، أشار إلى أن روسيا ستظل لاعباً رئيسياً في المنطقة، ولكن بعد أن تحسم معركتها في أوكرانيا.