في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الجزائر، تبرز أهمية الاستثمار في الموارد البشرية كواحد من الحلول الاستراتيجية لتعزيز التنمية المستدامة. يلقي الأستاذ كمال ديب الضوء على قضية هامة تتعلق بهجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج، ويدعو إلى إعادة النظر في كيفية إدارة هذه الموارد القيمة. يسلط الضوء على التكاليف الكبيرة التي تتحملها الدولة في تعليم وتدريب الأطباء، مقابل استفادة الدول المستقبلة من هذه الكفاءات بدون مقابل. من خلال هذا المقال، يقدم الأستاذ ديب اقتراحًا متكاملاً لتنظيم هجرة الأطباء الجزائريين بشكل يضمن حقوقهم ويعزز من استفادة الدولة من استثمارها في تدريبهم. إن الهدف من هذا الاقتراح هو تحويل ظاهرة هجرة العقول من تحدي إلى فرصة اقتصادية، تدعم الاقتصاد الوطني وتحافظ على كرامة الأطباء الجزائريين في الداخل والخارج
تكاليف تعليم الأطفال في فرنسا
يبدأ الأستاذ بعرض بيانات حول تكاليف تعليم وتدريب الأطفال في فرنسا من ولادتهم حتى سن 18 عامًا
- الغذاء: 27000 يورو على مدى 18 عامًا (1500 يورو سنويًا)
- الملابس: 10800 يورو على مدى 18 عامًا (600 يورو سنويًا)
- السكن: 36000 يورو على مدى 18 عامًا (2000 يورو سنويًا)
- التعليم: 10800 يورو على مدى 18 عامًا (600 يورو سنويًا)
- الصحة: 14400 يورو على مدى 18 عامًا (800 يورو سنويًا)
- الترفيه: 14400 يورو على مدى 18 عامًا (800 يورو سنويًا)
وبالتالي، فإن التكلفة الإجمالية لتربية الطفل حتى سن البلوغ تصل إلى حوالي 113300 يورو
هجرة العقول والأطباء الجزائريين
تكوين الأطباء في الجزائر
- الأطباء في الجزائر يتم تدريبهم مجانًا من قبل الدولة، من التعليم الابتدائي حتى الدكتوراه
- هذا التدريب مكلف ومكثف، مع برامج جامعية صارمة
- يعتبر الأطباء الجزائريون من بين أفضل الطلاب، وغالبًا ما يكونون الأوائل في امتحانات البكالوريا
هجرة الأطباء إلى فرنسا
: يهاجر العديد من الأطباء الجزائريين إلى فرنسا لأسباب مختلفة
- ظروف شخصية ومهنية-
- صعوبة العثور على عمل في الجزائر-
- البيروقراطية وعدم الاعتراف بالكفاءات في الجزائر-
- آفاق أفضل للعمل وظروف عمل أفضل في فرنسا-
تستفيد فرنسا من تدفق هؤلاء الأطباء المؤهلين دون أن تستثمر في تدريبهم. ووفقًا للإحصائيات الفرنسية
- %48 الأطباء الجزائريون في فرنسا
- 19% تونسيون
- 5% مغاربة
- 28% من جنسيات أخرى (بما في ذلك اللبنانية والسنغالية)
اقتراح للجزائر
الاستثمار في الموارد البشرية
يقترح الأستاذ كمال ديب تنظيم هجرة الأطباء الجزائريين إلى الخارج في إطار منظم ومهيكل، بحيث يضمن حماية حقوقهم وتوليد إيرادات للدولة الجزائرية. وفيما يلي تفاصيل الاقتراح
إنشاء هيئة وطنية لتنظيم هجرة الأطباء
مهام الهيئة
- التنسيق مع الدول المستقبلة لتنظيم عمليات الهجرة
- ضمان حماية حقوق الأطباء الجزائريين في الخارج
- مراقبة الاتفاقيات الدولية لضمان الحصول على تعويض مالي عن كل طبيب مهاجر
توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المستقبلة
شروط الاتفاقيات
- تعويض مالي عن تكاليف تدريب الأطباء الجزائريين
- ضمان شروط عمل عادلة ومحترمة للأطباء الجزائريين في الدول المستقبلة
- توفير الحماية القانونية للأطباء الجزائريين من الاستغلال أو التمييز
توفير برامج تدريبية وتحضيرية للأطباء
محتوى البرامج
- دورات تدريبية لتعزيز الكفاءات الطبية والتقنية-
- دورات في اللغات الأجنبية (كالفرنسية والإنجليزية) لسهولة الاندماج في الدول المستقبلة-
- ورش عمل حول الثقافات والتكيف مع البيئات الجديدة-
تحسين ظروف العمل والمعيشة للأطباء في الجزائر
إجراءات تحسين الظروف
- زيادة الرواتب والحوافز المالية للأطباء
- تحسين بيئة العمل وتوفير المعدات الطبية الحديثة
- تقديم فرص تدريب مستمرة ودعم التطوير المهني
- مراجعة القوانين لتسهيل الإجراءات البيروقراطية
إنشاء صندوق لدعم الأطباء المغتربين
مهام الصندوق
- توفير الدعم المالي للأطباء في حالات الطوارئ
- تقديم خدمات استشارية وقانونية لحماية حقوقهم
- تعزيز الروابط بين الأطباء المغتربين ووطنهم الأم من خلال برامج تبادل الخبرات
الفوائد المتوقعة
للدولة
- توليد إيرادات مالية من تعويضات الدول المستقبلة
- الاستفادة من خبرات الأطباء العائدين بعد اكتسابهم خبرات دولية
- تقليل هجرة العقول غير المنظمة واستثمار أفضل في الموارد البشرية
للأطباء
- ضمان حقوقهم وحمايتهم في الخارج
- تحسين ظروف العمل والمعيشة
- تعزيز الفرص المهنية والتطوير الشخصي
إن مقترح الأستاذ كمال ديب يمثل نداءً إلى السلطات الجزائرية لإعادة تقييم سياساتها تجاه إدارة الموارد البشرية، وبالأخص في القطاع الطبي. من خلال تنظيم هجرة الأطباء بشكل منهجي ومدروس، يمكن للجزائر تحويل هجرة العقول إلى فرصة اقتصادية تدر عوائد مالية وتضمن حماية حقوق الأطباء في الخارج. هذه الخطوة ليست فقط حلاً اقتصادياً، بل هي أيضاً ضرورة اجتماعية لضمان كرامة الأطباء الجزائريين وتوفير بيئة عمل ملائمة لهم داخل وخارج البلاد
إن الاستثمار في الموارد البشرية، وخصوصاً في الأطباء، يعزز من قدرة الجزائر على المنافسة العالمية، ويقلل من نزيف الكفاءات الذي تعاني منه البلاد. إن تحسين ظروف العمل في الجزائر، وتوقيع اتفاقيات ثنائية تضمن تعويضات مالية وتوفير الدعم للأطباء المغتربين، كلها خطوات ضرورية لتحقيق هذا الهدف
يدعو الأستاذ ديب إلى تطبيق هذا المقترح كجزء من استراتيجية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، مؤكداً على أن النجاح في هذا المجال يعتمد على الإرادة السياسية والتعاون الفعّال بين جميع الأطراف المعنية. إن تحويل التحديات إلى فرص يتطلب رؤية مستقبلية واستثمارات حكيمة في أهم ثروة تملكها الجزائر: مواردها البشرية