الوضع الاقتصادي في فرنسا يمر بمنعطف خطير، حيث تواجه البلاد أزمة مالية عميقة قد تكون لها تداعيات طويلة الأمد. وفقًا لما ناقشه البروفيسور كمال ديب في أحدث مداخلاته، تتجه فرنسا بخطوات ثابتة نحو ما يُطلق عليه “وحل الاستدانة”، وهو مؤشر على أزمات هيكلية تُنذر بانهيار اقتصادي وشيك.
وحل الاستدانة: أزمة هيكلية عميقة
مع بداية عام 2025، لجأت فرنسا إلى الاقتراض من الأسواق الدولية بقيمة 340 مليار يورو، ما يعادل 350 مليار دولار تقريبًا. هذا الرقم يعكس حجم الاعتماد الكبير على الاستدانة لتغطية العجز المالي. الأمر المثير للقلق أن تكلفة الاقتراض ارتفعت بشكل حاد. ففي يناير 2024، كان معدل الفائدة على السندات الفرنسية ذات العشر سنوات يبلغ 2.7%، بينما وصل في يناير 2025 إلى 3.41%، متجاوزًا حتى معدل الفائدة على السندات اليونانية التي طالما عُدت رمزًا للأزمات المالية.
هذا الارتفاع في معدلات الفائدة يُظهر فقدان المستثمرين ثقتهم في قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها المالية. تخفيض وكالات التصنيف الائتماني مثل ستاندرد آند بورز وفيتش وموديز لتصنيف الدين السيادي الفرنسي كان عاملًا رئيسيًا في هذا التدهور، ما أدى إلى مطالبة الأسواق بمعدلات فائدة أعلى.
هروب رؤوس الأموال وتصاعد الاستثمارات الخارجية
إحدى المؤشرات الخطيرة الأخرى التي ناقشها ديب هي هروب رؤوس الأموال الفرنسية إلى الخارج. في عام 2023، كان الفرنسيون يمتلكون سندات خزانة أمريكية بقيمة 222 مليار دولار. بنهاية عام 2024، ارتفعت هذه القيمة إلى 330 مليار دولار، بزيادة بلغت 48.6%. هذا التحول يُظهر كيف أن المستثمرين الفرنسيين فقدوا الثقة في الاقتصاد المحلي واتجهوا نحو “الملاذات الآمنة” مثل الولايات المتحدة.
الأزمة لم تتوقف عند هروب رؤوس الأموال؛ بل إن الشركات الفرنسية، خاصةً في قطاع السيارات، بدأت تتجه نحو دول صغيرة مثل لوكسمبورغ، حيث الضرائب والنظام المالي أكثر جذبًا للاستثمارات.
أزمة سياسية تُعمّق المأزق الاقتصادي
الأزمة الاقتصادية تتزامن مع اضطراب سياسي غير مسبوق. فشل الرئيس ماكرون في تشكيل حكومة مستقرة أو تقديم ميزانية لعام 2025 يضع البلاد أمام تحديات كبيرة. الأسواق المالية تنظر بتوجس إلى عدم استقرار المشهد السياسي، مما يزيد من صعوبة جذب الاستثمارات أو تحسين تصنيف فرنسا الائتماني.
إضافة إلى ذلك، تواجه فرنسا ضغطًا متزايدًا لإصلاح نظام التقاعد، وهو ملف حساس قد يؤدي إلى موجة جديدة من الاحتجاجات والإضرابات. هذا الملف بالذات قد يكون “القشة التي تقصم ظهر البعير” وتضع الحكومة في مواجهة مباشرة مع الشعب.
هل النهاية قريبة لماكرون؟
تصريحات البروفيسور كمال ديب تتوقع أن أيام ماكرون في السلطة أصبحت معدودة. تجربة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الذي استقال مؤخرًا نتيجة لأزمة سياسية مماثلة، تُظهر كيف أن زعماء العالم أصبحوا مطالبين أكثر من أي وقت مضى بالاستجابة لضغوط الشعوب.
بينما يتوقع البعض أن تتخذ الحكومة الفرنسية قرارات حاسمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أن عدم اتخاذ خطوات جادة حتى الآن يُظهر عجز النظام عن التعامل مع الأزمات المتشابكة التي تعاني منها البلاد.
فرنسا، التي كانت يومًا رمزًا للازدهار الاقتصادي والثقافي، تواجه اليوم شبح الانهيار. التدهور المالي، هروب رؤوس الأموال، الأزمات السياسية، والتخبط في السياسات الاقتصادية، كلها عوامل تجعل السؤال مشروعًا: هل سيهرب ماكرون من جحيم الخراب الاقتصادي أم أن النهاية قد تكون أقرب مما يتصور الجميع؟
مرجع: تحليل كمال ديب العميق للوضع الراهن
في هذا السياق، يقدّم البروفيسور كمال ديب تحليلًا دقيقًا وشاملًا للوضع المالي والاقتصادي في فرنسا من خلال بودكاسته المتاح على قناة الباريسية. يناقش ديب أسباب الأزمة المالية التي تواجهها فرنسا، بما في ذلك ارتفاع معدلات الاقتراض، هروب رؤوس الأموال، وتداعيات السياسات الحكومية المتعثرة. بالإضافة إلى ذلك، يشير إلى الآثار العالمية لهذه الأزمة، وكيف يمكن أن تعيد تشكيل التوازنات الاقتصادية في أوروبا والعالم. للاستماع إلى التفاصيل الكاملة لهذا التحليل، يمكنكم متابعة البودكاست عبر الرابط التالي: بودكاست كمال ديب – فرنسا تغرق.