في ظل التحولات الاقتصادية العميقة التي يشهدها العالم، تبدو حالة الاقتصاد المغربي في وضع حرج قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات المالية والاجتماعية في البلاد. أ.د. كمال ديب، من خلال تحليله المفصل للعلاقة بين الدين العمومي الداخلي ومعدلات البطالة في المغرب الأقصى، يثير تساؤلات جدية حول المسار الذي يسلكه الاقتصاد المغربي.
تضخم الدين العمومي الداخلي
ابتداءً من عام 2014، كانت نسبة الدين العمومي الداخلي في المغرب تعادل حوالي 58% من الناتج الداخلي الخام، واستمرت في هذا المستوى حتى عام 2019. ومع بداية جائحة كورونا في أواخر 2019 وأوائل 2020، شهدت هذه النسبة ارتفاعاً كبيراً لتصل إلى 72.25% من الناتج الداخلي الخام. هذا الارتفاع المفاجئ يعكس الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي تعرض لها المغرب بسبب الجائحة، والتي أدت إلى زيادة الدين بنسبة 12% في ظرف سنتين فقط.
ومع استمرار هذا الاتجاه التصاعدي في الدين الداخلي، يتوقع أن تظل نسبته مرتفعة عند حدود 67-69% حتى عام 2028، مما يشير إلى أن المغرب قد يدخل في دوامة دينية يصعب الخروج منها، خاصة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة لكبح جماح هذا الدين.
ارتفاع معدلات البطالة
لم يكن تأثير جائحة كورونا محصوراً فقط في زيادة الدين العمومي، بل امتد ليشمل سوق العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة بشكل ملحوظ. فبعد أن كانت نسبة البطالة مستقرة تقريباً حول 9-10% قبل الجائحة، شهدت ارتفاعاً إلى 12% في عام 2020. وعلى الرغم من بعض التحسن الطفيف في السنوات اللاحقة، إلا أن معدلات البطالة ظلت مرتفعة بشكل مزعج، حيث يتوقع أن تستقر عند حوالي 11.5% بحلول عام 2028.
هذا الارتفاع المستمر في معدلات البطالة يشكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد المغربي وعلى النسيج الاجتماعي، حيث يزيد من معدلات الفقر والاحتقان الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية إذا لم يتم التحكم في هذه المعدلات.
أزمات أخرى تزيد الوضع سوءاً
إضافة إلى الدين الداخلي والبطالة، يواجه المغرب الأقصى تحديات أخرى تعقد المشهد الاقتصادي. فمع موجات التضخم وارتفاع الأسعار، يعاني الاقتصاد المغربي من ضغوط كبيرة. كما أن قطاع السياحة، الذي يُعتبر أحد أهم أعمدة الاقتصاد المغربي، يتعرض لأزمات كبيرة بسبب تراجع الخدمات وارتفاع الأسعار، مما أدى إلى إلغاء آلاف الحجوزات في مناطق سياحية مثل الحسيمة وأغادير.
يضاف إلى ذلك أزمة الطاقة والمياه التي تعاني منها البلاد، والتي أثرت سلباً على القطاعات الحيوية مثل السياحة، مما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية.
هل هناك حلول؟
أمام هذه الأوضاع المتأزمة، يظل السؤال مفتوحاً: هل ستتمكن الحكومة المغربية من تجاوز هذه الأزمات الاقتصادية وتجنب الانفجار الاجتماعي؟ يبدو أن الأمور تسير نحو مزيد من التأزم إذا لم تُتخذ إجراءات إصلاحية جريئة لخفض الدين العمومي وتحفيز سوق العمل وتحسين القطاعات الحيوية مثل السياحة والطاقة.
في الختام، يبقى الوضع في المغرب الأقصى محفوفاً بالمخاطر، ويتطلب رؤية استراتيجية واضحة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.