127
بقلم #عدنان_محتالي
يبدو أن الحدود الجنوبية الشرقية للجزائر على موعد مع إشتعال محتمل، فعلى خلفية الإنقلاب الذي قام به قائد الحرس الجمهوري النيجري على الرئيس محمد بازوم، بدأت الإحتقان بين المجلس العسكري المشكل و بين فرنسا، فآخر المستجدات تقول أن وزير الخارجية للرئيس المخلوع، و ذي يحمل اليوم صفة رئيس الدولة بالنيابة، و المختبئ في السفارة الفرنسية، قد أمضى وثيقة سرية تمكن فرنسا من إستعمال العمل العسكري المسلح ضد القصر الرئاسي من أجل اعتعادة الرئيس المحتجز و إعادته إلى منصبه.
بالنسبة لمن أراد الحصول على فهما و متابعة آنية للموضوع، فلن تجد أحسن من حساب الدكتور Idrissa Ayat- إدريس آيات ، ما سأقوم به في هذا المنشور، هو معالجة الإنقلاب من منظور جزائري.
أولا و قبل كل شيء، يجب أن نعلم أن الإنقلاب هو شكل من أشكال التداول على السلطة، و هو شكل يقع عندما تكون آليات التداول السلمي و السلس غير مؤسسة في دولة ما، و عندما يمتلك أحد الفاعلين السياسيين (الشعب، قوة عسكرية، قوة إقتصادية، دولة أجنبية)، القدرة و الرغبة في نقل السلطة من الطرف الذي يحوزها إلى طرف آخر، و هو في نفس الوقت مدان قانونا حسب القانون الدولي، لكنه يخضع لمبدأ الكيل بمكيالين سياسيا، أي أن الإدانة، شكلها و حدتها، تخضع لمصالح كل طرف/دولة….. و لهذا، فلا داعي للإنجرار وراء التضخيم و الشيطنة و الجلبة التي تحدثها وسائل الإعلام، و خصوصا الغربية منها، فـ 70% من الإنقلابات عبر التاريخ كانت مدعومة من طرف الولايات المتحدة، و أغلب الإنقلابات في إفريقيا إلى حدود سنة 2018، كانت مدعومة من فرنسا.
المثير للإهتمام هنا أن الإنقلاب حدث دون وقوع خسائر بشرية، فقد بدأه قائد الحرس الجمهوري، حين احتجز الرئيس، و قام بعد ذلك بالتفاوض مع قادة الجيش و الشرطة، لينخرطوا جميعا في الإنقلاب، و مشكلين المجلس القومي لإنقاذ الوطن.
قائد الإنقلاب عبد الرحمان تشياني، شغل منصب قائد الحرس الجمهوري منذ سنة 2011، و هي السنة التي تم فيها انشاء الجهاز من طرف الرئيس السابق محمد إيسوفو، و هذا من أجل منع حدوث الإنقلابات، و قد قام هذا الجهاز فعلا بإفشال انقلابين على بازوم، ليكون هو المسؤول عنه في المرة الثالثة، و تعتبر دولة النيجر أكثر الدول تعرضا للإنقلابات في إفريقيا، حيث تحمل في رصيدها 5 انقلابات ناجحة.
خلال لما يتم الإحاء له، فإن الإنقلاب لا يبدو أنه يدخل في أطر الصراعات الشرقية-الغربية ، الروسية-الغربية أو الروسية الفرنسية من أجل النفوذ في إفريقيا، حيث تشير التقارير و القراءات إلى أن السبب في قيام قائد الحرس الجمهوري بالإنقلاب، و عدم رضاه عن جهود بذلها بازوم من أجل إقالته و إعادة هيكلة الحرس، مما دفعه للتحرك، أما بالنسبة لروسيا، فهي تقف رسميا، مترقبة و بحذر لما يحدث، و لا يجب أن نغفل هنا، على أن إنخراط روسيا في ما يحدث بشكل سري وارد جدا، فقائد الإنقلاب و من اتبعه من قادة عسكريين، يعلمون أهمية النيجر بالنسبة لفرنسا، و بالتالي فهم على علم بخطورة ما يقومون به، و القيام به دون دعم من ظهير قوي يعتبر مجازفة غير محسوبة العواقب، مجددا يبقى هذا مجرد احتمال لا تدعمه أدلة.
بالنسبة للجزائر، فقد أدانت الإنقلاب بشدة، كما أن بيانا للوزارة الخارجية ذكر أن الرئيس تبون أمر وزيره بالإتصال بنظيره النيجري من أجل نقل دعم و تضامن الرئيس الجزائري لتظيره بازوم، بطبيعة الحال، فإن الإدانة الرسمية لا تعني بالضرورة الإعتراض الفعلي، لكن كل الأدلة تشير إلى ذلك، بالنظر إلى تأثير الإنقلاب على عموم المصالح الجزائرية في النيجر.
هنا يجب أن ننبه إلى نقطة مهمة في معالجة الإنقلاب، لا يجب أن نتسرع في الإعتقاد أن كل حدث سياسي يتعارض مع المصالح الفرنسية، أو يعزز التواجد الروسي في إفريقيا، يخدم بشكل آلي المصالح الجزائرية، فهذه الأخيرة متباينة بشدة مع مصالح الدولتين و الغرب عموما.
إن رفض الجزائر للإنقلاب و إدانته، نابع بشكل أساسي من أنها دولة متاخمة لها، و عودة أو تفاقم اللاإستقرار إلى المنطقة، يعني بذل الكثير من الجهد و الموارد المالية لتأمين الحدود، كما أن اللاإستقرار يهدد المعبر التجاري الذي تسعى الجزائر لتشييده و التسويق للمنتوج الجزائري من خلاله، دون أن ننسى الأنبوب الغازي الذي ينطلق من نيجريا، مرورا بالنيجر و الجزائر نحو أوروبا، و إذا تأزم الوضع، فإن هذا المشروع سيكون مهددا، و سيتيح الفرصة للبديل المار عبر المغرب، كما لا يجب أن ننسى أن نجاح انقلاب اليوم، يعني أن انقلابات أخرى في الطريق، سواء في نفس البلد أو انتقال العدوى إلى بلد مجاور آخر.
لقد استثمرت الجزائر كثيرا في استقرار النيجر، و في الرئيس بازوم نفسه، و لهذا، فإن الإطاحة به تتعارض مع المصالح الجزائرية، فحتى و لو أصر النظام الجديد على إحترامه لما تم الإتفاق فيه مع شركاء النيجر الدوليين مع بازوم و من سبقه، فمن المستبعد فعليا، الإلتزام بذلك، فقدوم حكام جدد ؤعني تشكل مصالح جديدة.
تعتبر فرنسا الخاسر الأكبر من هذا الإنقلاب، فبغض النظر عن أنها تنزف نفوذا في إفريقيا، فإن فقدان النيجر يعتبر خطرا وجوديا عليها، ذلك أنها تستخلص 50% من اليورانيوم الذي تستهلكه، مع العلم أن 70% من إحتياجات الطاقة الفرنسية تأتي من مصادر نووية، و تشير الإحصاءات إلى أن 33% من الطاقة التي تستهلكها فرنسا، مصدرها البورانيوم النيجيري، و لهذا فقد أصيبت فرنسا بالهلع، حيث هدد الرئيس الفرنسي المنقلبين بالرد العسكري على أي إضرار بالمصالح الفرنسية بالنيجر، كما حرك أذرعه في منظمة ECOWAS التي أعطت مهلة أسبوع للمنقلبين من أجل إعادة بازوم إلى الحكم قبل تسليط عقوبات قاسية على النيجر الحبيسة (بدون واجهات بحرية).
إن الضغوط التي يتعرض لها الجيش النيجري اليوم، قد تدفعهم إلى طلب المساعدة من الروس أو الإستعانة بخدمات فاغنر للتصدي لفرنسا، و هذا ما قد يعتبر فقدانها للنيجر و مصادره من اليورانيوم إلى الأبد، و سيكون ذلك ضربة قاسمة لظهر فرنسا، ذلك أن كانت تستفيد من اليورانيوم بصفة شبه مجانية تقريبا، حيث أن هذه المادة تشكل 90% من صادرات النيجر، لكنها لا تدر عليها سوى بـ 10% من مداخيله، كما أنه في حين أن واحدة من كل 3 مصابيح فرنسية ينيرها يورانيوم النيجر، في حين أن 90 % من النيجيريين لا تشملهم الإنارة الكهربائية.
إن انقطاع حبل الود بين النيجر و فرنسا، سوف يؤدي بهذه الأخيرة، لا محال، إلى دخول أزمة طاقة حادة جدا، ففقدان ثلث موارد الطاقة يعتبر ببساطة كارثة، حتى لو استطاعت تعويضها من خلال استيراده من دول أخرى ككندا أو أستراليا، فإن ستشتريه بسعره الحقيقي، مما سيفقدها ما تبقى من الهوامش التنافسية لصناعاتها.
و لهذا، فإن أرادت الجزائر التعامل مع الموضوع بما يخدم مصالحها، فهي أمام خيارين على مستويين مختلفين، الأول قصير المدى و بفوائد معقولة و الثاني بعيد المدى، ذو تكلفة عالية، لكنه بمنافع إستثنائية:
1- العمل على عودة بازوم إلى سدة الحكم، و بهذا، فإنها ستستعيد ما كانت لتفقده بذهابه و تجنب إعادة بناء تفاهمات جديدة قد لا تكون بجودة التفاهمات الأصلية، و سيتقاطع هذا الحل مع المصالح الفرنسية.
2- العمل على تشجيع دعم روسي للجيش النيجيري، و عقد تفاهمات معه للحفاظ على ما أمكن مما تم الإتفاق عليه مع بازوم، و هنا، من المؤكد أن الفرنسيين لن يقوموا بأي عمل عسكري إذا علموا و تأكدوا أن جنودا روس موجودون برفقة الجيش النيجيري، و بهذا، فستخسر فرنسا اليورانيوم النيجيري، و تستفيد الجزائر من انكسارها أكثر و تفاقم أزماتها الإقتصادية.
الخطر هنا بأتي من إحتمال استعانة النيجيريين بفاغنر، و وجودهم على الحدود الجزائرية، و في حالة اختيار الحل الثاني، فإن منع تعامل النيجريين مع فاغنر يعتبر الأولوية رقم واحد، خصوصا و أنها أصبحت اليوم تمتلك سمعة سيئة بكونها تنظيما مارقا.
كما يجب تقويض أي سيناريو قد تتمكن فيه فرنسا من السماح بذهاب بازوم و الإبقاء على مصالحها، ففي هذه الحالة، ستكون الجزائر هي الخاسر الأكبر من الإنقلاب.