86
بقلم #عدنان_محتالي
في أحد التعليقات حول المنشور السابق، يألني أحد الأخوة عن سبب عدم تناولي لموضوع عودة السفير الجزائري إلى فرنسا على خلفية الأزمة الديبلوماسية الأخيرة بين البلدين، و لقد أجبته بأن الخطوة الأخيرة كانت متوقعة و حتمية، و هو ما ذكرته في أحد المقالات حول تهريب بوراوي، لكنني تفطنت إلى أن الموضوع يحتاج إلى معالجة أعمق لمنع تسلل الشك إلى نفوس المتابعين للشأن الوطني.
على ما يبدو فإن إحتجاج الجزائر على تهريب بوراوي لم يؤتي أكله، و تأتي عودة السفير في شكل خيبة أمل، حيث لم تستطع الديبلوماسية إستعادة الهاربة، و لم تتحصل على أي تنازل من الطرف الفرنسي.
إلى هنا تنتهي رحلة الشعبويين و الإنهزاميين و من يبحث عن دعم لمولقفه السياسية الراسخة، أما إذا كنت تبحث عن القراءة العقلانية و الموضوعية فيمكنك مواصلة القراءة.
كل أزمة بين بلدين، مهما طابت فإنها تنتهي بحلحلة للنزاع و من ثم بتسوية بين الطرفين، و هنالك نموذجان عامان لشكل التسوية هذه:
إذا كانت موازين القوى متباينة بين الطرفين، فإن الطرف القوي يقدم أقل قدر من التنازلات، فيما يقدم الضعيف أكبر قدر ممكن منها أو يتكبد أكبر قدر من الإملاءات.
إذا كانت موازين القوى متكافئة أو متقاربة، فإن الطرفان يتقلسمات التنازلات.
لكن و بطبيعة الحال، عند الحديث عن كل أزمة و تسوياتها بشكل معزول، و عند إدراج السياقات الزمنية للأزمة، و ظروف و تحديات كل الدولة، يتشكل لنا طيف غير نهائي يتوسط النموذجين العامين للتسويات.
فمثلا، عندما يكون فارق القوة كبيرا. بين الطرفين، لكن الظروف الزمكانية نخلق لديهما نوعا من الندية، و عندما تكون الدولة الأقوى في حالة تقهقر و تكون الدولة الأضعف في مرحلة صعود، و هو ما يمثل الحالة الفرنسية-الجزائرية، فإن الدولة الأقوى تركز أكثر على حماية صورتها، أي أنها تبحث على تسويات تحقق من خلالها إنتصارات إعلامية كأحسن سيناريو أو تجنب الفضائح الإعلامية في أسوءها، في حين أن الدولة الصاعدة تركز على تحقيق مصالح صلبة Core interests حتى لو بقي ذلك طي الكتمان و حبيس الغرف المغلقة، و هو ما أتصور أنه حدث فعلا قبيل الإعلان عن عودة الوزير، فلا يجب أن ننسى أن ثمن عودة العلاقات بين البلدين في الأزمة ما قبل الأخيرة كان تفعيل الـ CEMOC، و هو جهاز أجزم أن أغلب الناس لم تسمع به، ناهيك عن إدراك أهميته بالنسبة لنا.
إن الوصف الدقيق لأي شخص مازال يعتقد أن فرنسا قادرة على الضغط على الجزائر و تطويعها هو #بهلول، فرنسا اليوم دولة واهنة تعاني ضعف هيكليا، و تسيرها حكومة ضعيفة، فقدت شيئا فشيئا منابع ثرائها (إفريقيا) كما فقدت على مدى السنوات الأخيرة أغلب أوراق ضغطها في الجزائر، بعد أن تم تجفيف منابع تمويل عملائها هنا، و تمت تعريتهم و تخوينهم و لفضهم و زج عدد كبير منهم في السجن.
هل يعقل أن تسير الجزائر و بنجاح الضغوط القوية التي تمارسها عليها الولايات المتحدة بسبب الموقف من الحرب الأوكرانية، و ترضخ في نفس الوقت لفرنسا الواهنة و المهلهلة داخليا بسبب الإضطرابات و المظاهرات العارمة؟
قبل أسابيع، و خلال زيارة ماكرون لإفريقيا، أكد أنه يعمل على مقاومة العقبات التي تعرقل تحقيق علاقات جيدة مع الجزائر،و يعني بالعراقيل، الأطراف التي تنزعج من التقارب الجزائري الفرنسي، أي أن الطرفان كانا في ذلك الوقت يخوضان شكل من أشكال التشاور، و قبل أيام و خلال خرجته الإعلامية على قناة الجزيرة، صرح تبون أن السفير سيعود، مما يدل أن التسوية قد تمت، و أن تصريح هو تحضير للرأي العام بما أن الإنتصار الإعلامي لن يتم، و بعدها بأيام تم الإعلان عن تهاتف الطرفين و التطرق لموضوع بوراوي كإعلان لإنتهاء الأزمة، و من المؤكد، عندما ندرج كل ما سبق، بالإضافة إلى وجود علاقة صداقة واضحة بين الرئيسين، فأن الجزائر تكون قد حققت جملة أخرى من التنازلات الفرنسية، و من المؤسف أننا لن نكون قادرين على معرفتها.
المهم #تحيا_الجزاير و خلاص.