لامية خلف الله
في خضم الزمن المتسارع، تتجدد دقات الساعة لتعلن عن اقترابنا من ذكرى عزيزة على قلوب الجزائريين وكل الشعوب التي ناضلت وتناضل لنيل حريتها، ذكرى انطلاق شرارة الثورة الجزائرية المجيدة. سبعون عاماً مضت والثورة باقية في العقول والقلوب، فذاكرة الأمة لا تنسى تلك اللحظات الفاصلة التي رسمت معالم المستقبل، تلك اللحظات التي تحولت فيها الجزائر إلى رمز للصمود والتحدي في وجه الاستعمار.
إن الحديث عن الثورة الجزائرية هو بمثابة الغوص في أعماق التاريخ، في أعماق روح شعب أصر على الحياة، على الكرامة، على الحرية. كانت تلك الثورة أكثر من مجرد حرب تحرير، كانت ثورة على الظلم والاستبداد، كانت ثورة على كل ما يمس بكرامة الإنسان. لقد أثبتت الجزائر للعالم أن الإرادة الصلبة والعزيمة القوية قادرتان على هزيمة أقوى الإمبراطوريات.
لم تكن الثورة الجزائرية حدثاً محلياً، بل كانت حدثاً عالمياً ألهم الشعوب المستعمَرة، وأشعل في نفوسها شرارة الأمل. ففي كل ركن من أركان العالم، كان الثوار ينظرون إلى الجزائر بوصفها قدوة، يقتدون بروحها الثائرة، ويستلهمون من نضالها العظيم. لقد أثبتت الجزائر أن الاستعمار ليس قدراً محتوماً، وأن الشعوب المستعمرة قادرة على استعادة حريتها وكرامتها.
اليوم، ونحن نستعد للاحتفال بمرور سبعين عاماً على اندلاع الثورة الجزائرية، فإننا نجد أنفسنا أمام سؤال هام: ما هي الدروس المستفادة من هذه الثورة؟ وما هي القيم التي يجب أن نحافظ عليها؟
إن أهم درس نتعلمه من الثورة الجزائرية هو أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. وأن الكفاح من أجل الحرية هو كفاح مستمر يتطلب التضحية والعطاء. كما تذكرنا الثورة بأهمية الوحدة الوطنية والتكاتف، فالشعوب المتحدة هي الشعوب القوية القادرة على مواجهة التحديات.
إن قيم الثورة الجزائرية هي قيم إنسانية سامية تتجاوز الزمان والمكان. فهي قيم الحرية والكرامة والعدالة والمساواة. وهي قيم نزرعها في نفوس أجيالنا القادمة، حتى تبقى الجزائر وفية لتاريخها المجيد، وحتى تستمر في عطائها للأمة الإنسانية.
إن الثورة الجزائرية ليست مجرد ذكرى نحتفل بها مرة في السنة، بل هي إرث عظيم يجب أن نحافظ عليه ونطوره. وهي مسؤولية تقع على عاتق كل جزائري وكل حر أينما كان، أن يحافظ على هذا الإرث وأن ينقل قيمه إلى الأجيال القادمة. فالثورة الجزائرية هي منبع فخرنا، وهي رمز وحدتنا، وهي شرارة ألهبت القلوب وخلدت في التاريخ.