بقلم: المعتز بالله منصوري
لأن أثر تصريحات وزير الاتصال، د.محمد لعقاب، في ندوة الإعلام الرياضي، مزال مستمرا ويتردد في مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي، يتأكد بما لا يدع مجالا للشك، أن النقاش حول واقع الإعلام عموما، يبحث عن مساحات أوسع إلى أن يستقيم الوضع.
لقد أخطأ من اتخذ كلام الوزير، كرصاصات يطلقها, على رأس الصحافة الرياضية أو بعض الصحفيين، لأن المعنى المباشر والمغزى لما أدلى به، يؤكد وجود رؤية واضحة المعالم تترجم في منظومة تشريعية صريحة ودقيقة ووضع تنظيمي جديد يكرس الضبط الإجرائي والإخلاقي للممارسة الإعلامية.
وفي المجمل، لابد أن ينظر إلى التجاذبات الحاصلة حول القطاع، على كونها تدافع نحو الأمام لبلوغ الحد الأدنى من رضا المهنيين والصحفايين والأهم من ذلك رضا الجمهور بشكل عام.
ورغم كل هذا الكم الهائل من الآراء والانتقاذات اللاذعة للصحافة، توجد مؤشرات حاملة للجوانب الصحية، لكل ما يجري، كونها تعود بنا إلى الأساسات التي قامت عليها المهنة منذ اختراع مطبعة غوتنبرغ.
إن الحديث يدور، اليوم، حتى بين المواطنين المنغمسين في شأن المنتخب الوطني، عن الصحافي الذي يحق له الكلام وعن أولئك الذين أثبتوا بطريقة مأ أنهم ليسوا صحافيين أو أنهم جعلوا الجمهور يعتقد أن ما يقدمونه لا يجب أن يجعل منهم صحفايين.
وبين هذا وذاك، تفرض العودة إلى نقطة البداية وتحديدا إلى “من هو الصحافي ؟”.
القانون العضوي للإعلام يحدد بدقة من يستحق أن يكون صحفيا وأعطى الاعتبار مثلما لم يحدث من قبل للشهادة الجامعية في علوم الإعلام والاتصال، وقد عبر وزير الاتصال عن ذلك في أكثر من مناسبة، مثلما أكد حرصه على صون نبل المهنة وعدم اقترانها بأي شكل من أشكال التواصل الأخرى التي تأخذ مسميات التدوين أو صحافة المواطن.
وعليه فإن القانون والقائمين على القطاع وحتى الجمهور العام، منتفضين ضد من يوصفون بـ “الدخلاء”، وإلى جانب المجهود والتدبير للنهوض بالقطاع، ستلعب الغيرة على المهنة قوة الدفع الرئيسية في بتر الشوائب التي تسيء لرسالة الإعلام في الجزائر.
ولعل رد الفعل الشرطي والطبيعي للغيورين على المهنة في بلادنا، هو نفسه في مختلف دول العالم، وضمن امتداد القيم العالمية للإعلام، نستحضر هذه الفكرة المعبر عنها في مقدمة كتاب “صناعة الخبر في كواليس الصحف الأمريكية”.
حيث يقول المؤلفان: “لابد أن الصحافيين الجالسين حول طاولة، يشرّحون صالة الأخبار وينتقدون عيوبها، ولكن ما إن يجلس شخص من خارج الحظيرة (المهنة) على الطاولة حتى يلوذون بالصمت ويتحولون إلى مدافعين وكأنهم أشد السياسيين قسوة”.
المغزى من كل هذا، أن المقومات موجودة لإعادة بعث الصحافة على أسس جديدة، أسس القانون والضبط والأخلاقيات إلى جانب دعم ومرافقة الدولة، ناهيك عن وجود القلوب التي تخفق حبا في المهنة وحرصا عليها وصونا لها.
وفي ظل وجود الرؤية والمعالم، نعتقد بأهمية أن تمتطي المؤسسات الإعلامية، الصهوة ذاتها التي يمتطيها الاقتصاد ، من خلال ربط فلسفتها بـ “المشروع” و”المنافسة”.
لأن المشروع، يرتبط بالنجاعة، وهذه الأخيرة ترتبط بأهداف، وكل هذا يولد المبادرة ويحث على قوة الاقتراح، وقد يكون هذا المشروع، تنويعا للخدمات الإعلامية وخاصة الإعلام الرقمي (إذاعة، قناة، بودكست..) وقد يكون تنويعا للمنتجات (صحف، مجلات..) ولا بد أن يكون دائما وأبدا تطويرا مستمرا للصحافيين.
يجب الانتقال من صحافة “وطنية شاملة” تتداول المعلومات المتاحة، إلى مؤسسات إعلامية حاملة لمشاريع تتنافس فيما بينها على الانتشار وبلوغ الجمهور حيثما وجد، وبناء سمعة إعلامية مرموقة جواريا، وطنيا وحتى دوليا.
لقد آن الوقت، للخروج من النمط التقليدي القائم على التكليف أو التسيير اليومي للمضمون المولد للخمول والمؤدي للسقوط في هواجس الوضع الاجتماعي وهاجس رفع نسبة المشاهدات لهثا وراء الإعلانات حتى لو كان ذلك على حساب تحول الرسالة الإعلامية إلى دعاية سمجة.
الإعلام مرة أخرى ..الرؤية والمشروع – الجزائر اليوم (aljazairalyoum.dz)