بمجرد أن تكتمل أشغال تهيئة الشرفات المطلة على خليج الجزائر، ستُفتح أمام المواطنين تجربة جديدة من التنزه البصري والترفيهي، على امتداد ثلاثة كيلومترات من مقام الشهيد إلى منتزه الصابلات، عبر قلب العاصمة.
لم تكن هذه “لابروموناد” غريبة على سكان الجزائر العاصمة. مكان قديم، لكن محبوب، يقصده الغاشي بكثرة لرؤية البحر والتنفس من زحمة المدينة. واليوم، بإعادة تهيئته وتجهيزه، يتحول إلى فضاء حضري جديد يُضيف لجمال الجزائر لمسة معمارية وطبيعية فريدة.
في رأيي، هذا المشروع ليس مجرد تهيئة عمرانية، بل هو فعل رمزي: الجزائر تُعيد لنفسها مكانها الطبيعي أمام البحر، بعدما ظلت لسنوات تدير له ظهرها.
التهيئة لا تتعلق بالشرفات فقط، بل تتضمن أيضًا ممرات للمشاة تمتد على طول المسار، ما يجعل التنقل على الأقدام من مقام الشهيد إلى الصابلات ممكنًا، وبشكل مريح وجاذب لكل الفئات.
الشق الثاني من المشروع يتضمن فضاءً رياضيًا وثقافيًا وترفيهيًا، مجهزًا بمسرح في الهواء الطلق، ملاعب، ممرات، وأماكن مخصصة للعب الأطفال. بذلك، يكون الفضاء قد جمع بين أربعة مكونات: التاريخ، الرياضة، الفن، والأسرة.
وهنا تحديدًا، تبرز روح المشروع: الجمع بين الأصالة والحداثة، بين المعالم التاريخية والمعمارية، وبين النشاطات الترفيهية والمسارات العائلية.
مسار يجمع بين الذاكرة والتاريخ، الطبيعة والفن، العائلة والهواء الطلق… هو أكثر من مجرد مشروع تهيئة، بل هو عودة حقيقية لعلاقة العاصمة الجزائرية بواجهتها البحرية.
يبدأ المسار من مقام الشهيد، المعلم الرمزي الذي يخلّد تضحيات الشهداء ويطلّ بفخر على العاصمة الجزائر.
من هناك، يمكن للزوار الانطلاق في نزهة على الأقدام تمتدّ على مسافة ثلاثة كيلومترات، عبر ممرّات خضراء وشرفات مطلّة وممرات مخصصة للمشاة.
ينحدر المسار تدريجيًا نحو حديقة التجارب الحامة، الجوهرة النباتية التي تُعدّ من أقدم وأجمل الحدائق في الجزائر، حيث ترافق الأشجار والنباتات النادرة الزائرين في رحلتهم.
بعد ذلك، يمرّ المسار بمحاذاة عدد من المعالم التاريخية والثقافية، أبرزها تارف عبد اللطيف، الفضاء التراثي المعروف، وكذلك المركز الوطني للفنون الجميلة الذي يحتضن أعمالًا فنية جزائرية مميزة.
ثم يمتدّ المسار نحو منطقة جديدة تُنجز خصيصًا لهذا المشروع، وتضم مجمعًا رياضيًا وثقافيًا وترفيهيًا، مجهزًا بمسرح في الهواء الطلق، ملاعب رياضية، فضاءات فنية، وأماكن للعب الأطفال.
كل هذه المرافق تتصل فيما بينها عبر ممر علوي مخصّص للراجلين، يضمن استمرارية المسار بطريقة آمنة ومريحة.
وتنتهي الرحلة عند منتزه الصابلات المطلّ على الواجهة البحرية، حيث تلتقي المدينة بالبحر في مشهد ختامي ساحر.
“حبينا نديروه شغل تاع الكويتي”، قال أحد القائمين على المشروع ممازحًا، في إشارة إلى الطابع العصري الذي أرادوه للمكان، لكن يبقى المشروع جزائريًا في روحه، في موقعه، وفي رمزيته.
أن تُنهي نزهتك في مقام الشهيد وتُكملها مشيًا إلى الصابلات، مرورًا بالثقافة والتاريخ والبحر، فتلك ليست مجرد نزهة… إنها إعادة تصالح بين العاصمة ووجهها البحري، بين الماضي والحاضر، بين المواطن ومدينته.
الأجيال القادمة، حسب القائمين، ستعيش هذه التجربة الجديدة كجزء من حياتها اليومية. أما نحن، فنراها اليوم وهي تولد على مهل… مشهدًا بعد مشهد، وشرفةً بعد شرفة.
الجزائر التي تُحب الجمال، بدأت تنظر أخيرًا في المرآة.
—
Hope&ChaDia