بقلم : المعتز بالله منصوري
ها هي الجزائر، ترفع قبس الشرف عاليا، وفي أعلى محفل دولي يعنى بالأمن والسلم والحرب واللاحرب.
لقد أبقت الدبلوماسية الجزائرية، شعلة الدفاع عن القضية الفلسطينية متقدة، وسط ظلمات الخنوع والخضوع والخيانة والتطبيع ووسط ظلم الرعاة والمتواطئين والمتحالفين مع الكيان الصهيوني.
كيف لا، وهي حاملة القلم في القرار رقم 2728 الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي، ويطالب بوقف إطلاق النار في غزة، لأول مرة منذ 171 يوما من بداية العدوان الغاشم على الفلسطينيين العزل.
صحيح أن توصل المجلس إلى تبني النص الذي تقدمت مجموعة الدول العشر غير الدائمة العضوية وبادرت به الجزائر، لا يستوفي شروط إعلان النصر الكامل بسبب تعنت الصهاينة، ولكنه استحق أن يكون عن جدارة انتصارا للقضية الفلسطينية وتحولا حاسما في مسار، العدوان الصهيوني الهمجي.
وسيسجل التاريخ للجزائر – وهي التي استهلت ولايتها قبل 3 أشهر فقط – أنها كانت وراء أكبر اختراق للجمود الذي لازم مجلس مجلس الأمن لأزيد من 5 أشهر بينما دماء الفلسطينيين تهدر ودون توقف في قطاع غزة.
وستحسب الأمم المتحدة للجزائر أنها مهندسة، إعادة نفخ روح الإجماع داخل مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية بعدما ظلت قاعته الرئيسية ساحة لعراك الثيران الضخمة، أصحاب الحق الدائم في استخدام الفيتو.
ومما لا شك فيه، أن أعرق المدارس الدبلوماسية ستتلقف آداء الوفد الجزائري، وأسلوبه في التفاوض والمقارعة وكذلك المناورة لصناعة التوافقات وتحييد الاعتراضات.
وسبق للجزائر أن صنعت توافقا بالأغلبية الساحقة، حول مشروع القرار الذي تقدمت به، وتمكنت من تحييد الفيتو البريطاني، بينما ظلت يد الاعتراض الأمريكية مرتفعة.
يومها قال سفيرنا الدائم بالأمم المتحدة، عمار بن جامع مقولته التاريخية ”سندفن شهداءنا هذا المساء في رفح، في غزة وبكل فلسطين.. وستعود الجزائر غدا باسم الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، لتدق أبواب مجلس الأمن مرة أخرى وتطالب بوقف حمام الدم…لن نتوقف حتى يتحمل المجلس مسؤولياته ويفرض وقفا فوريا لإطلاق النار”.
أمس، وبعد تبني القرار من قبل مجلس الأمن، عاد بن جامع ليذكر العالم قائلا:
“عند التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به الجزائر، الشهر الماضي، وعدنا بأننا لن نكل ولن نمل، حتى يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته، ووعدنا بأننا سنعود لنقرع مجدداً أبواب مجلس الأمن. وها قد عدنا اليوم”.
تعمد بن جامع، الإشارة إلى أن عودة الجزائر كانت هذه المرة مع الدول المنتخبة، أي التي وضعت فيها أقاليم القارات الخمس ثقتها لتمثيلها داخل المجلس.
وهنا يبرز جانب آخر لعبقرية الدبلوماسية الجزائرية، في استغلال التوقيت وتنويع التكتيك.
ومن حيث توقيت تعبئة مجموعة العشر، فقد تمت بعد فترة وجيزة من الهزيمة القاسية التي الحقتها بالولايات المتحدة عقب استخدامها لحق النقض ضد مشروع القرار الجزائري.
ومن حيث التكتيك فقد عادت لتقرع أبواب المجلس ومعها 10 بلدان منتخبة عن المجموعة الدولية كاملة تريد وقفا فوريا لإطلاق النار في غزة.
ولأن دبلوماسية الميدان (المفاوضات) التي تتحجج بها واشنطن لشل مجلس الأمن لم تحقق أي تقدم، سارعت الجزائر لتوجيه ضربة ثانية، بتقديم نص جديد، وبطريقة مختلفة، مستغلة غرق واشنطن في ورطة فشل الميدان وانهيار السمعة. والنتيجة تحييد الفيتو الأمريكي بنجاح.
الإصرار الجزائري، دفع الولايات المتحدة، إلى رمي جمرة الكيان الصهيوني من يدها ولو مؤقتا، وإلا واجهت الاحتراق أمام المجموعة الدولية التي أثبت أنها لم تتخل عن الشعب الفلسطيني، وأنها رهينة أقلية صهيو-أمريكية ماردة تقود العالم نحو الهاوية.
أما الكيان الصهيوني الذي يتبجح بعدم الامتثال للقرار المعتمد، فإنه يحفر في قاع الحضيض فاسحا المجال لصورته في الانهيار أكثر أمام العالم وحتى أمام أكبر حلفائه وداعميه، وفي مقدمتهم أمريكا.
الجزائر.. حاملة شعلة الشرف – الجزائر اليوم (aljazairalyoum.dz)