لامية خلف الله/ رأي اليوم
تعتبر السبيبة، هذا الاحتفال العريق الذي يجتمع فيه الطوارق الجزائريون كل عام، أكثر من مجرد تقليد أو موعد للاحتفال. فهي لوحة فنية تعكس عمق الحضارة الطارقية، وتاريخها العريق، وقيمها النبيلة التي تتجذر في أعماق الصحراء. إنها احتفال بالحياة، بالهوية، وبالسلام، وهي دعوة صريحة للتعايش السلمي واحترام التنوع الثقافي.
تاريخ عريق وجذور عميقة:
يعود تاريخ مهرجان السبيبة إلى آلاف السنين، ومع أنه لا يوجد قصة مؤكدة حول أصل هذا الاحتفال إلا أن أصوله ترتبط بأساطير وحكايات ترويها الأجيال عن أجدادها. ففي قلب الصحراء، حيث تتلاقى القبائل وتتشابك المصالح، كانت الحروب والصراعات لا تفتر. إلا أن الحكمة سادت في النهاية، فتم التوصل إلى صلح تاريخي بين القبائل، وأقيم المهرجان احتفالاً بهذا السلام الذي طال انتظاره.
طقوس تعكس الهوية:
يتميز مهرجان السبيبة بطقوس خاصة به، تختلف من منطقة إلى أخرى، تتفق في جوهرها على التعبير عن الفرح والاحتفال بالحياة. من أبرز هذه الطقوس:
. الرقصات التقليدية: حيث يتنافس الرجال والنساء في أداء رقصات حماسية تعكس قوة وصلابة الطوارق، ومرونة وجمال المرأة الطارقية.
. الأزياء التقليدية: التي تعتبر تحفة فنية بحد ذاتها، فهي تعكس هوية الطوارق وثقافتهم، وتتزين بالزخارف والنقوش التي تحمل معانٍ رمزية عميقة.
. الأكلات الشعبية: التي تجمع العائلات والأصدقاء حول موائدها، وتعزز أواصر المحبة والتآخي.
. القصص والحكايات: التي تروى حول نار المخيم، وتحكي تاريخ الطوارق وملاحم أبطالهم.
الأبعاد الثقافية والفكرية:
يتجاوز مهرجان السبيبة كونه مجرد احتفال تقليدي، ليصبح رمزاً للحضارة الطارقية، ويعكس قيماً نبيلة تتمثل في التسامح والتعايش؛ فهو يجسد روح التسامح والتعايش بين مختلف شرائح المجتمع الطارقي، ويدعو إلى نبذ العنف والتطرف ، إضافة إلى الحفاظ على التراث؛ فهو يساهم في الحفاظ على التراث الثقافي الطارقي، ونقله إلى الأجيال القادمة. التعبير عن الهوية؛ فهو فرصة للطوارق للتعبير عن هويتهم الثقافية، والاحتفال بها بكل فخر و التواصل مع الآخر لأنه يشكل جسراً للتواصل بينهم وبين مختلف الثقافات والشعوب، مما يساهم في تعزيز الحوار والتفاهم بين الحضارات.
هو أيضا رسالة واضحة وصريحة تدعو إلى السلام والتعايش السلمي بين الشعوب، وهو ما يجعله نموذجاً يحتذى به في عالمنا المعاصر الذي يشهد الكثير من الصراعات والاضطرابات.
إن فكرة التعايش السلمي ليست مجرد شعار يرفع في المهرجانات، بل هي قيمة راسخة في عمق الحضارة الطارقية. فمهرجان السبيبة يمثل تجسيداً حياً لهذه القيمة، حيث يجتمع الناس من مختلف القبائل والأعراق للاحتفال سوياً، ويتشاركون الفرح والأمل.
إن هذا المهرجان هو دليل على أن الثقافات المختلفة يمكن أن تتلاقى وتتعايش بسلام، وأن التنوع الثقافي هو ثروة يجب الاحتفال بها والحفاظ عليها. فهو يدعونا إلى تجاوز الخلافات والتركيز على القواسم المشتركة بين البشر، وأن نبني مجتمعات قائمة على الاحترام المتبادل والتسامح.
لامية خلف الله/ كاتبة من شرق الجزائر