7
لا يخفى على أحد أن الوضع الاقتصادي في فرنسا مثير
لللقلق، إذ بلغ الدين العام 3200 مليار يورو مع نهاية عام 2024، أي ما يعادل 112٪ من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي عام 2025، تخطط البلاد لاقتراض 300 مليار يورو إضافية، منها 60 مليار يورو لخدمة الدين فقط. هذه الدوامة المتزايدة من الديون تذكر بالصعوبات التي واجهتها بعض الدول النامية في الثمانينيات والتسعينيات، حيث اضطرت للتنازل عن جزء من سيادتها الاقتصادية لصالح صندوق النقد
الدولي.
تاريخيا، كان نادي باريس، الذي يتكون من دائني القطاع العام، هو الذي يقترح تدابير قاسية على الدول التي تعاني من عبء الديون الكبير. ومن المفارقات أن تجد فرنسا اليوم نفسها محاصرة بديونها الخاصة، مما يبرز الإخفاقات في إدارتها الاقتصادية والسياسية. ومما يضاف إلى حالة عدم اليقين السائدة عدم التصويت على ميزانية عام 2025 حتى الآن.
هذا الوضع الحرج، المصحوب بأزمة ثقة، قد يدفع فرنسا نحو فترة من التوترات الاجتماعية المتزايدة. فصعود اليمين المتطرف العنصري ونقص القيادة الأخلاقية بين المسؤولين السياسيين يزيد هذه الحالة سوءا، رغم أن بعض الشخصيات المستقلة تواصل الدفاع عن قناعاتها بنزاهة.
وتشير التوقعات لعام 2027 إلى أن عبء الديون سيصل إلى حوالي 80 مليار يورو، متجاوزا بذلك نفقات قطاع التعليم. وسيعني ذلك أن السياسة الاقتصادية لفرنسا قد تصبح بشكل كبير تحت رحمة دائنيها والأسواق المالية، مما يهدد بذلك الديمقراطية الليبرالية التي كانت تعد سابقا نموذجا للتقدم السياسي في الغرب.
هذا السيناريو ليس بغير المسبوق في أوروبا.
فالانحرافات الاقتصادية والسياسية التي سبقت الحربين العالميتين، والتي تفاقمت بسبب الليبرالية الاستعمارية وصعود الحركات الفاشية، تعد مثالا على ذلك. وقد توفر إعادة قراءة كارل بولاني وكتابه “التحول الكبير” الصادر عام 1944 رؤى توضيحية حول هذه الديناميكيات التاريخية.
إن خطر موجة جديدة من النيوكولونيالية في أوروبا غير مستبعد، وقد تسرع من تراجعها على الساحة العالمية. فالخضوع للهيمنة، والتمويل، والاسترقاق للأسواق، والانحرافات الديمقراطية لها تكلفة. ووفقا لهذا التقييم، وتبدو السياسات الحالية التي يجسدها إيمانويل ماكرون غير ملائمة لمواجهة التحديات في عالم متغير ومتعدد الأقطاب. إن رؤية “الستارت آب” الخاصة بماكرون تبدو أنها تفتقر إلى العمق والموارد
اللازمة لضمان النمو وشرف الأمة.