محاضرة الأستاذ كمال ديب حول تأسيس الجمعية الوطنية للاعبين الجزائريين أظهرت بوضوح حجم الاختلالات البنيوية التي يعاني منها قطاع كرة القدم في الجزائر. فما كان يُفترض أن يكون خطوة في اتجاه تنظيم مصالح اللاعبين والدفاع عن حقوقهم، تحوّل إلى نموذج صارخ لانعدام الشفافية والكفاءة، بل وإلى تجسيد لتضارب المصالح الذي ينخر المؤسسات الرياضية.
الجمعية تأسست في مقر الاتحاد الجزائري لكرة القدم، بانتخابات حضرها 25 لاعباً سابقاً فقط، انتهت بفوز علي بن شيخ على حساب ناصر بويش. منذ البداية، يطرح السياق إشكاليات حادة: لماذا اقتصرت الهيئة الناخبة على هذا العدد الضئيل؟ لماذا لم يُشرك اللاعبون الحاليون أو المحترفون في الخارج؟ ولماذا جرى التأسيس تحت وصاية الاتحاد بدل أن يكون مبادرة حرة ومستقلة، كما يفرضه القانون 12-06 الخاص بالجمعيات؟
الأخطر أن الجمعية التي يفترض أن تكون بمثابة “نقابة” مستقلة تدافع عن اللاعبين، ولدت داخل مقر الاتحاد وبإشراف مسؤوليه. الأمر يشبه – كما شبّه الأستاذ ديب – أن يدعو رئيس الحكومة بعض الأشخاص إلى مكتبه ويطلب منهم تأسيس حزب سياسي موالٍ، ثم يعيّن أحدهم في الحكومة. إنها مهزلة تفرغ فكرة التعددية من معناها، وتزرع الشك في أي مصداقية مستقبلية لهذه الجمعية.
شهادات ناصر بويش بعد الانتخابات زادت من قتامة الصورة: اتهامات بالتلاعب، بالضغط على المصوّتين، وحتى بمنع بعض الأعضاء من الحضور. هذه الاتهامات، سواء صحت أم لا، تضرب مصداقية الجمعية في مهدها. والمفارقة أن من فاز برئاستها، علي بن شيخ، لطالما قدّم نفسه مدافعاً عن الشباب والتجديد، لكنه اليوم يعتلي المنصب بعمر السبعين، ومن دون مؤهلات إدارية أو أكاديمية تمكّنه من إدارة كيان وطني يفترض أن يتعامل مع ملفات مالية وقانونية وتنظيمية معقدة.
تذكير: موقف بن شيخ الداعم لوليد صادي : قبل انتخابه على رأس الجمعية الوطنية للاعبين الجزائريين، كان علي بن شيخ قد أعلن صراحة دعمه لولاية ثانية و ثالثة لرئيس الاتحاد الجزائري لكرة لقدم وليد صادي. ففي سبتمبر 2024، صرّح بن شيخ بأن صادي “استلم الفاف في مرحلة حساسة وتمكّن من إدارة بعض الأزمات بهدوء”، مؤكداً أن الاستقرار ضروري لمواصلة الإصلاحات. هذا الموقف المسبق يطرح اليوم تساؤلات جدية: هل كان وصول بن شيخ إلى رئاسة الجمعية نتيجة كفاءته وبرنامجه، أم أنه مجرد ردّ جميل و”تبادل مصالح” في لعبة الولاءات داخل محيط الكرة الجزائرية؟
الأستاذ ديب وضع إصبعه على الجرح: المشكلة ليست في الأشخاص فقط، بل في المنظومة التي تكرّس الرداءة وتقصي الكفاءات. حين يُستبعد المتعلمون وأصحاب الخبرة في الإدارة والمالية والقانون، لصالح أسماء لها تاريخ كروي فقط، فإننا أمام إصرار على إعادة إنتاج نفس الإخفاقات. وعندما يُضاف إلى ذلك تضارب المصالح بين وزير الرياضة ورئيس الاتحاد، يصبح واضحاً أن قطاع كرة القدم لا يُدار من أجل تطوير اللعبة أو حماية حقوق الفاعلين، بل من أجل شبكات النفوذ والمصالح الضيقة.
برأيي، ما يطرحه كمال ديب يتجاوز مجرد “قضية جمعية”. إنه نموذج مكثف لكيفية إدارة الشأن العام عندنا: مبادرات تُصنع في الكواليس، واجهات بلا محتوى، مناصب تُمنح بالمحاباة لا بالكفاءة، ومؤسسات تنطلق فاقدة للمصداقية منذ لحظة ولادتها. كرة القدم هنا ليست استثناء، بل انعكاس لثقافة سياسية وإدارية تحتاج إلى إعادة بناء كاملة.
إذا لم يُكسر هذا النمط، وإذا لم تُفتح أبواب التسيير الرياضي أمام الكفاءات النزيهة والشفافة، فإن كل حديث عن الإصلاح أو عن “الاحتراف” في كرة القدم الجزائرية سيظل مجرد شعارات. فالمشكل ليس في اللاعبين ولا في الجماهير، بل في البنية التسييرية التي ترفض أن تتحرر من الولاءات والمحسوبية.
Hope&ChaDia