Home الجزائر الجزائرية بكالوريا شعبة الفنون … بين الضرورة ورد الفعل الجماهيري

بكالوريا شعبة الفنون … بين الضرورة ورد الفعل الجماهيري

by Khalfallah Lamia
0 comment
A+A-
Reset
” أنا فنان كفاية لأرسم بحرية في مخيلتي. الخيال أكثر أهمية من المعرفة؛ المعرفة محدودة، الخيال يطوق العالم”.
ألبرت أينشتاين
أثار القرار الصادر عن وزارة التربية الوطنية باستحداث شعبة للفنون جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت وسيلة لا يستهان بها لرصد رد الفعل الجماهيري، فقد شهدنا استنكارا عند فئة كبيرة مبنيا على وجهة نظر خاطئة وأحكام مسبقة ليست لها أسس موضوعية اختصرت شعبة الفنون في أغنية الشابة الفلانية ورقصة الشاب الفلاني مما تتابعه الأغلبية الجماهيرية على هذه المواقع التي هي في الأساس أحد أهم أسباب عزوف جيل اليوم عن الإهتمام بهذا المجال على أرض الواقع.
” أحلم بالرسم، وبعد ذلك أرسم حلمي “.
لعل أحد أهم هذه الفنون الرسم بأنواعه وهو تقليد مستمر من العصور القديمة اعتمد مبدئيا على الأشكال التمثيلية الكلاسيكية ثم نهج نهجا تجريديا وفكريا، والإنسان عبر التاريخ قدم برهانا على ميله إلى الفنون بحكم طبيعته الحسية الميالة إلى الجمال الذي يعتبر حاجة ضرورية أشبعها الإنسان من خلال ابتكاراته في مختلف المجالات بأن أضفى عليها طابعا فنيا خالصا سواء في العمران أو الصناعات الحرفية والتجميلية وصناعة الملابس والطبخ والزراعة وأماكن العبادة عبر التاريخ وهذا يتجلى في الرسوم والنقوش والمنحوتات التي اكتشفها إنسان العصر الحديث على الكهوف والمعابد والآثار التي خلَّفها أسلافه من القدماء ومن أهمها تلك النقوش والآثار التي تركتها مختلف الحضارات القديمة ومنها الحضارة الفرعونية التي تتجلى عظمتها في الأهرامات وما تنطوي عليه من ابداع للإنسان الفرعوني الذي صنع بعلمه وخياله الخصب حضارة لا تزال محل اهتمام والهام الخبراء من العلماء وكبار الباحثين وحتى الملوك وعاشقي التاريخ بما يحويه من إنجازات بشرية في مجالات العلوم المتعددة والتي يعد الفن أحد فروعها لأنه يرتكز على العقل الواعي المتأمل المدرك والباذخ الخيال.
وبما أن الحديث عن العلوم يحيلنا بالضرورة للحديث عن الفنون فلهذه الأخيرة بالغ الأهمية في الحفاظ على التراث الإنساني ونقله عبر العصور والأمكنة، فمن خلال النقش والنحت والرسم منح الفراعنة الأوائل الخلود لحضارتهم التي لازالت تبهر العالم لحد اليوم بثرائها وغناها بالمعرفة التي أبدعت الجمال.
الفنون ساهمت بشكل كبير وفعال في تخليد فكر الإنسان وانجازاته عبر التاريخ، وإلا فكيف وصلت إلينا إنجازات من العصور الغابرة والتي بفضل الرسم بمختلف أشكاله والخط الذي يعد فنا بالغ الأهمية أضحت تنتقل بين العقول ومختبرات البحث العلمي كشواهد على تميز الإنسان وإبداعه على مدى التاريخ وسعيه الذي لا ينضب وراء الحقيقة ولكي لا تضيع الحقائق فقد وثقها بالرسم والخط والحكاية والعمران وبذلك أسس لارث حضاري عظيم بقي جسرا يربط العلم الحاضر بماضيه الذي لا يستغني عنه.
يبدو أن سطوة الشاشة جعلت الكثيرين من الجيل الحالي يعتقدون بعدم جدوى هذه الفنون، مع أن الشاشة لم تزد شيئا سوى أنها نقلت الصورة وساهمت في اتاحتها لعدد أكبر من المتعطشين للمعرفة أو حتى الباحثين عنها لضرورة مؤقتة كالذين ينتهجون البحث العلمي لمجرد الحصول على الشهادة، وهكذا ينتج عدم الوعي بضرورة هذه الشعبة والذي يحتم علينا دق ناقوس الخطر لأن عدم الوعي يؤدي إلى نتائج نحن نعيش تبعاتها لأنه كلما كان الإنسان أكثر إلماما بتاريخ العالم كلما اتجه نحو الحداثة بخطى ثابتة فنفس هذا التاريخ أثبت أن هذه الفنون كانت الحلقة الرابطة بين ماضي العلوم وحاضرها وكانت لازالت وسيلة في يد العلوم لنقلها من مجالها التخييلي إلى مجالها المحسوس خاصة في عصور خلت من الشاشات، وقد وعى مختصون بأهميتها فخصصوا لها مختبرات بحث بكامل تجهيزاتها المادية والبشرية فيما لا يزال كثيرون يهزأون منها ( للأسف ) ربما لعدم وعي بقيمتها كعامل في الحفاظ على إرث إنساني مازالت البشرية تستلهم منها علومها وتبني عليها تقدمها ومجدها الحضاري المتواصل، فقد فهم الكثير من الباحثين في مجال العلوم أن معظم علوم اليوم سبقهم إليها العلماء الأوائل خاصة في حضارة بلاد الرافدين فراحوا ينهلون منها وأسسوا شعبا خاصة بها في الجامعات يتوافد عليها الطلبة في حين نشهد توافدا محتشما إن لم يكن شبه منعدم على شعبة الفنون والتراث الذي يرتبط بها ارتباطا وثيقا وهذا راجع لنقص الوعي بمدى أهمية هذه المجالات وللأسرة كمهد أول للفرد دور بالغ في غرس هذه المفاهيم في ذهنية الأجيال الناشئة والمدرسة كعامل مؤسس لمشروع جيل واع بقيمة الفنون ودورها البالغ عبر التاريخ فقد لعبت الفنون دورا كبيرا في نقل تصورات الإنسان وفلسفته عن الكون والوجود ومن خلالها أيضا استطاع الإنسان الحديث التعمق في دراسات أنثروبولوجية عن إنسان العصور القديمة نفسيا واجتماعيا وفكريا وعلى أساسها يستطيع الباحثون بناؤ تصورات لما يجب أن تكون حياة الفرد لاحقا.
والفنون تدخل في مختلف مجالات الحياة، ففي العمران مثلا يلعب التصميم دورا كبيرا في جمالية البناء وبعد البناء يأتي دور الفنان التشكيلي ليبدع مختلف الجداريات والمنحوتات والأشكال التي تعطي للمدن رونقها وحسها الفني والابداعي ولهذا نشهد انبهار الفرد عندما يسافر إلى عواصم يميزها الذوق الفني الرفيع في تزيين الشوارع وواجهات البنايات والمحلات والحدائق لتجعل منها مناطق جذب للسياح وتغدو السياحة مصدر انتعاش اقتصادي بالغ الأهمية في الكثير من الدول، هذه هي وظيفة الفنان؛ اضفاء روح للمكان ولهذا ربما تخلو كثير من الأماكن في هذا العالم من كل روح لتغدو قبورا لساكنيها.
ولأن الفنون اتخذها الإنسان وسيلة للتعبير عن ذاته وبيئته وأفكاره فقد أبدع في توثيق حضارته ولهذا يميل السياح لزيارة أكثر الأماكن تاريخية وأكثرها ثراء بالآثار، وتبقى المتاحف الوجهة المفضلة للباحثين عن المعرفة لما تحويه من منحوتات لشخصيات عظيمة وجداريات ولوحات لدهاة الفكر الإنساني من أمثال ليوناردو دافنشي وبوتشللي وفان غوخ ومايكل أنجلو وبيكاسو وبول سيزان ومانيه وغيرهم من العصور الموغلة في القدم، فما فعله هؤلاء هو استكمال ما بدأ به أجدادهم القدامى.
ولعل مغارة أفلاطون تبقى رمزا مميزا في تاريخ الابداع لما تحمله من فلسفة ودلالات عميقة على غرار غيرها من التصويرات التي حملت بين ثنايا فكر الإنسان وتطوره عبر العصور.
والرسم يكتسي أهمية كبرى في علوم الطبيعة والفلك والكيمياء، ولأن الإنسان بطبعه ميال إلى الحكاية فقد ألف القصص منها الحقيقي ومنها المتخيل ورواها بلسانه ثم نقلها من الشفهي إلى الكتابي ثم أحس بضرورة وضعها في إطار ملموس فكان المسرح الذي ساهم عبر الأزمنة والأمكنة في امتاع البشر والتعبير عن همومهم وأفراحهم وأفكارهم ثم انتقلت عبر المدن والبلدان ليغدو المسرح مكانا للقاء أهل الفكر وشكلت وسطا راقيا للتعبير وتناقل التصورات والوقائع.
القصيدة المغناة وجدت طريقها لقلب الإنسان فجعل منها رفيقة له في كل أعماله من زرع وري وحصاد وبناء وتطورت لتضفي على احتفالاته رونقا وجاذبية وبهذا أضحت إلى جانب الرسم والنحت والمسرح وغيرها من الفنون من فنيات العيش التي تشهد على سعة خياله وميله الشديد إلى ابتكار الجمال على مر العصور.
لامية خلف الله

You may also like

Leave a Comment

روابط سريعة

من نحن

فريق من المتطوعين تحت إشراف HOPE JZR مؤسس الموقع ، مدفوعا بالرغبة في زرع الأمل من خلال اقتراح حلول فعالة للمشاكل القائمة من خلال مساهماتكم في مختلف القطاعات من أجل التقارب جميعا نحو جزائر جديدة ، جزائرية جزائرية ، تعددية وفخورة بتنوعها الثقافي. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة القائمة «الجزائر الجزائرية»

من نحن

جمع Hope JZR ، مؤسس الموقع ومالك قناة YouTube التي تحمل نفس الاسم ، حول مشروعه فريقا من المتطوعين من الأراضي الوطنية والشتات مع ملفات تعريف متنوعة بقدر ما هي متنوعة ، دائرة من الوطنيين التي تحمل فقط ، لك وحماسك للتوسع. في الواقع، ندعوكم، أيها المواطنون ذوو العقلية الإيجابية والبناءة، للانضمام إلينا، من خلال مساهماتكم، في مغامرة الدفاع عن الجزائر الجديدة هذه وبنائها.

ما الذي نفعله

نحن نعمل بشكل مستمر ودقيق لتزويد الجمهور بمعلومات موثوقة وموضوعية وإيجابية بشكل بارز.

مخلصين لعقيدة المؤسس المتمثلة في “زرع الأمل” ، فإن طموحنا هو خلق ديناميكية متحمسة (دون صب في النشوة) ، وتوحيد الكفاءات في خدمة وطنهم. إن إصداراتنا كما ستلاحظون ستسلط الضوء دائما على الأداء الإيجابي والإنجازات في مختلف المجالات، كما تعكس منتقدينا كلما رأينا مشاكل تؤثر على حياة مواطنينا، أو تقدم حلولا مناسبة أو تدعو نخبنا للمساعدة في حلها. 

مهمتنا

هدفنا الفريد هو جعل هذه المنصة الأولى في الجزائر التي تكرس حصريا للمعلومات الإيجابية التي تزرع الأمل بين شبابنا وتغريهم بالمشاركة في تنمية بلدنا.

إن بناء هذه الجزائر الجديدة التي نحلم بها والتي نطمح إليها سيكون عملا جماعيا لكل المواطنين الغيورين من عظمة أمتهم وتأثيرها.

ستكون الضامن للحفاظ على استقلالها وسيادتها وستحترم إرث وتضحيات شهدائنا الباسلة.

© 2023 – Jazair Hope. All Rights Reserved. 

Contact Us At : info@jazairhope.org