بين أنقاض الحنين: قصص البيوت المهدمة وأهلها
لامية خلف الله
تُعتبر البيوت أكثر من مجرد مبانٍ من الطوب والحجر؛ فهي أعشاش دافئة تحتضن الأحلام والأماني، وشاهد على فصول الحياة التي مرت بها. عندما تهدم بيوت، لا ينهار بناء من الطوب والحجر فحسب، بل ينهار معه عالم كامل من الذكريات والأحلام، وتتحول حياة ساكنيها إلى رماد.
إن للبيت رمزية في النفس البشرية، فهو ليس مجرد مسكن، بل هو هوية، هو جذور تمتد في أعماق التاريخ، هو ملاذ آمن يعود إليه الإنسان بعد يوم عمل شاق، هو الحصن الذي يحمي أفراده من تقلبات الزمن وعواصف الحياة. ففي البيت يشعر الإنسان بالأمان والحماية، يشعر بأنه ينتمي إلى مكان ما، وأن له جذور تمتد في أعماق التاريخ.
كل زاوية من زوايا البيت تحمل قصة، كل قطعة أثاث، وكل صورة معلقة على الحائط، وكل لعبة ملقاة على الأرض، تحمل في طياتها ذكريات لا تُنسى. غرفة النوم التي شهدت ليلة الزفاف، والمطبخ الذي تفوح منه رائحة الطعام الشهية، والصالة التي اجتمعت فيها العائلة في المناسبات والأعياد، كلها مشاهد محفورة في الذاكرة، لا تمحوها الأيام.
إن البيت الفلسطيني واللبناني (على غرار البيوت التي شهدت حروبا في كل العالم) أيقونة الصمود والتحدي، حيث تُعتبر البيوت الفلسطينية واللبنانية مثالاً صارخاً على المعاناة. فمنذ عقود، تعيش هذه الشعوب تحت وطأة الحروب والاحتلال، وتتعرض بيوتهم للهدم والتدمير بشكل متكرر. كل حرب جديدة تترك وراءها جرحاً نازفاً في نفوس الناس، وتدمر بيوتهم وتشرد عائلات بأكملها.
إن تأثير الحرب على النفس البشرية عميق، ففقدان البيت ليس مجرد خسارة مادية، بل هو خسارة معنوية كبيرة، فهو يعني فقدان الهوية، وفقدان الجذور، وفقدان جزء كبير من النفس. الإنسان مرتبط ببيته ارتباطاً وثيقاً، هو جزء لا يتجزأ من هويته، ومن شخصيته.
وعندما يضطر الإنسان إلى ترك بيته، فإنه يحمل معه أوجاعاً لا توصف، وآلاماً لا تشفى. فهو يحمل معه ذكريات الماضي، وأحلام المستقبل، وهو يحمل معه جزءاً كبيراً من قلبه وروحه.
وإننا نتذكر في هذا المقام مرة أخرى ما ذكرناه في مقال سابق، رواية للكاتبة الكردية السورية مها حسن “عمتِ صباحا أيها الحرب” أين تحدثت عن تجربتها الشخصية في الثورة السورية على غرار رواياتها الأخرى أين خصصت جزءً خاصا تحكي فيه عن المعنى العميق للبيت بعنوان “هاجس البيت” تقول فيه: ” البيت يعني سريرا وغطاء، والحلم بالنوم بين جدران آمنة، تحمي من البرد والخوف والمباغتة.
البيت يعني أن تدخل إلى مكان مغلق، تُقفِل عليك بابه فتشعر بطمأنينة السلام. السلام هو السلام، الوقاية من الآخر، وعلى نقيضه الناس اللا بيت، هو التواجد في احتمالية الخطر: هجوم ما من طرف ما ، إنسان، حيوان ، طبيعة.. “
البيت الفلسطيني واللبناني أصبح رمزاً للمقاومة والصمود، فمهما دمر البيوت، فإن روح الشعب لا تموت، وستبقى هذه الشعوب متمسكة بأرضها وبحقها في العيش بكرامة وأمان.
في النهاية، يبقى البيت رمزاً للأمان والاستقرار والحب، وهو ملاذ للإنسان في مواجهة تقلبات الزمن وعواصف الحياة. وعندما تهدم البيوت، فإنها تترك جرحاً غائراً في النفوس.
لامية خلف الله/ كاتبة من شرق الجزائر