By Hope & ChaDia
في قراءة جديدة للصحفي عبد الوهاب حفكوف، جاءت مداخلة مطوّلة ضمن سلسلة حلقات موجهة، ركز فيها على القضايا الاستراتيجية التي تمس الجزائر مباشرة، خاصة في ظل التصعيد المتبادل بينها وبين المغرب، والتوترات الناتجة عن التمدد الإسرائيلي في المنطقة.
الجزائر وقاعدة “أم العسل”: سيادة لا تهتز
تناول حفكوف الاتهامات المغربية للجزائر بأنها تتبنى تصعيدًا عسكريًا من خلال بناء قاعدة جوية بمنطقة “أم العسل” القريبة من الحدود، مبرزًا أن ما يُعتبره المغرب تهديدًا جزائريًا، هو في الحقيقة “حق سيادي مشروع” لمواجهة تمدد إسرائيلي خطير يتم تحت “غطاء مغربي”.
“الجزائر لا تقيم قواعد هجومية، بل تحصّن مجالها السيادي في وجه مشروع خارجي يهدد أمن المنطقة انطلاقًا من التراب المغربي”، حسب تعبيره.
روسيا والجزائر: محور استراتيجي في طور التبلور
حفكوف كشف أيضًا عن ما وصفه بـ”ميل استراتيجي روسي واضح نحو الجزائر”، مؤكدًا أن موسكو ترى في الجزائر شريكًا مستقرًا وفعّالًا عسكريًا واستخباراتيًا، بعكس بعض دول الساحل الإفريقي التي تمثل مجرد وكلاء مرحليين. من بين أوراق الجزائر القوية التي تجذب روسيا:
السيادة العسكرية المكتملة (بنية تشغيلية متكاملة وليست ترسانة استيراد).
الحضور الاستخباراتي في منطقة الساحل.
القدرة على التأثير في الملف الليبي.
الاستقلال السياسي والسيادي التام في القرار العسكري.
الجيش الجزائري… عقيدة الردع لا الهجوم
أوضح حفكوف أن العقيدة العسكرية الجزائرية تقوم على مبدأ “السيادة الردعية”، أي إظهار أن كل تحرك في المنطقة الحدودية سيكون مرصودًا ومُعرضًا للرد، دون الحاجة للهجوم أو المباغتة.
كما شدد على أن الجزائر لا تسعى لحرب، لكنها تسعى لردع أي محاولة للمساس بسيادتها الجوية أو الترابية، خاصة في ظل التوغل الصهيوني عبر المغرب.
“نشر طائرات ميغ 29 في القاعدة الجديدة، ليس إعلان حرب، بل تجسيد لمعادلة ردع تحصن المسرح الجوي”، يضيف حفكوف.
الجزائر في المشهد الإفريقي والدولي
أكد حفكوف في عدة مواضع أن الجزائر تتحرك بحكمة وصمت في الملفات الإقليمية الكبرى، من السودان إلى الساحل والصحراء، ممارِسة دورًا دبلوماسيًا ذكيًا وفعّالًا عبر شخصيات مثل رمطان لعمامرة، مع حفاظها على حياد استراتيجي يعزز استقلال قرارها.
السودان: من الهشاشة إلى امتلاك أدوات الردع
يرى حفكوف أن السودان يعيش لحظة مفصلية، حيث خرجت الدولة السودانية من موقع التلقي والانكسار، وبدأت تبني “أدوات الردع القانوني والسيادي” عبر ملاحقة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية بتهم تمويل وتوجيه ميليشيات خارجة عن القانون وتدمير مؤسسات الدولة.
بحسب التحقيق الذي استند إليه حفكوف (منصة “JazairHope“)، هناك وثائق دامغة تكشف أن:
الإمارات موّلت ميليشيات تقاتل الجيش السوداني.
هناك شحنات سلاح، وخريطة دعم لوجستي، وتعاون مع فاغنر الروسية (التي صارت تُدار ماليًا من أبوظبي).
الإمارات تُمارس تفكيكًا ممنهجًا لمؤسسات السودان، بمباركة إسرائيلية ضمن مشروع إعادة تشكيل القرن الإفريقي.
“ما يجري في السودان ليس مجرد نزاع داخلي، بل تفكيك هندسي ترعاه دويلة وظيفية تخدم المشروع الصهيوني في العمق الإفريقي”، يقول حفكوف.
الجزائر: دعم صامت لكن فعّال
الجزائر، حسب حفكوف، تدخلت بهدوء وبفاعلية في الملف السوداني. ومنذ استقبال الرئيس عبد المجيد تبون للفريق أول عبد الفتاح البرهان، بدأ يتغيّر أداء الجيش السوداني ميدانيًا، وهو ما يُقرأ على أنه:
تنسيق استخباراتي أو لوجستي غير مُعلن.
دعم تكتيكي استباقي لحماية السودان كـ”بوابة إفريقية” تمس الأمن الجزائري.
“الجزائر لا تعلن عن دعمها، لكنها تعمل في العمق… الرئيس تبون حذر الإمارات في دوائر مغلقة من العبث بالسودان، لأنها تعرف أن ما يحدث هناك يترجم فورًا في الصحراء الكبرى والليبية”، وفق حفكوف.
الجزائر أيضًا ساعدت عبر رمطان لعمامرة في بناء غطاء قانوني للسودان يمكنه من:
ملاحقة الإمارات دوليًا.
تأسيس شرعية لأي رد إقليمي مستقبلي.
الإمارات: هندسة الفوضى بأدوات مالية وتقنية
وصف حفكوف الإمارات بـ”دويلة تافهة تلعب أدوارًا فوق حجمها بتمويل صهيوني أمريكي”. وأكد أنها:
تسعى لتفكيك المجتمعات القوية في إفريقيا.
تستهدف السودان كـ”ثاني أكبر كتلة بشرية بعد مصر”.
تعتمد على تمويل الميليشيات لا بناء التحالفات.
لكنها، رغم المال والنفوذ، لا تمتلك وعيًا استراتيجيًا طويل الأمد، بل تعتمد على “القمار الجيوسياسي” وتُساق عبر المشروع الإسرائيلي دون إدراك لارتدادات هذا المشروع.
إسرائيل: الهندسة من الظل
لم تغب إسرائيل عن المشهد، بل حضرت كقوة خفية تقود التوجيه الاستراتيجي لما يحصل في السودان وعموم إفريقيا. حفكوف أشار إلى:
“مشاركة إسرائيل في تصميم الخرائط الأمنية الجديدة”.
كونها المستفيد الأكبر من إضعاف السودان ومحاصرته عبر الإمارات.
محاولاتها فرض توازنات جديدة على البحر الأحمر وجواره، بالتعاون مع أبوظبي.
نحو ردع جديد: ما بعد القانون؟
يرى حفكوف أن السودان يجب أن لا يكتفي بالمسار القانوني، بل:
يطور استراتيجية ردع عسكري غير معلن، بتنسيق مع اليمن والجزائر وإريتريا.
يستهدف مصالح الإمارات البحرية والاقتصادية في البحر الأحمر.
ينهك الإمارات بطريقة غير تقليدية دون الانجرار لحرب شاملة.
“مثل هذه الاستراتيجية الذكية تحول الضغط العسكري إلى ورقة سياسية فعالة”، يضيف.
خلاصة التحليل
يؤكد حفكوف أن الجزائر تعتمد نهجًا واقعيًا قائمًا على الفعل لا على الخطاب. هي قوة هادئة ولكنها تمسك بخيوط الأمن الإقليمي، وتواجه الاختراقات بتخطيط لا بصدام. الجيش الجزائري يُعيد تعريف الردع في المنطقة، والدبلوماسية الجزائرية تفرض منطقها بفعالية.
الجزائر لا تتصرف من منطلق عدائي، بل من منطلق سيادي واقعي.
خطر التهديد الإسرائيلي الحقيقي لا يمكن تجاهله، خاصة مع التمركز المتزايد في المغرب.
الجيش الجزائري يُعيد صياغة مفاهيم “الردع الإقليمي” باحترافية، وليس عبر صخب إعلامي.
لمتابعة المداخلة الكاملة للصحفي عبد الوهاب حفكوف على يوتيوب (من الدقيقة 10:45 إلى الدقيقة 45:30):