نتفاءل، دون تحفّظ، بساحة ثقافية منتجة وفعل ثقافي رفيع يؤدي رسالته الطبيعية في المجتمع، ويمثل قوة ناعمة تدافع عن القيم الوطنية السامية، وتكون درعا واقيا للوطن من كل المخاطر الممكنة، وإذا قلنا إن تفاؤلنا لا يتحفّظ؛ فذلك لأننا لمسنا ملامح التغيير على مستوى الخطاب العام، وعلى مستوى القرارات الهامة التي تتواتر بالساحة الثقافية، وتضيف إلى المؤسسة الثقافية ما يمنحها رشدها، ويستعيد لها هيبتها، ويتيح لها القيام بدورها الريادي في بناء المستقبل، بعد أن فرض عليها بعض (المتثيقفين) أن تكون مجرد (وكالة) مختصة بتنظيم السهرات والحفلات..
ولعلّ أهمّ تغيير بدأ ينسحب على السّاحة الثقافية، هو فرض مصطلح «الصناعة» على كل ما يتعلّق بالإنتاج الثقافي، بداية من «صناعة الكتاب» إلى «صناعة السينما»، ما يعني أن «الثقافي» لن يفسح في المستقبل أي مساحة لـ(النطيحة) و(المترديّة)، لأنه سيكون مطالبا بمنتج يستحق التسويق، ولا يعيش عالة على خزينة الدّولة.. ويعني كذلك أن «الثقافة» ستتحوّل إلى ميدان استثمار حقيقي، وتتخلّص نهائيا من فكرة (الدّعم) البائسة التي يتشدّق بها كل متلصّق بالثقافة، متطفل على خزينتها.
فكرة «الصناعة» هي التي ستضع نقطة النهاية لفكرة «الدّعم»، فهي التي ستقنع الناشر بأن يتعامل مع الكاتب الحقيقي، وهي التي ستثبت في ذهن الفنان بأن الحلّ الوحيد المتاح هو اختيار الكتابات الجيدة، والرهان على ما يقنع المتفرجين والمتابعين، وهي التي تسمح بالتمييز بين المثقف الحقيقي، والمثقف الشّبيه، وهذا بالضّبط ما يحقّق للمنتج الثّقافي حصافته، ويضمن له رواجه، ويفتح له جميع الآفاق كي يسهم في الجهد التنموي الوطني، عوض أن يكون عبئا عليه.