لا ينظر ملايين الجزائريين إلى ساحة الشهداء كموقع مميز ومهم في العاصمة، بل شاهد تاريخي على مراحل مهمة في ذاكرة عروس شمال أفريقيا.
علاوة على ما تحتله من مكانة خاصة في المخيال الشعبي للعاصميين، وحتى للوافدين إليها للإقامة أو الزيارة أو السياحة.
نظرة واحدة تختزل ألفي سنة من الوجود
ربما يعتقد البعض أن ساحة الشهداء في العاصمة سميت بهذا الاسم نسبة إلى المقاتلين والمحاربين، الذين استشهدوا خلال ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي التي أدت إلى استقلال البلاد في 1962، لكن الحقيقة أنها تعود إلى بدايات 1830 مع دخول القوات الفرنسية إلى الجزائر.
ارتبط اسم الساحة بمسجد كتشاوة، المقابل لها ولا يبعد سوى بأمتار قليلة عنها، حينها أصدرت إدارة الاستعمار الفرنسي قرارا بتحويل المسجد إلى كاتدرائية، فسارع أربعة آلاف جزائري إلى الاعتصام بداخله منعا لكل محاولات تنفيذ الخطوة.
استفز تحرك الجزائريين القوات الفرنسية، التي اقتحمت المسجد وأخرجت المعتصمين بالقوة واقتادتهم إلى الساحة المقابلة التي كانت تسمى ساحة الماعز، خلال فترة الحكم العثماني، وأطلقت عليهم النار.
بقيت الحادثة منقوشة في كتب التاريخ ومحفورة في عقول العاصميين حتى استقلال الجزائر في 1962، إذ سارعت السلطات إلى نزع الصلبان عن الكاتدرائية وإعادتها مسجدا كما كانت، وإطلاق اسم ساحة الشهداء بدلاً من المسمى العثماني.
قرار أصدره الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة، وهي التسمية التي ظلت مستمرة عبر الأجيال كل يروي قصتها بين الحقيقة والخيال.
اسم ساحة الحكومة فيعود إلى الاستعمار الفرنسي نفسه بعد تشييد تمثال “الدوق دورليان” في 1842، والذي ظل في مكانه إلى غاية استقلال الجزائر في 1962، حيث نقل إلى فرنسا بعدها بعام وضع في “قصر فانسين” بباريس.
ظل الجزائريون يتجنبون زيارة ساحة الشهداء، بينما فتحت أبوابها لاستقبال مختلف الأجناس التي أقامت بالأحياء المحيطة، فالأهالي يتجنبون التوجه للساحة خوفاً من إهانات الأوروبيين لهم، فيكتفون بالبقاء عند الهامش، وهو المشهد الذي وصفه الروائي العالمي ألبير كامو في روايته الغريب.
وساحة الشهداء تقع في منطقة القصبة، التي اشتهرت بأنها عاصمة الجزائر العثمانية، قبالة البحر، وتحديدا في المكان الذي تحطمت فيه بواخر شارلكان أثناء غزوه المنطقة في 1541، بينما يحدها غربا أحد أكبر الأحياء الشعبية في الجزائر كثافة سكانية وشهرة، وهو حي باب الواد الذي يعود تاريخه إلى نهاية القرن الـ19، وقد سكنه اليهود خلال الاستعمار الفرنسي، وهم ممن فروا من الأندلس، واستقرت به عائلات أوروبية خليط بين إسبانية ومالطية وإيطالية وفرنسية ضمن نسيج عمراني متوسطي قام على بعض التعايش.
من الجهة الشرقية يبقى حي باب عزون، أحد أبواب المدينة القديمة، شاهدا على الوجود العثماني والاستعمار الفرنسي، الذي شيد الحي، ومن خلف ساحة الشهداء تمتد مدينة “القصبة” أو “المدينة القديمة” أو “المحروسة” مثلما يفضل سكان العاصمة تسميتها، والتي بدورها لها من الروايات والقصص والحكايات الكثير، لا سيما أثناء الوجود العثماني على اعتبار أنها كانت العاصمة ومقر إقامة الدايات ورياس البحر والعائلات الأرستقراطية والبرجوازية.
ولا تتوقف القصص حول ساحة الشهداء، خصوصا بعد أن كشفت عمليات شق طريق قطار الأنفاق في المنطقة عن عديد من الأسرار، إذ عثر علماء آثار على مبانٍ ومواقع تختصر ألفي عام من تاريخ العاصمة بين الحقبتين الرومانية والعثمانية، لتكون متحفا مفتوحا للمسافرين، فقد كان اكتشافها “ شيئاً مذهلا، بنظرة واحدة يمكنك أن تستعيد ألفي سنة من التاريخ.
وظهرت في الموقع أيضا أجزاء من مسجد “السيدة”، الذي بناه العثمانيون قبل أن يهدمه الفرنسيون في بداية استعمارهم الجزائر في 1831 لإنشاء ساحة كبيرة، ساحة الملك التي تحولت إلى ساحة الحكومة، وهي اليوم تحمل اسم ساحة الشهداء منذ استقلال الجزائر في 1962.
dhakira.echaab.dz