تعود الذكرى الـ 18 للحادث المأساوي الذي أودى بحياة عميد الأغنية التارقية عثمان بالي، اليوم 14 جوان، ومعها حنين الى اللمسة الخاصة لهذا الفنان، الذي أخرج النوعي الموسيقي الذي يؤديه من المحلية إلى العالمية.
بأقصى الجنوب الجزائري ومن عاصمة الاهقار ومنطقة التوارق، هذه المنطقة الساحرة التي تحتاج للغوص في أعماقها والبحث فيها كشف أسرارها بداية من تاريخ المرأة الأسطورة الملكة تنهينان إلى خبايا الرجل الأزرق والمعروف عالميا بقامته، إلى الطبوع الفنية التي تشتهر بها هذه المنطقة خاصة الاغنية التارقية أو التيندية التي فرضت نفسها بقوة في العشريتين الأخيرتين، حيث حاول مطربوها ونجومها إيصالها للعالمية، هي التي مثلت الجزائر ورفعت رايتها في عديد المهرجانات الدولية.
ومن هؤلاء الفنان، الشاعر والمطرب والعازف على آلة العود الراحل عثمان بالي، الذي أخرج هذه الاغنية من نفق الأهقار إلى بقاع الأرض.
عثمان بالي كان يردد بصوته المستمد من أفق الاهقار الواسع نصوصا كان يكتبها بالترقية أو العرقية استحالت إلى الحان وتيبة تترجم قوة الصحراء في سكونها .
انبثق اسم عثمان بالي من عمق الاهقار بالجنوب الجزائري الكبير واسمه الحقيقي مبارك عثمان من مواليد ماي 1953 بجانت ولاية ايليزي.
ينحدر من عائلة فنية، كانت والدته السيدة خديجة تغني التيندي في الأعراس والحفلات العائلية والمناسبات الوطنية والدينية.
والتيندي نوع من الموسيقى المحلية التارقية أي موسيقى تشتهر بها مناطق الجنوب الشرقي الجزائري.
بدأ عثمان يتعلق بهذا النوع ويتذوقه شيئا فشيئا خلال أوقات فراغه خاصة وانه كان يدرس مهنة الطب ليمارسها بعد ذلك كتقني سامي في الجراحة مع مطلع السبعينات.
إلى جانب مهنته هذه، بدأ يكتشف هذا النوع فأصبح يردده هو الآخر، ويفكر كيف يخرج هذا الطابع من محليته إلى الوطني ليفرضه كنوع من الطبوع الفنية الجزائرية فانخرط في فرقة محلية كعضو ناشط وراقص فيها.
أرادها فرقة له فسماها باسمه أي فرقة “عثمان بالي” سنة 1987 فأصبحت هذه الفرقة تفرض نفسها وبقوة على المستوى المحلي ، وتطمح إلى الوطنية فأصبحت تتفنن في عزف موسيقى التيندي.
هذه الموسيقى كانت تعزف من قبل النساء فقط ثم أصبحت تؤدى من قبل الرجال كذلك وعملت هذه الفرقة كل جهدها على إيصال الاغنية الترقية إلى مستوى راقي جدا لتصبح أغنية عالمية.
وأصبح عثمان بالي سفيرها فأوصلها إلى كل الجمهور الجزائري الذي حفظ أغاني جديدة كانت إلى وقت قريب غير معروفة، بل لم يسمع بها مثل: جانت بين جبال، دمعة، أمين.. آمين ..”، وغيرها من الأغاني بالرغم من جهله لمحتواها ومفهومها غير انه تألق بموسيقاها.
كانت والدة عثمان بالي تكتب له الأغاني أو تتلوها عليه وهو يكتبها. شكلت أسرته كمجموعة تعمل وراءه وتشجعه وتدير أعماله من جانت.
وللفنان بالي نصوص مشهورة لكن أشهرها على الإطلاق نص “أساروف”، أو المعذرة، وهي من بين 170 أغنية أداها هذا الفنان وأخرجها من المحلية التارقية إلى الجمهور الجزائري بل العالمية.
أحيا حفلات في عديد العواصم وشارك في عدة مهرجانات دولية وأعطى للأغنية التارقية صيغة عالمية، وتعامل مع فنانين عالميين مثل ستيف، بيتر غاربيا وآخرين، في تقديم فنا امازيغيا جنوبيا مصحوبا بالجاز والبلوز .
وبعد أن أوصل عثمان بالي الاغنية التارقية إلى العالمية، كانت له أهداف وطموحات كبيرة، سعى إلى تحقيقها منها إنشاء مدرسة مختصة بتعليم موسيقى التيندي تعرف بمدرسة عثمان بالي. سعى ابنه نبيل بالي بعده إلى تحقيق هذه الأمنية مع جدته التي كانت ترافقه ضمن فرقته الموسيقية خاصة وأنها شاعرة بالفطرة.
للإشارة، يعد عثمان بالي من عشاق الشيخ مولاي دعامي جيباوي أحد أبرز العازفين على آلة العود في الجزائر.
بعد مسيرة حافلة لهذا الفنان الذي سطع نجمه في سماء الاغنية الجزائرية، توفي إثر عاصفة رعدية اجتاحت الجنوب الكبير وأدت أمطار طوفانية إلى عزل منطقة جانت بولاية ايلزي، نجم عنها خسائر مادية معتبرة، فأسرع عثمان بالي رفقة زملائه للمساعدة غير أن هذه الفيضانات جرفت عثمان ليلة الجمعة 14 جوان من سنة 2004 .
وعثر عليه يوم السبت الموالي على بعد 2 كلم من مدينة جانت بعد أن جرفته فيضانات وادي ثينجينات بتاسيلي ناجر الذي يقطع مدينة جانت إلى قسمين ليدفن في مقبرة “دوغوم”.
fawassil.echaab.dz