لطالما تمسكت الجزائر بضبط النفس حيال تصرفات السلطات الانتقالية في مالي، مدفوعةً بحرصها على استقرار الجوار وتغليب الحكمة على الانفعال. لكن يبدو أن مرحلة التريث قد انتهت، وأن المرحلة المقبلة ستشهد تحوّلاً جذرياً في طريقة التعاطي مع هذه الاستفزازات المتكررة.
الرسالة هذه المرة واضحة وصريحة: “بكم ستدفعون ثمناً غالياً… لأن عوائد هذه الاستفزازات ستكون صفراً.”
*في رأيي، هذه العبارة تختزل التحوّل في السياسة الجزائرية من الاحتواء إلى الردع، ومن الصبر إلى الحزم.*
السياق الذي دفع إلى هذا التغيير لا يخفى على أحد. فالحديث يدور حول اختراقات متكررة للمجال الجوي الجزائري من طرف طائرات مسيّرة، قيل إن مصدرها الأراضي المالية، وبتواطؤ من جهات أجنبية تدفع النظام الانقلابي في باماكو نحو مغامرات عسكرية مكلفة. هذا ليس اتهاماً جزافياً، بل معلومات ووقائع موثقة، آخرها سقوط طائرة درون “آكنجي” التركية الصنع داخل الأراضي الجزائرية، وهو الحادث الثالث من نوعه.
المؤسسة العسكرية الجزائرية أثبتت، مرة أخرى، جاهزيتها المطلقة ويقظتها العالية. العملية النوعية التي تمّت ليلة العيد وفي عمق الصحراء، وبظروف معقدة، كشفت عن مستوى استثنائي من الكفاءة.
*هنا، ليس فقط الجيش من أرسل الرسالة، بل الدولة بأكملها: السيادة الوطنية ليست شعاراً بل خطاً أحمر.*
المعادلة الجديدة تقوم على مبدأ الردع: كل استفزاز يقابله رد، وكل محاولة اختراق تُقابل بإفشال تام. والتلميحات الواضحة إلى تورط جهات إقليمية – مثل الجار الغربي المعروف بعداوته – في تدريب عناصر مالية على استخدام الدرونات، تضع هذه الدول أمام مسؤوليات خطيرة. إذ لم يعد مقبولاً أن تُحوّل حدود الجزائر إلى ملعب لتصفية حسابات جيوسياسية لصالح أطراف خارجية.
الرسالة إلى الجوار وللعالم واضحة: الجزائر لن تسمح بتحويل جنوبها إلى ساحة اختبار، ولن تصمت على محاولات جرّها إلى دوامات أمنية تخدم مشاريع غير وطنية.
في النهاية، فإن الجزائر، بقوتها الهادئة وقدرتها على الرد المحسوب، تؤكد أن الصبر له حدود، وأن اللعب بالنار على حدودها ستكون نتيجته حتمية: عوائد تساوي صفراً، وتكلفة باهظة لمن يغامر.
*في هذا التوازن الجديد، الجزائر لا تبحث عن تصعيد، بل تفرض احترامها.*
— Hope&ChaDia