ق. ث
طرحت دار “سوثبي“ للمزادات، مؤخرا، عرضا لأعمال المستشرقين الفنية، يضم العديد من اللوحات منها لوحة للفنان المستشرق الأمريكي، فردريك أرثر برديجمان، بعنوان “المدرسة“ ويقدر ثمنها ما بين 8 إلى 12 ألف دولار.
قام بريدجمان بأولى رحلاته إلى شمال أفريقيا بين عامي 1872 و1874، قسم وقته بين الجزائر ومصر، حيث زار العديد من المدن من أهمها وهران، الجزائر، بسكرة بالإضافة إلى العديد من المدن المصرية، حيث رسم ما يقرب من 200 رسم أصبح فيما بعد مصدرا للعديد من اللوحات الزيتية التي قام بإكمالها وأثارت اعجاب المشاهدين.
تمتع بريدجمان بنجاح كبير في الولايات المتحدة، بعد عرض 300 لوحة من أعماله في معرض الفن الأميركي، وانتخب عضوا في الأكاديمية الأمريكية للتصميم حتى عام 1880.
اشتهر بريدجمان باسم “جيروم الأمريكي“ على الرغم من أن بريدجمان أكسب لوحاته الجمالية المزيد من الطبيعية، وركز على الألوان المبهجة وأعمال الفرشاة الملونة ومن أهم لوحاته: “زقاق في الجزائر“ و“موكب جنازة المومياء في النيل“، عرضت وبيعت في صالون باريس (1877).
لم يكن بريدجمان رساما فحسب، بل كان أيضا شاعرا وأديبا ومؤلفا وعازفا موسيقيا، لقي اهتمام جامعي اللوحات الفنية العرب، على وجه الخصوص، كون الرسم الاستشراقي هو السجل البصري الوحيد المتوفر اليوم عن حياة شعوب المنطقة في القرن التاسع عشر.
في عام 1890، ألف بريدجمان كتابا بعنوان “شتاء في الجزائر” ضمنه العديد من الرسومات والقصص التي لا تنسى عن أسفاره وخبراته الفريدة في الجزائر، وقد سمح له بدخول بيوت الحريم ورسم ما رآه تقريبا ولم يعتمد على ذاكرته مثلما فعل معاصروه من الفنّانين.
وأثناء رحلاته جمع الرسام ملابس وأدوات فنية وتراثية ومعمارية زين بها منزله في باريس، لدرجة أن بيته صار مزارا للكثير من الفنانين، واهتمامه الشديد بالأزياء والإكسسوارات وأنماط الحياة اليومية في الجزائر خاصة يوفر سجلا قيما عن بعض سمات الثقافة الجزائرية في مرحلة انفتاح بلدان المنطقة على الغرب.
في إحدى اللوحات يصور بريدجمان جانبا من أنشطة الحياة اليومية في فناء منزل ريفي زاره في ولاية بسكرة المشهورة بصناعاتها اليدوية وبساطة الحياة فيها، وتظهر امرأتان تقومان بأعمال التطريز بصحبة امرأة ثالثة وخادمة سمراء، و المرأة الجالسة أمام طاولة النسيج تعالج الخيط، بينما تراقبها الفتاة الصغيرة باهتمام، وخلفهما تقف فتاة أخرى تمسك بباقة أزهار، وإلى اليسار مائدة مذهبة عليها عنب وتين، وفي الخلف يمكن رؤية غزالة تستريح تحت الجدار، والرسّام يضمنها في اللوحة باعتبارها رمزا لجمال المرأة في الثقافة الجزائرية والعربية، وهناك أيضا نافورة وعمود من الرخام ذو طراز أنيق.
ومن الأشياء الأخرى التي تلفت الانتباه الأقدام العارية للنساء والحرية التلقائية التي يتصرفن بها والملابس الملونة واللماعة، وكل هذه العناصر فيها إشارة إلى الحواس الخمس وإلى جاذبية ونبل الأنثى.
كان بريدجمان قد كتب عدة تحقيقات عن تجربته في الجزائر ونشرها في مجلتي اتلانتيك وهاربر الأمريكيتين، كان مفتونا بالديكور الذي رآه في منازل الجزائريين الأثرياء، وبعض لوحاته عن تلك البيوت تذكر بأجواء ألف ليلة وليلة.
من بين أكثر أعمال بريدجمان الأخرى احتفاء لوحته منظر لزقاق جزائري ولوحة أخرى بعنوان “لعبة مثيرة“.
ولد فريدريك آرثر بريدجمان في ولاية الاباما الأمريكية عام 1847 لأب كان يعمل طبيبا، وفي البداية درس الرسم في مدرسة بروكلين للفنون، ثم سافر إلى باريس عام 1866 حيث تعرف فيها إلى جان جيروم الذي كان له تأثير كبير في توجيه مساره الفني.
بعد الحرب العالمية الأولى، استقر بريدجمان في منطقة النورماندي، توفي في روين عام 1928 وسط تجاهل تام تقريبا من النقاد والصحافة.