في اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون التعبئة العامة، تطبيقًا لما ورد في المادة 99 من الدستور. هذا القانون لا يأتي في فراغ، بل يُعد تحركًا مدروسًا واستباقيًا يعكس وعي الدولة الجزائرية بضرورة التحصّن في وجه تحديات تتجاوز حدودها الجغرافية.
مشروع القانون يهدف إلى تحديد كيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، ويضعها ضمن إطار قانوني صريح، يمنح الدولة القدرة على الاستجابة السريعة والمرنة لأي طارئ، أمنيًا كان أو اقتصاديًا أو حتى إعلاميًا. التعبئة العامة هنا تُفهم باعتبارها حالة استثنائية تشمل استدعاء الاحتياطيين، تحويل مؤسسات الدولة إلى نظام طوارئ، تسخير الاقتصاد والإعلام، مراقبة الموارد الاستراتيجية، وحتى إشراك المدنيين في جهود الدعم.
لكن بعيدًا عن الجوانب التقنية، فإن القانون يحمل في طيّاته رسائل استراتيجية لا تقل أهمية عن محتواه التنظيمي. في رأيي، فإن مجرد طرح مشروع كهذا للنقاش هو شكل من أشكال التعبئة السياسية والمعنوية، يُعلن أن الجزائر دخلت مرحلة جديدة من الوعي السيادي والجهوزية المؤسسية.
لماذا الآن؟
السياق الإقليمي يفسّر الكثير.
في الجنوب، منطقة الساحل تغرق في الفوضى، ومالي صارت ساحة تنافس بين القوى الكبرى، مع تزايد نشاط الجماعات غير النظامية.
في الشرق، تونس تواجه هشاشة اجتماعية واقتصادية تُنذر بتداعيات محتملة على حدودنا.
في الغرب، المغرب يكثّف تحركاته في ملف الصحراء الغربية، ويعقد صفقات تسليح تُقرأ في الجزائر كرسائل عدائية مبطنة.
وفي الشمال، المتوسط يشهد تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق وسط توتر روسي-أطلسي متصاعد.
كل هذا يجعل من قانون التعبئة رسالة مزدوجة: ردع للخارج ويقظة للداخل.
نحو فلسفة جديدة للحكم
إقرار هذا المشروع يعكس تحولًا تدريجيًا في فلسفة الحكم في الجزائر: من التعامل بردّ الفعل إلى المبادرة، ومن منطق الاستجابة المتأخرة إلى التحضير الاستباقي.
أرى أن هذا القانون لا يعني بالضرورة أن الجزائر على أبواب تعبئة فعلية، بل يدلّ على أن الدولة تجهّز أدواتها الدستورية والمؤسساتية تحسّبًا لأي سيناريو، دون أن تفقد زمام المبادرة أو تُفاجأ باضطرابات مفاجئة.
إنه انتقال من الخطاب إلى البنية، من السياسة إلى التنظيم، ومن التحذير إلى التحصين. وإذا كان الأمن يبدأ بالقانون، فإن التعبئة تبدأ بالوعي.
Hope&ChaDia