الجميع يعلم أن العلاقات الجزائرية الإماراتية تمر بنوع من الجمود والفتور، وحتى نوع من القطيعة على الأقل من الناحية الدبلوماسية. هناك العديد من الأسباب لهذا الجمود، منها ما هو دبلوماسي، سياسي، أمني، واقتصادي. من بين أهم الملفات التي أبرزت التوتر في العلاقات الجزائرية الإماراتية هي قضية محاولة استحواذ شركة الطاقة الإماراتية على أغلبية حصص رأس مال شركة ناتورجي الإسبانية، التي تعتبر من أكبر مستوردي الغاز الطبيعي الجزائري.
ما الذي حدث بالضبط؟
الدكتور كمال ديب يوضح أن الجزائر قدمت تهديدًا غير رسمي بقطع إمدادات الغاز لشركة ناتورجي في حالة تغيير مساهميها. هذا التهديد كان فعالًا، حيث أنه بعد عدة جولات من المفاوضات بين الشركة الإسبانية والشركة الإماراتية، والتي بدأت في أبريل 2024، أعلن المساهم الأكبر في ناتورجي، وهو كريتيريا كزاك، الذي يمتلك 26.7% من أسهم المجمع، عن انتهاء المفاوضات مع شركة الطاقة الإماراتية دون الوصول إلى اتفاق لزيادة حصص الإماراتيين في رأس مال المجمع. وقرر أكبر مساهم في هذا المجمع الحفاظ على مكانته كأكبر وأول مساهم وصاحب القرار الأخير في شركة ناتورجي.
أهمية العملية
الدكتور ديب يشرح أن هذه العملية كانت ستكون أكبر عملية استحواذ في تاريخ إسبانيا بمبلغ 25 مليار يورو. كريتيريا قررت في النهاية الدفاع عن مصالح المجمع الطاقوي بإبقائه مقيدًا في إسبانيا، وضمان برنامج صناعي منسجم مع التحول الطاقوي، والأهم من ذلك، الحفاظ على الأمن الطاقوي واستمرار التموين الطاقوي لإسبانيا.
تهديد الجزائر
يؤكد الدكتور ديب أن الجزائر هددت بقطع تموين إسبانيا بالغاز، وكان هناك سابقات لهذا التهديد. الجزائر تمتلك 4% من أسهم ناتورجي، وهي شركة تشارك في تسيير شركة ميدغاز التي تمتلك الجزائر فيها 51%، وهذه الشركة مسؤولة عن تسيير أنابيب تموين الغاز لإسبانيا، بالإضافة لكونها أول ممون لإسبانيا بالغاز الطبيعي.
تفاصيل الصفقة
يوضح الدكتور ديب أن الشركة الإماراتية للطاقة هي أكبر مستثمر في قطاع الكهرباء في المغرب، وسعت للاستحواذ على أكبر مجمع طاقوي إسباني متخصص في شراء ونقل الغاز في المنطقة الإيبيرية. محاولة الإمارات رفع حصتها في رأس مال ناتورجي كان من أجل الدخول في مجلس إدارتها والاستحواذ على أهم القرارات فيها، مما كان سيؤدي إلى تحكم الإمارات في سوق الغاز لأوروبا الغربية، وهو سوق تعتمد عليه الجزائر تقليديًا.
تداعيات الصفقة
الدكتور ديب يوضح أنه في حال نجاح الصفقة، كانت الجزائر ستواجه تقاطع الإمارات في شراء الغاز الجزائري، وهو من بين أهم مصادر العملة الصعبة للجزائر، مما كان سيضرب موارد الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، الجزائر تمون هذه المنطقة بـ 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وكان هذا سيؤثر على عوائدها.
الأهداف الإماراتية
الدكتور ديب يبين أن الشركة الإماراتية كانت تسعى لتموين فرعها في المغرب، المسؤول عن إنتاج 4% من الكهرباء في المغرب. هذه الخطوة كانت ستكون محاولة للتلاعب بالقانون وتموين القطاع الكهربائي في المغرب من الغاز الجزائري من خلال شركة ناتورجي، مما كان سيدخل المنطقة في متاهات اقتصادية، طاقية، سياسية، دبلوماسية، وربما أمنية واستخباراتية.
القرار الجزائري
الدكتور ديب يشير إلى أن الجزائر اتخذت هذا القرار السيادي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية. بهذا القرار، أثبتت الجزائر قدرتها على حماية مصالحها الوطنية في وجه التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الكبيرة.