في شطحة غير مسبوقة تعكس تجاوزًا واضحًا للقيم والثوابت الوطنية، حاولت الكاتبة الفرنسية من أصل جزائري هدية بن ساحلي تنظيم ندوة حول كتابها: “الجزائر اليهودية.. أنا الآخر الذي أعرفه قليلاً”! هذه المحاولة، التي تم التصدي لها ومنعها، تكشف عن نية غير بريئة تهدف إلى تقديم قراءة عن التاريخ بشكل مغلوط، وربط الجزائريين بتاريخ مزيف يخالف هويتهم وثوابتهم الإسلامية.
صراحةً، لا أدري من أين يكتسب البعض شجاعتهم للإتيان بمثل هذه الشطحات في بلدٍ يمتلك تاريخًا حافلًا من التضحيات والنضال للحفاظ على هويته الدينية والوطنية؟!.. ولكن، لا شيئ يدعو للغرابة عندما نكتشف أن الكتاب الذي صدر باللغة الفرنسية عن دار النشر فرانز فانون ويتناول العادات والتقاليد اليهودية ويدافع بحماس عن الحضور اليهودي في البلاد، مدعومًا من قوى ولوبيات حاقدة تكن الضغائن للجزائر بسبب مواقفها السياسية البطولية الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للاحتلال الصهيوني، فحين نرى أن صاحبة المقدمة هي فاليري زيناتي، الكاتبة الصهيونية والجندية السابقة في جيش الاحتلال، والتي سبق أن أصدرت كتابًا بعنوان “عندما كنت جندية”، يتضح لنا جليا مدى رغبتهم الشديدة في السخرية والاستفزاز برسالة مفادها: “هاااي.. نحن هنا بينكم، ويمكننا اختراقكم ثقافيا وتاريخيا!!”.
صحيح أنه لا يمكن إنكار أن الجزائر، مثلها مثل العديد من دول العالم، احتضنت بعض اليهود المشردين، الذين لا أرض ولا تاريخ لهم سوى ما يُذكر من استفحالهم في قتل الأنبياء والرسل دون وجه حق.. لكن أن تصل قلة أنفتهم إلى حد ربط تاريخ بلدنا العظيم بكمشة من اليهود عاشوا لحظات فيه عابرة، وأن يعظم تواجدهم الهامشي بتوصيف “الجزائر باليهودية”، لهو أسمى درجات الوقاحة.. ألا يخجل اليهود المصابين بلوثة عقلية ولو لمرة واحدة من دك أنوفهم في أراضي الشعوب الحرة والسعي لسرقة تاريخهم كلما سنحت لهم الفرصة!.
إننا ندرك تمام اليقين بأن تلك الندوة ماهي إلا محاولة واضحة للأعداء بجس النبض؛ إلا أن السماح بتنظيمها خصوصا في ظل الظروف السياسية الراهنة، هو أكثر ما يثير دهشتنا.. لذلك بات هذا التساؤل ملحا: كيف يمكن لمن يدعي الانتماء إلى هذه الأرض أن يسمح لدخلاء لقطاء بالتحدث عن تاريخها وتشويه الحقائق؟ وهل من المعقول ألا ينتبه أحد لهذه الحملات الممنهجة ويترك أمرا جللا كهذا يمر مرور الكرام؟!.. لا يسعني في هذا المقام؛ سوى القول: خسئتم يا من تظنون أنكم قادرون على تقويض الأسس الثقافية والدينية التي بُنيت على تضحيات شعب عظيم، وعبثكم هذا لن يجد مكانه في مجتمع يعتز بهويته ويحميها؛ وسنقف بالمرصاد أمام كل محاولة بائسة لتشويه الوعي الجماعي وإثارة الفوضى، أو السعي لتشويش الرؤية الوطنية الصافية التي قامت عليها الدولة الجزائرية منذ استقلالها والتي صاغتها سواعد أبطالها.
إن التاريخ الجزائري هو نتاج ثمرة لنضالات طويلة، ولا يمكن مصادرة الحقائق والقبول بأن يُعتبر اليهود جزءًا من تاريخه بأي صفة كانت؛ فمنذ متى كانت الجزائر يهودية؟.. التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث، بل هو ذاكرة جماعية وجب عليكم احترامها يا من لا تاريخ لكم سوى القتل والدمار، وتستمرون بلا شرف في إلحاق أنفسكم بأوطان الآخرين وتاريخهم لشفاء حرقة قلوبكم كونكم بلا أصل ولا هوية بحثا عن الاعتراف.. لذلك ثقوا بأن شعب بلد المليون ونصف المليون يعرف تمامًا قيمة تاريخه ودينه، ولن يسمح لأي كان بالتلاعب بمقدساته أو العمل على تغيير معالم هويته؛ سنكون دوما صوتًا قويًا للدفاع عن أرضنا ونتكاتف جميعًا ضد مساعيكم البائسة لزعزعة الاستقرار وتقويض الهوية الوطنية.