148
يجب للقارئ أن يعلم أنه في هذا النوع من المعارك، أي المعارك بين الأفراد و التنظيمات، من النادر جدا أن ينتصر فيها صاحب الحق للأسف، من ينتصر فيها يجب أن يمتلك عددا من الأدوات، كالموارد المالية، معرفة القوانين و امتلاك الأدلة، و أن يلتف حوله عدد من العوامل، كالتعاطف الشعبي و ارادة سياسية تفوق قوتها قوة الجهاز المعني بالمعركة.
أغلب الناس يظنون أن المسألة بسيطة، و أن اجتثاث الفاسدين أمر سهل، و أن كل ما يتطلبه الأمر هو قرارات ادارية، و تغيير أشخاص بأشخاص أكثر كفاءة، و هو طبعا، إعتقاد خاطئ، فها نحن أمام حالة، تم فيها توقيف المسؤول الأول عن الفدرالية، لكن الممارسات الكيدية مازالت متواصلة، و ربما تكون قد تحولت أو ستتحول إلى ممارسات انتقامية أكثر حدة.
سأقوم في هذا المنشور بشرح ظاهرة الفساد الذي يعيشه أي تنظيم إداري في الجزائر بصفة عامة، ليعرف القارىء جذوره التاريخية، مدى صعوبة التعامل معه و كيفية التخفيف منه.
إن أي تنظيم/جهاز، سواء كان إداريا، سياسيا، اجتماعيا أو اقتصاديا، وجد لخدمة هدف ما محدد، و هذا هو الشأن بالنسبة للتنظيمات الجزائرية، و كان من المفترض على هذه التنظيمات أن تقوم بواجبات وظيفية، أي أنها تخدم سبب وجودها، و ذلك من خلال استغلال الموارد المتاحة لها بشكل ناجع، لتقديم مخرج، يكون هذا المخرج إما سلعة أو خدمة (و في حالة الفدرالية الجزائرية للسباحة، تعطينا أبطال، نتائج و ميداليات)، لكن و بسبب الظروف السياسية و الإجتماعية و التذبذبات الإقتصادية التي شهدتها البلاد منذ الإستقلال و حتى فترة البحبوحة المالية، لم تتمكن السلطة في توفير الموارد الكافية، التي تحتاجها هذه التنظيمات من أجل تقديم المخرجات المرجوة، و بالتالي فإن السلطة لم تمتلك شرعية المطالبة بالنتائج و تشكيل هذه التنظيمات بكيفية تكون مدفوعة بالنجاح Goals oriented من خلال الإعتماد على الكفاءات أو ما يعرف بالـ meritocracy ، و إنما كانت الأهداف منها هو الوجود و فقط، و ملأ الفراغ حفاظا على الكيان المظهري للدولة، و لهذا وضعت هذه التنظيمات في وضع البقاء Survival mode بأقل الموارد (حتى لو كانت، فهي كافية للتكسب و الثراء الفاسد لكنها ليست كافية لتأدية الأهداف الرئيسية)، و قد تم اختيار من يرأس هذه التنظيمات على أساس من يحافظ على وجودها بأقل موارد ممكنة، و تم بناء القوانين بشكل يخفف العبأ عن هؤلاء المسؤولين، و يعفي السلطة من المطالب.
و بسبب قلة الموارد، و الغطاء القانوني، وجد مسؤولو هذه الأجهزة أنفسهم، يملكون القدرة و الدافع على بناء أجهزة و ظمان بقائها بالإعتماد على الولاءات لا على الكفاءات، فالكفاءة مكلفة، و شكل كل هؤلاء شبكة تكسبات فاسدة مما هو متوفر، دون علم أو مع تجاهل السلطة.
و مع مرور الوقت أصبح موظفو هذه التنظيمات يمتلكون مصالح كبيرة و أموال ضخمة تدخل جيوبهم، و أصبحوا على استعداد لخوض الحروب، بل و محاربة أجهزة أقوى منهم في سبيل الحفاظ عليه، و هذه أخطر المراحل، حيث تشكلت هنا ثقافة عمل فاسدة، تطبع عليها كل من يعمل في هذه التنظيمات، سواء كان فاسدا أو لا، و يصبح عمل التنظيم معدا بشكل أوتوماتيكي على محاربة أعداءه، و ذلك من خلال تكييف القوانين و الإختباء خلفها.
المشكل هنا هو أنه حتى و لو تغيرت الأوضاع، و تحسنت الظروف، و حاولت السلطة الجديدة تغيير الوضع، من خلال رصد الموارد الكافية كما يحدث الآن، فإن هذه الموارد تسلك نفس مسار الموارد القديمة، فتتحول بفعل الجشع إلى جيوب و بطون الفاسدين تحت حماية القوانين القديمة.
و بما أن المسؤول عن هذه الحلقة هما ثقافة العمل و شبكة المصالح، فإن بتر أي جزء منها، حتى و لو كان المسؤول الأول عن التنظيم، فإنه يستمر في القيام بنفس الممارسات، و يستمر في التصدي للخطر الذي يجابهه و الدفاع عن نفسه بكل ضراوة، و لهذا فقد تم فصل رئيس الفدرالية الذي حاول تكسير السباح صيود مع نوع من الإستهزاء، لكن المسؤول الثاني مازال يقوم بنفس الممارسات، مع نوع الخبث و بحذر شديد، فلمن يتابع القضية، سيجد أن الأمين العام للفدرالية قادر على تقديم تبريرات مقنعة عن سبب تحويل الإقامة أربع مرات.
و لهذا، فإن تدخل السلطات في مثل هذه الحالات (المستشرية في كل مكان) صعب جدا، و لن يكون تدخلا علاجيا يقضي على المشكلة من جذورها، و إنما سيكون تدخلا يستهدف الأعراض، و كذا لإشفاء غليل الرأي العام فقط.
فإن أنجع الحلول هي الحلول التي تستهدف مصدر القوة لهؤلاء الفاسدين، ألا و هي #القوانين، حيث يجب مراجعة القوانين للتنظيمات المريضة، لخدمة 3 أغراض:
1- تحويل التنظيمات من وضع البقاء إلى وضع تحقيق الأهداف،
2- ضبط أهداف واضحة لكل تنظيم، فإذا لم يتم تحقيقها في ظرف زمني معقول، يتم ببساطة إحالة المسؤول إلى البطالة.
3- رصف المصالح الشخصية مع الصالح العام، فبما أن القضاء على الفساد غير ممكن، يمكن جعل تحقيق الصالح العام محركا لتحقيق المسؤول لمصالحه الشخصية
و هنا، عندما يستشعر المسؤول أنه مطالب بتحقيق الأهداف، فالأكيد أنه سيحاول إحاطة نفسه بأشخاص أكفاء، حيث الولاءات تصبح بلا معنى، و بهذا يمكن تغيير أداء التنظيمات، عن طريق تغيير ثقافة العمل، و استغلال المصالح الشخصية، سيتعرض الكثير من المسؤولين للطرد، لكن و مع الوقت سيجد كل منصب شخصه المناسب.
إن معركة والد السباح معركة بطولية، لكنها معركة مع الأعراض لا مع المرض نفسه، نتمنى له على كل حال أن ينتصر فيها و يعيد حق ابنه المهضوم، أما المعركة الحقيقية فيجب أن تكون على عاتق الدولة ممثلة في صناع القرار و منفذيه.