Home تعليم من الكتاب إلى الهاتف: إلى أين نحن ذاهبون؟

من الكتاب إلى الهاتف: إلى أين نحن ذاهبون؟

by Mohamed Redha Chettibi
0 comment
A+A-
Reset

raialyoum.com

بقلم : محمد إسماعيلي

قبيل سنوات كان الكِتاب هو الهاتف بين الشعوب والأمم، واليوم صار الهاتف هو الكتاب !! يكشف عورات الناس أكثر مما يسترها، ويصفي علاقات أكثر مما يعززها، ويخدش الحياء أكثر مما يوطده، يقطع الرحم بدل أن يصله، … عذرا أيتها الوسيلة (الهاتف ) الشريفة من حيث الوظيفة الفعالة والتوظيف الدنيء لقد أساء اليك ” مخاسير لخبار ” …

كان البعض منا بالأمس يحمل كتابا، يجني من خلاله ثمرات المعرفة التي كافح من أجلها الرجال، ويتفاخر بموقعه في المجتمع وذلك حق مشروع، واليوم صار البعض منا يحمل هاتفا إن لم نقل هواتفا وما يهتف من خلالها إلا بالمنكر والإعراض عن المعروف إلا من رحم ربك.

الإستخدام السليم

لكي لا يسئ البعض فهمنا، أو تُحَرَّف حروف ما نكتب الى غير معناها، وتطلق علينا أحكام القيمة كما سبق من قوم يعانون من نقص في الفهم والتدبير والإدراك، فنحن (الكاتب) لسنا ضد الهاتف باعتباره وسيلة اتصال حديثة جمعت في أحشائها المعقدة برامج (شبكات تواصل مثل : واتساب وفيسبوك وأنستغرام وإيمو ووو)، اختصرت الزمن، وقربت المسافات،  وحفظت المال، وصانت الأعراض ( مع وقف التنفيذ ) ! بل ضد الإستخدام الأعرج الأعوج المبني على تصفية الحسابات، وتشويه السمعة، والقفز على الخصوصية، وضياع الوقت بلا فائدة، وتخطي حدود المسموح به من المتعة والترفيه والتنفيس، الى المبالغة في عوالم من الملاهي التي لا فائدة في ضياع الوقت فيها أكثر من الوصفة المطلوبة (الشئ اذا زاد عن حده )…

عزلة مذمومة …

الكل في زمننا هذا أصبح يملك هاتفا ذكيا كان أم غير ذلك، ولكم أن تختاروا له الوصف المناسب، الى درجة أن الفرد أصبح جماعة وإن كان وحده !! (شئ لا يتقبله العقل ) أما الجماعة المجتمعة في فضاء واحد، فقد فقدت قوتها وصلابتها، ووحدة الطرح والتصور وإثارة المواضيع التي تعود بالنفع والفائدة، والأمثلة اليومية من هذا الواقع كثيرة جدا. لأن كل فرد من هذه الجماعة صنع لنفسه مجتمعا افتراضيا ارتكن اليه في ركن ما من فضاء يجمع أشخاصا استسلموا للعالم الآخر، لا يرون الناس إلا عبر هواتفهم  يوزعون ” اللايكات ” و ” الجيم ” بدل الإبتسامة الطبيعية في وجه أناس لا يفصلهم معهم أي حاجز ولا يضطرون الى بذل أي جهد مادي من أجل الوصول اليهم، عكس شبكات التواصل الإجتماعي التي تحتاج إلى : ( الإشتراك، التعبئة أو احتساء كأس قهوة مقابل نفحة من نفحات ” الويفي ” ) ؟؟ ..

وإذا كانت الابتسامة في مجتمعنا (الإسلامي طبعا)  تقدم بالمجان، ولها أثر ايجابي على النفس، ولا تحتاج سوى حركة بسيطة من الشفاه وتفاعل ملامح الوجه بشكل يبعث على الطمأنينة حتى وإن كان بالنفس بعضا من نائبات الدهر، فتلك هي القيمة الحقيقية للتواصل الطبيعي، الذي من المفترض أن يكون، بدل الإنسياق الجارف وراء وسائل قد تجبرنا على نسيان المجتمع الأصيل الذي نشأنا فيه، واستبدلناه بآخر افتراضي ” هلامي ” ” نكرة ” ” مبهم ” حتى صرنا في عزلة اجتماعية حقيقة !! مع كامل احترامنا للمزايا الحسنة التي جاءت بها هذه الوسائل، لكننا بالغنا في الافراط فيها أشد المبالغة.

عزلة محمودة ..

كان الواحد من قومنا فيما سلف، يمضي وقته مطأطِئ الرأس، يفك شفرة الحروف عساه أن يصل الى معلومة تحتاج الى الكشف والإيضاح، يعزز بها رصيده العلمي أو يحدث بها من هم أقل منه علما، أو يختزنها للحاجة.  وقته ثمين لا يضيع منه سوى الذي يتقرب به الى الله زلفى، وما عدا ذلك فالكتاب أنيس وحشته ورفيق وحدته …

في البيئة التي ترعرعنا فيها، كان من يملك كتابا يعد عالما جليلا، تنحر له الجزر وتقدم له الهدايا، ويُسْتَأْنَسُ بلقائه، وتحسب الدقائق في حضرته ساعات، وتبقى أحاديثه في طيات الذاكرة وثنايا العقل، ويقدر أيما تقدير ..

الكتاب : أكلت يوم أكل الثور الأبيض …

ما نعيشه اليوم من استقبال للآلاف من المعلومات، نتيجة تعرضنا لوسائل الاتصال المختلفة، تجعل القراءة الورقية على محك الاندثار، فالمعلومة أصبحت متاحة بعد أن كانت صعبة المنال، تشد لها الرحال ويبذل لها الكثير من المال، وتحتاج وقتا طويلا، أما اليوم فمبجرد ربط الإتصال بالشبكة العنكبوتية حتى تتوصل بملايين المعلومات بمختلف اللغات، وتبقى مسألة ملاءمة هذه المعلومات للبيئة والمعتقد  وطبيعة المتلقي رهينة بالمزيد من البحث والتحري وتقصي حقيقة المادة المستقبلة، وهنا تختلف درجة المتلقين حسب انتماءاتهم العقدية والأيديولوجية ..

مجتمع القراءة .. العملة الصعبة

يقاس تقدم الشعوب والأمم  بما حققته من خطوات علمية وعملية، وارتقاؤها في سلم الأخلاق الحميدة، وإذا كانت أمة ” إقرأ ” تمتلك في مخزونها وبين طيات كتبها التاريخية (التي أخرجت من خلالها أناسا من ظلمة الجهل الى نور العلم) رصيدا معرفيا ومادة علمية وأساسا سليما تستمد مادتها من البعد الرباني، فإن هذه الأمة لم تستغل تراثها اللامادي كله،  وبقي حبيسا في رفوف المكتبات النادرة الخاوية على عروشها في مقابل انتشار المقاهي في كل زقاق وشارع المكتظة بالناس، واتخذت من الأمية ملجأ لها، ومن الاستيراد عملية أفرزت حالة من التخلف الفكري، وعطلت العقل العربي وكدست مزيدا من الغبار على الذاكرة التي تعرضت للتآكل بسبب التعرض لوسائل التكنولوجيا الحديثة والاعتماد عليها بشكل دائم وكبير !!

اذا كنا اليوم نعيش في مجتمع صار فيه الصبي يعاني آفة النسيان، والشيخ الوقور يكافح شيخوخة الذاكرة، والكل انصرف عن عالم القراءة الورقية اتجاه ” الهاتف الذكي ” أو ” جهاز التلفزيون ” الذين سبب لنا كثرة استخدامها ضعف الذاكرة، واغتال حب القراءة الذي كان لدى البعض من جمهور المحافظين ممن يدفعهم عشق الحروف الى قراءة الجريدة التي نستخدمها للف ورقات ” النعناع ” و” البقدونس ” !! وهو ما يبرز كيف نسخر من أنفسنا بأنفسنا وكيف نبرر استخدام الوسائل التي تجعلنا أضحوكة أمام العالم ؟؟

القرآن الكريم … للكعبة رب يحميها ..

هجرنا الكتب وهاجرنا بعيدا عن عالم الورق اتجاه العالم الرقمي، وصار كل شيئا بين أيدنا عبارة عن أرقام ولوحات رقمية نلوح لها بأصابعنا  فتتفاعل معنا مع وجود بعض الإستغراب في ذواتنا !! لكن في حقيقة الأمر المر أن هذا التطور الذي وصلنا ولم نصل إليه لا يعبر عن واقعنا المعيش وحقيقة مستوياتنا الفكرية والثقافية، حتى أصبحنا نعتمد على العالم الرقمي في كل شئ، في تقصي الأحداث ونقل المعلومات وحفظ الذاكرة، حتى تآكلت هذه المسكينة، وبقيت روايات جدتي وأمجاد جدي عرضة للضياع والنسيان و للتحريف والتزييف، بل الطامة الكبرى أننا أصبحنا نعتمد على العالم الرقمي لكي يحفظ عنا القرآن الكريم، وندعي أنه يحفظه لنا، بعد أن أقررنا بالفشل في القدرة على حفظه فلله الحمد القائل في محكم التنزيل ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون “.

دعوة للعود على بدء أو المصالحة مع الورق

إن الذين سجلوا الخروج من عالم الورق، وقرروا فتح حسابات شخصية في العالم الرقمي ـ رغم كوني واحد منهم ـ آن الأوان لهم المصالحة مع الورق وإعادة المياه الى مجاريها بعد فتور العلاقة واتسامها بالبرودة في الآونة البعيدة !

سادتي، بدل أن نقضي أوقاتا نتصفح هواتفنا الذكية، في زمن أصبح كل شئ فيه ذكي، رغم تراجع أدائنا الفكري والثقافي، ينبغي علينا أن نعيد العلاقة التي كانت تربطنا بالورق، واستنشاق تلك الرائحة التي لها نكهتها الخاصة  لن نجد لها مثيلا  في الفضاء الرقمي مهما أضفنا اليه من التوابل !!.

إن الذين يقضون معظم أوقاتهم يتصفحون الهواتف الذكية، مدعوون الى تصفح صفيحات من كتيب ! نال منه الغبار وأنهكته الرطوبة، فمن لم يستطع الى ذلك سبيلا أو كان به أذى من الكتابة فعليه بالرجوع الى ” كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَاُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ اَضَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْاَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْاَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ اِذْ سَمِعَتْهُ اَنْ قَالُوا اِنَّا سَمِعْنَا قُرْانًا عَجَبًا هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ اُجِرَ وَمَنْ دَعَا اِلَيْهِ هُدِيَ اِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “.

رفعت الأقلام وجفت الصحف

You may also like

Leave a Comment

روابط سريعة

من نحن

فريق من المتطوعين تحت إشراف HOPE JZR مؤسس الموقع ، مدفوعا بالرغبة في زرع الأمل من خلال اقتراح حلول فعالة للمشاكل القائمة من خلال مساهماتكم في مختلف القطاعات من أجل التقارب جميعا نحو جزائر جديدة ، جزائرية جزائرية ، تعددية وفخورة بتنوعها الثقافي. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة القائمة «الجزائر الجزائرية»

من نحن

جمع Hope JZR ، مؤسس الموقع ومالك قناة YouTube التي تحمل نفس الاسم ، حول مشروعه فريقا من المتطوعين من الأراضي الوطنية والشتات مع ملفات تعريف متنوعة بقدر ما هي متنوعة ، دائرة من الوطنيين التي تحمل فقط ، لك وحماسك للتوسع. في الواقع، ندعوكم، أيها المواطنون ذوو العقلية الإيجابية والبناءة، للانضمام إلينا، من خلال مساهماتكم، في مغامرة الدفاع عن الجزائر الجديدة هذه وبنائها.

ما الذي نفعله

نحن نعمل بشكل مستمر ودقيق لتزويد الجمهور بمعلومات موثوقة وموضوعية وإيجابية بشكل بارز.

مخلصين لعقيدة المؤسس المتمثلة في “زرع الأمل” ، فإن طموحنا هو خلق ديناميكية متحمسة (دون صب في النشوة) ، وتوحيد الكفاءات في خدمة وطنهم. إن إصداراتنا كما ستلاحظون ستسلط الضوء دائما على الأداء الإيجابي والإنجازات في مختلف المجالات، كما تعكس منتقدينا كلما رأينا مشاكل تؤثر على حياة مواطنينا، أو تقدم حلولا مناسبة أو تدعو نخبنا للمساعدة في حلها. 

مهمتنا

هدفنا الفريد هو جعل هذه المنصة الأولى في الجزائر التي تكرس حصريا للمعلومات الإيجابية التي تزرع الأمل بين شبابنا وتغريهم بالمشاركة في تنمية بلدنا.

إن بناء هذه الجزائر الجديدة التي نحلم بها والتي نطمح إليها سيكون عملا جماعيا لكل المواطنين الغيورين من عظمة أمتهم وتأثيرها.

ستكون الضامن للحفاظ على استقلالها وسيادتها وستحترم إرث وتضحيات شهدائنا الباسلة.

© 2023 – Jazair Hope. All Rights Reserved. 

Contact Us At : info@jazairhope.org