تسلط المقارنة بين هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955 في الجزائر وتلك التي حدثت في 7 أكتوبر 2023 في غزة الضوء على ديناميكيات مشابهة في نضال الشعوب من أجل الاستقلال في مواجهة القوى الاستعمارية أو الاحتلال. في الجزائر كما في فلسطين، أدت هذه الأحداث إلى جذب انتباه دولي، وتغيير تصور الصراع، وأثارت ردود فعل متنوعة على مستوى الرأي العام وكذلك على مستوى الهيئات الدولية. يستكشف هذا المقال هذه التشابهات من زوايا متعددة: تدويل الصراع، تغير تصور إسرائيل في العالم، الدعاية لحركات المقاومة الفلسطينية، الضغوط التي تمارسها الهيئات الدولية على إسرائيل، وتورط الشباب في العالم، خاصة في الجامعات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. سنختتم بالتأكيد على الأمل في استقلال فلسطين، على ضوء التجربة الجزائرية.
تدويل الصراع
يُعد تدويل الصراع ظاهرة حاسمة في أي نضال من أجل التحرر الوطني. شكلت هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955 في الجزائر نقطة تحول في الطريقة التي كان يُنظر بها إلى حرب الاستقلال على المستوى الدولي. قبل هذا التاريخ، كان الصراع الجزائري مُهمَلاً إلى حد كبير أو مُقللاً من شأنه من قِبَل المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن هذه الهجمات المنسقة ضد القوات الاستعمارية والقمع الهائل الذي تلاها أجبر العالم على الاعتراف بالوضع في الجزائر. جذبت المجازر التي ارتكبتها الجيش الفرنسي وإصرار مقاتلي جبهة التحرير الوطني انتباه وسائل الإعلام العالمية، مما جذب الانتباه إلى المطالب المشروعة للشعب الجزائري من أجل الاستقلال.
وبطريقة مماثلة، أدى أحداث 7 أكتوبر 2023 في غزة إلى تدويل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني بشكل غير مسبوق. العنف الشديد الذي ميز هذا اليوم، مع الهجمات الضخمة للجماعات الفلسطينية ورد إسرائيل غير المتكافئ، تم تغطيته بشكل واسع من قبل وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم. هذه التغطية دفعت العديد من الدول والمنظمات الدولية إلى إعادة النظر في القضية الفلسطينية، غالبًا ما كانت تنتقد الاحتلال الإسرائيلي وتدعو إلى حلول عادلة للفلسطينيين.
تغير تصور إسرائيل
كما أثرت هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955 بشكل عميق على تصور فرنسا، ليس فقط في الجزائر ولكن في جميع أنحاء العالم. بدأ القمع الدموي الذي تلا هذه الانتفاضات يشوه صورة فرنسا كقوة استعمارية “رؤوفة”. تم اعتبار مجزرة المدنيين انتهاكًا لحقوق الإنسان، ولعبت هذه الصورة السلبية دورًا في إضعاف الدعم الدولي للوجود الفرنسي في الجزائر.
التوازي مع إسرائيل لافت للنظر. أدت أحداث 7 أكتوبر 2023 إلى تغيير كبير في الطريقة التي يُنظر بها إلى دولة إسرائيل على الساحة الدولية. بينما كانت إسرائيل تتمتع منذ فترة طويلة بدعم شبه غير مشروط من القوى الغربية، بدأت الإجراءات القمعية التي اتخذتها الدولة العبرية ضد المدنيين الفلسطينيين تثير انتقادات متزايدة. كشفت التقارير حول قصف المناطق المدنية، والحصار، والقيود الشديدة المفروضة على الفلسطينيين عن تصور جديد لإسرائيل كدولة معتدية، بدلاً من كونها ضحية للعنف.
هذا التغيير في التصور أصبح واضحًا بشكل خاص في وسائل الإعلام والدوائر الدبلوماسية في أوروبا وفي بعض شرائح المجتمع الأمريكي. يتزايد انتقاد إسرائيل لسياستها الاستيطانية والاحتلال، ولمعاملتها للفلسطينيين، مما يذكرنا بالطريقة التي تم بها تهميش فرنسا تدريجيًا على المستوى الدولي بسبب تصرفاتها في الجزائر.
القمع والضحايا في كلا الصراعين
أحد أوجه التشابه الأكثر مأساوية بين أحداث شمال قسنطينة في 1955 وتلك التي وقعت في غزة في 2023 هو الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون. بعد هجمات 20 أغسطس 1955، كان القمع الذي قاده الجيش الفرنسي وحشيًا للغاية. في محاولة للانتقام، قامت القوات الاستعمارية بتنفيذ مجازر جماعية ضد السكان المدنيين الجزائريين. تتباين التقديرات، ولكن من المسلم به أن الآلاف من المدنيين الجزائريين قُتلوا في الأسابيع التي تلت هجمات جبهة التحرير الوطني. تم توثيق هذه المجازر على نطاق واسع، وأثارت صدمة كبيرة ساعدت في تغيير التصور الدولي للصراع في الجزائر.
وبطريقة مشابهة، كانت الاستجابة الإسرائيلية للهجمات الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 تتسم بقمع شديد، مع قصف مكثف على غزة وإجراءات عسكرية أدت إلى مقتل العديد من المدنيين الفلسطينيين. أثارت التقارير عن الضحايا المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، انتقادات دولية وزادت من حدة النقاش حول شرعية الأعمال الإسرائيلية. انتشرت الصور والروايات عن هذه الخسائر البشرية بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما زاد من حدة الغضب العالمي وعزز التعاطف مع القضية الفلسطينية.
في كلا الحالتين، كان للقمع العنيف الذي مارسته القوة المهيمنة تأثيرات عكسية على الأهداف المرجوة. بدلًا من كسر إرادة المقاومة، عززت هذه الأعمال العنيفة الدعم لقضية الاستقلال، سواء داخل الشعوب المعنية أو على الساحة الدولية. في الجزائر، عززت مجازر 1955 عزم جبهة التحرير الوطني وزادت من التعبئة الدولية ضد الاستعمار الفرنسي. في غزة، أثارت الإجراءات الإسرائيلية موجة من التضامن العالمي مع الفلسطينيين، مما زاد من الضغط على إسرائيل لتغيير سياستها.
الدعاية لحركات المقاومة الفلسطينية
تمامًا كما استخدمت جبهة التحرير الوطني في الجزائر هجمات شمال قسنطينة في 1955 لتعزيز الدعم لقضية الاستقلال، استخدمت حركات المقاومة الفلسطينية أحداث 7 أكتوبر 2023 لتعزيز دعايتها. عرضت جماعات مثل حماس أعمالها ليس كأفعال إرهابية، بل كجهود تحرير ضد محتل ظالم.
استغلت الدعاية للمقاومة الفلسطينية صور الدمار والمعاناة التي سببتها الجيش الإسرائيلي لجذب التعاطف الدولي. وجدت هذه الاستراتيجية صدى خاص في بلدان الجنوب العالمي، حيث لا تزال النضالات المناهضة للاستعمار حديثة في الذاكرة الجماعية. في الواقع، غالبًا ما يُنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها آخر حركة مناهضة للاستعمار الكبرى، مما يجعلها قوية بشكل خاص من الناحية الرمزية.
الضغوط التي تمارسها الهيئات الدولية على إسرائيل
استجابةً لتدويل الصراع والتغيير في تصور إسرائيل، بدأت الضغوط على هذه الدولة تتزايد، وإن كان ذلك لا يزال غير كافٍ وفقًا للعديد من المراقبين. بعد هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955، بدأت فرنسا تواجه معارضة متزايدة من قبل الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى. في النهاية، لعبت الضغوط الدبلوماسية دورًا في استقلال الجزائر في 1962.
بالنسبة لإسرائيل، قد تكون أحداث 7 أكتوبر 2023 نقطة تحول مماثلة. رغم أن الولايات المتحدة تواصل دعم إسرائيل، بما في ذلك في المحافل الدولية، هناك إشارات على أن صبر بعض الحلفاء التقليديين بدأ ينفد. تزداد الدعوات إلى وقف إطلاق النار، والانتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان، ومحاولات المقاطعة الاقتصادية. غالبًا ما تواجه قرارات الأمم المتحدة التي تنتقد إسرائيل فيتو أمريكيًا، لكن الضغوط تتزايد نحو نهج أكثر توازنًا.
تتزايد الضغوط من قبل الهيئات الدولية، بما في ذلك بعض وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية واحترام القرارات الدولية المتعلقة بحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
مشاركة الشباب وحركات الطلاب
جانب حاسم من النضال من أجل الاستقلال، سواء في الجزائر أو في فلسطين، هو دور الشباب والحركات الطلابية. في الجزائر، كانت الشبابية هي المحرك الرئيسي للحركة الاستقلالية، خاصة بعد هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955. شارك الشباب بنشاط في المظاهرات، والأعمال المسلحة، ونشر الدعاية لجبهة التحرير الوطني.
اليوم، في حالة فلسطين، نرى تعبئة مماثلة للشباب، ليس فقط في فلسطين بل في جميع أنحاء العالم. أصبحت الجامعات والحرم الجامعي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، أماكن للنقاش الحاد حول القضية الفلسطينية. أظهرت استطلاعات حديثة، مثل تلك التي أجرتها Harvard Harris، تغيرًا كبيرًا في رأي الشباب الأمريكيين. على عكس الأجيال السابقة، يرى المزيد والمزيد من الشباب أن القضية الفلسطينية تحت ضوء إيجابي ويعتبرون أفعال إسرائيل غير مقبولة.
يستخدم هؤلاء الشباب وسائل التواصل الاجتماعي لتوعية العالم بالقضية الفلسطينية، غالبًا ما يتجاوزون وسائل الإعلام التقليدية التي تُعتبر منحازة لصالح إسرائيل. مثال بارز على هذه الديناميكية هو حظر TikTok في الولايات المتحدة، والذي كان مبررًا جزئيًا بسبب المخاوف بشأن نشر المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية من قبل الشباب. أصبحت TikTok، التي تُستخدم بشكل واسع بين الشباب، منصة لانتشار المحتوى المؤيد للفلسطينيين، مما أثار قلق بعض الدوائر السياسية في أمريكا. هذا يدل على مدى أهمية دور الشباب في نشر الأفكار وتشكيل الرأي العام حول القضية الفلسطينية.
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) وجدت صدى قويًا بشكل خاص بين الشباب، الذين يرون فيها وسيلة سلمية ولكن فعالة للضغط على إسرائيل.
الأمل لفلسطين مستقلة
يمثل مثال الجزائر، التي كافحت لمدة 132 عامًا من أجل استقلالها، مصدر أمل للفلسطينيين. على الرغم من أن نضالهم قد استمر لأقل من 80 عامًا، فإن التغيرات في السياق الدولي، والدعم المتزايد للشباب في جميع أنحاء العالم، وزيادة الوعي بالظلم الذي يعاني منه الفلسطينيون قد تكون مقدمة لتطورات إيجابية.
من المهم أن نتذكر أن تحرير الجزائر لم يكن فقط نتيجة للنضال المسلح، بل كان أيضًا بسبب الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والدعم الدولي. وبالمثل، بالنسبة لفلسطين، ستكون هذه العناصر حاسمة في السنوات القادمة. يلعب الشباب، بشكل خاص، دورًا حيويًا في هذه العملية. إن التزامهم، وقدرتهم على تحفيز الرأي العام العالمي واستخدام التكنولوجيا الحديثة لإيصال صوتهم، هي من الأصول الرئيسية في هذا النضال من أجل الاستقلال.
الخلاصة
في الختام، تُظهر المقارنات بين هجمات شمال قسنطينة في 20 أغسطس 1955 في الجزائر وأحداث 7 أكتوبر 2023 في غزة أن الديناميكيات في النضال من أجل الاستقلال تحمل تشابهات ملحوظة رغم اختلاف السياقات. إن تدويل الصراع، وتغير التصور للسلطة المحتلة، والقمع العنيف ضد المدنيين، والدعاية لحركات المقاومة، والضغوط من الهيئات الدولية، وتورط الشباب، هي عناصر رئيسية قد تؤثر على نتيجة الصراع الفلسطيني.
يظهر المثال الجزائري أن حتى أصعب وأطول النضالات قد تؤدي في النهاية إلى الاستقلال. بالنسبة للفلسطينيين، هناك أمل مشروع أنه على الرغم من التحديات الحالية، فإن نضالهم سينتهي بإنشاء دولة مستقلة، ذات سيادة، ومعترف بها على الساحة الدولية. الدعم المتزايد من الشباب في جميع أنحاء العالم وتطور التصورات الدولية يمثلان علامات واعدة على أن القضية الفلسطينية يمكن أن تنتصر يومًا ما.
Hope & ChaDia