قال مركز كارنيغي للشرق الأوسط إن التوجه الحكومي الجزائري لتوسيع تعليم اللغة الإنكليزية في المدراس، رغم طبيعته التعليمية، يعد أحدث حلقة في صراع وطني طويل بشأن السياسية اللغوية في البلاد.
وشهر مايو الماضي، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون قرارا بتدريس الإنكليزية في السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية، فيما يواصل وزير التعليم العالي الجزائري توجيهاته لاعتماد التدريس بالإنكليزية في الجامعات بدءا من سبتمبر المقبل.
والعام الماضي، صرح تبون لوسائل إعلام جزائرية أن “الفرنسية غنيمة حرب”، فيما وصف الإنكليزية بأنها “لغة العالم”.
ويشير التقرير إلى أنه بعد استقلال البلاد عن فرنسا في 1962، بدأ صراع بين تيار داعم للفرنسية وآخر يدعم اللغة العربية بوصفها حاضنة الهوية الوطنية. وظل هذا الصراع قائما إلى اليوم، حسب الظروف السياسية وتوجهات قيادة البلاد.
وفي منتصف السبعينيات، ضغط التيار الداعم للفرنسية ونجح في منع تعريب الفروع العلمية في الجامعة، وفي مطلع التسعينيات، أجهض مشروع آخر يمنح للتلاميذ حق االاختيار بين الفرنسية أو الإنكليزية كلغة ثانية في المرحلة الابتدائية، على أن تدرس اللغتين في المرحلة الاعدادية.
ويشير التقرير إلى أن الأصوات المعارضة لذلك تعالت فأجهض المشروع وأزيحت الإنكليزية من المرحلة الابتدائية.
صراع مستمر
ويتواصل الصراع حاليا في ظل جهود الحكومة لتوسيع تعليم الإنكليزية، ويقول التقرير إن الصراع يعكس تباعدا أيديولوجيا بين الفئتين ويعكس أيضا خشيتهما من فقدان النفوذ في المجتمع وفي السلطة. “فإن تغلبت اللغة الإنجليزية شيئا فشيئا في المدرسة على اللغة الفرنسية فإن سطوة التيار المفرنس في المجتمع والإدارة ستضعف، سيما أن هناك توجها لدى الشباب والطلاب نحو اللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية”.
ويرى التقرير أن قضية اللغة تحمل طابعا تربويا، إلا أنها تتأثر كذلك بالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجزائر وفرنسا، ويرتبط ذلك بالسياسة العامة للجزائر سواء باستخدام اللغة الفرنسية في المدرسة والجامعة والإدارة، ومتى تميل الكفة إلى اللغة الإنكليزية أو التعريب.
ويخلص التقرير إلى أن الحل في الجزائر يمكن في إيلاء العربية الأهمية التي تستحقها كلغة وطنية ورسمية، وإيلاء الإنكليزية أهمية أكبر في مختلف مراحل التعليم، دون التفريط في اللغة الفرنسية التي ترتبط الجزائر بها ارتباطا تاريخيا.
ويرى الإعلامي الجزائري، حكيم بوغرارة، إن التيار الداعم للفرنسية كبير بحكم ظروف تاريخية وسيطرة لوبيات ثقافية.
توجه حكومي نحو الإنكليزية
ويقول بوغرارة في حديث لموقع “الحرة” إن التفتح على الإنكليزية حتمية فرضتها التحولات العلمية، ولكن مازال هناك تجاذبات بشأن التدريس بالانجليزية لبعض المواد أو تدريسها كمادة، “فالأمر يعتبر مشروع بصدد التجسيد”، بحسب تعبيره.
ويقر بوغرارة أن هناك من يدعو للانتقام من الإرث الاستعماري الفرنسي ومن اللغة الفرنسية بنشر الإنكليزية، و”هذا في تقديري خطأ جسيم”، مشيرا إلى أن “اللغة الفرنسية لا يمكن إغفال انتشارها في الجزائر والبعض يعتبرها امتيازا وأداة للترقية السياسية والاجتماعية..ولكن الإنكليزية فرضت نفسها، ونشرها في الجزائر عبر المؤسسات التعلمية ومراكز البحث والجامعات هو مواكبة لتحولات عالمية”.
وفي تحليل سابق، قالت مجلة “بولتيكو” إن انتقال الجزائر إلى اللغة الإنكليزية يشير إلى تآكل نفوذ فرنسا، مشيرة إلى أنه كان لافتا خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة العام الماضي إلى الجزائر ظهور لافتة كتب عليها “الرئاسة الجزائرية” باللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية.
وأشارت المجلة إلى أن ذلك أحدث إشارة إلى أن الحكومة تريد التخلص التدريجي من الفرنسية كواحدة من لغات العمل الرسمية الجزائرية.
ومع ما يقرب من 15 مليون ناطق بالفرنسية وفقا للمنظمة الدولية للغة الفرنسية ، تعد الجزائر ثالث أكبر دولة ناطقة بالفرنسية في العالم ، بعد فرنسا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وبالنسبة لفرنسا، فإن “خسارة الجزائر” ستشكل تأثيرا كبيرا على مجال نفوذها، وهو مصدر قلق دائم للسياسيين الفرنسيين.