هؤلاء هم المستفيدون من بطاقة المقاول الذاتي

أجمع خبراء في الرقمنة والاقتصاد أن مبادرة المقاول الذاتي، التي دخلت حيز التطبيق، تعتبر الأكثر مرونة وعصرنة في استقطاب شريحة واسعة من أصحاب الأعمال الحرة والمبدعين في شتى المجالات، وإدخالهم تحت حماية القانون، وتمكينهم من الاستفادة من تحفيزات وتسهيلات لتطوير نشاطهم وإنشاء مؤسسات، وهذا ما يساهم حسبهم في تأطير الأفكار والمبادرات وتحويل الفرد إلى خلية لبناء الاقتصاد الوطني..
شهدت عملية التسجيلات الخاصة ببطاقة المقاول الذاتي التي انطلقت في 20 جانفي الجاري، إقبالا معتبرا من طرف المواطنين من مختلف الشرائح والأعمار، الراغبين في تأطير نشاطاتهم والحصول على تحفيزات اجتماعية وضريبية ومالية، تتيح لهم تنمية نشاطاتهم وإبراز مواهبهم في 1300 تخصص يدخل ضمن سبعة مجالات رئيسية، وهي الاستشارة والخبرة والتكوين والخدمات الرقمية والخدمات المنزلية والخدمات الموجهة للأشخاص وخدمات الترفيه والتسلية والخدمات الموجهة للمؤسسات والخدمات الثقافية والاتصال والسمعي البصري.

عملية رقمية بنسبة 100 بالمائة
الشروق دخلت المنصة الخاصة بالتسجيلات على موقع الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي، “www.anae.dz” وقامت بعملية محاكاة للإطلاع على واقع عملية التسجيل التي كانت سهلة ومختصرة ورقمية بنسبة 100 بالمائة، لا يحتاج فيها المعني إلا لبطاقة التعريف البيومترية، حيث يقوم في البداية بالتسجيل عن طريق بريده الإلكتروني ووضع رمز شخصي للدخول، وبعدها يختار النشاط الذي يستهويه من بين 1300 تخصص في مختلف المجالات، ثم يقوم بملء استمارة رقمية تتعلق بمعلوماته الشخصية، وبعدها تتم معالجة طلب التسجيل في السجل الوطني في أجل أقصاه ثلاثة أيام، ابتداء من تاريخ الإيداع، ويتم إخطار مقدم الطلب إلكترونيا بقبول طلب تسجيله في السجل الوطني أو رفضه، كما يتسلم صاحب الطلب، بعد قبول تسجيله في السجل الـوطني، بطاقـة مقاول ذاتي تحمل رقم تسجيل وطني وحيد في السجل الوطني، من قبل الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي، كما يمكن للمقاول الذاتي أن يتحصل على مستخرج من السجل الوطني خاص به يتم تحميله إلكترونيا.
وأدرج المرسوم التنفيذي المحدّد لقائمة النشاطات المؤهّلة للاستفادة من القانون الأساسي للمقاول الذاتي، كيفيات التسجيل في السجل الوطني للمقاول الذاتي، وهو متاح لكل شخص طبيعي تستوفى فيه الشروط، وهي بلوغ السن القانونية للعمل، الجنسية الجزائرية، أن يكون مقيما بالجزائر أو أجنبيا مقيما، وفقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، أن يمارس نشاطا مدرجا ضمن قائمة النشاطات المؤهلة للاستفادة من القانون الأساسي للمقاول الذاتي، كما يتم التسجيل في السجل الوطني بإيداع طلب لدى الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي، أو عن طريق المنصة الرقمية المنشأة لهذا الغرض، مرفقا بملف إداري واستمارة معلومات.

الحصول على بطاقة الشفاء والتعريف الضريبي
بعد الحصول على بطاقة المقاول الذاتي، هناك خطوات تلي هذه العملية يجب على المستفيد معرفتها، وهي انتظار الإشعار الذي يؤكد جاهزية بطاقة الشفاء الخاصة بالمستفيد، لاستلامها من أقرب مكتب للصندوق الاجتماعي لغير الأجراء، وتلقي اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بصاحب البطاقة للولوج إلى منصة “ضمانكم” التي ستمكنه من دفع مستحقات الاشتراك في الضمان الاجتماعي عبر الإنترنت، وبعدها يتم إنشاء رقم التعريف الضريبي (NIF) الخاص بالمستفيد يتم إعلامه به في فضائه الشخصي في منصة المقاول الذاتي، بعد ذلك يقوم بالمصادقة عليه في المصلحة الضريبية المحددة.

هذه امتيازت بطاقة المقاول الذاتي
يستفيد المقاول الذاتي من الامتيازات بحصوله على صفة المقاول الذاتي، والإعفاء من إلزام القيد في السجل التجاري والإعفاء من إلزامية توفير محل لممارسة النشاط، بالإضافة الى نظام ضريبي تفضيلي، حيث يخضع للنظام الضريبي الجزافي الوحيد بنسبة 0.5 بالمائة من رقم أعماله، فضلا عن التغطية الاجتماعية. ونجد من بين المزايا أيضا فتح حساب بنكي تجاري، إضافة إلى مسك محاسبة مبسطة على سجل مرقم ومؤشر عليه من قبل مصالح الضرائب المختصة إقليميا، تقيد فيه الإيرادات والنفقات المتعلقة بالنشاط، والحصول على فوترة بدون رسوم على القيمة المضافة لفائدة الحاصلين على هذه الصفة، ناهيك عن الامتيازات التي يمنحها الضمان الاجتماعي للمقاولين الذاتيين عبر وكالات “كازنوس”، ولاسيما إمكانية الحصول على الاشتراك الأدنى المقدر بـ24000 دج للسنة فضلا عن الحق في التقاعد.
ويقصد بالمقاول الذاتي كل شخص طبيعي يمارس بصفة فردية نشاطا مربحا يندرج ضمن قائمة النشاطات المؤهلة للاستفادة من القانون الأساسي للمقاول الذاتي ولا يتعدى رقم أعماله السنوي 5 ملايين دج، وفي حالة تجاوز رقم أعماله لهذا السقف لمدة ثلاث سنوات متتابعة، ترفع عن الشخص صفة المقاول الذاتي، تستثنى من قائمة النشاطات المهن الحرة على غرار الطبيب والمحامي والنشاطات المقننة مثل المحاسب المعتمد والنشاطات الحرفية كحلاقة الشعر.

متنفس للمهنيين وفرصة لتطوير النشاط
وفرت الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي 1300 نشاط ، أغلبها خاص بممتهني نشاطات التركيب والصيانة، والذين يمكنهم تطوير هذه النشاطات الفردية وتحويلها إلى مؤسسات قائمة بذاتها، على غرار المهن الخاصة بالصيانة والتركيب، تركيب وصيانة أجهزة التدفئة الصناعية، التركيب والصيانة في التبريد، تكييف الهواء، تركيب وصيانة شبكة الاتصالات والتيارات المنخفضة، التركيب والصيانة الإلكترونية، تركيب وصيانة التجهيزات الصناعية، تركيب وصيانة الموزعين الآليين، تشغيل معدات قطع المعادن، تركيب وصيانة المصاعد، إنجاز وتركيب الأنابيب، قيادة تجهيزات الصناعة الميكانيكية، صنع قوالب صهر المعادن، إنجاز الهياكل المعدنية، قيادة تجهيزات إنتاج المعادن بالحرارة، تعديل، تركيب، وتصنيع المنتجات الميكانيكية، التوصيل الكهربائي والكهروميكانيكي بالأسلاك، تصميم ورسم المنتجات الميكانيكية..

استقطاب لصناع المحتوى والناشطين في الخدمات الرقمية
وسيكون لصناع المحتوى والمؤثرين والناشطين في تقديم الخدمات الرقمية لأول مرة، متنفس قانوني لتأطير نشاطاتهم والحصول على بطاقة الشفاء ورقم وطني يمكنهم من تطوير مواهبهم وخدمة المجتمع، حيث تتوفر الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي على المئات من النشاطات التي تقوم بها هذه الشريحة، على غرار، صانع محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، مصمم واجهة المستخدم بالذكاء الاصطناعي، مُتخصّص في التحسين الطبيعي لمحركات البحث، متخصص في التسويق عبر البريد الإلكتروني، متخصص في التسويق على وسائل التواصل، متخصص في الإعلان عبر الإنترنت، مصمم ثلاثي الأبعاد، مصمم المنتجات الرقمية، مدير مشروع رقمي، مسير محتوى عبر الإنترنيت، محلل الأمن السيبراني، باحث في الذكاء الاصطناعي، مطور مواقع التجارة الإلكترونية، مدير الحملة الإعلانية للتجارة الإلكترونية..

تأطير مئات النشاطات المنزلية والاجتماعية
توفر بطاقة المقاول الذاتي تأطير مئات النشاطات المنزلية لمختلف الشرائح والأعمار والتي كان أغلبها يقام بطريقة غير شرعية، على غرار معلمي الدروس الخصوصية، الناقلين غير الشرعيين “فرود”، مربيات الأطفال والناشطين في توصيل الوجبات المنزلية وغيرها من النشاطات، التي يمكن اليوم تأطيرها وإضفاء الشرعية القانونية عليها، حيث تضمنت الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي هذه النشاطات على غرار مساعدة الوالدين، مختصة في رعاية الأطفال، رعاية الأطفال المشتركة، رعاية الأطفال المرضى، ممرضة منزلية، مرافقة لكبار السن، مساعد منزلي، مرافق، أخصائي في العلاج الوظيفي، طباخ منزلي، أخصائي في العلاج الطبيعي، شَيف منزلي، توصيل الوجبات إلى المنزل، مدرس خصوصي، سائق للأفراد، مساعدة في التسويق، بستاني، مدرب رياضي، منسق حدائق، مساعد في المواعيد الطبية، مساعد في التسويق..

تشجيع الإبداع الإعلامي والثقافي والسينمائي
وعلى غرار تشجيع النشاطات المهنية والرقمية والمنزلية، تضمنت الوكالة الوطنية للمقاول الذاتي تشجع الناشطين في مختلف المجالات الإعلامية والثقافة والسينيمائية والأدبية، للانخراط في بطاقة المقاول الذاتي وتأطير نشاطاتهم والاستفادة من مختلف المزايا الضريبية والاجتماعية والمالية لتطوير مهاراتهم، حيث تضمنت الوكالة النشاطات التالية على سبيل المثال لا الحصر: مؤلف أعمال درامية، مؤلف أعمال موسيقية، كاتب أدبي، مؤلف قصص هزلية، شاعر، مدير الأوركسترا، مساعد إنتاج سمعي بصري، مكلف بإدارة المسرح، منتج سنيمائي، مدير تقني سمعي بصري، منتج موسيقي، منتج إذاعي، منتج تلفزيوني، عازف البوق، عازف الكمان، ممثل، مهرج، منشط تلفزيني، مذيع راديو، منشط إذاعي، مذيع معلق، منشط الجمهور في قاعة، مقدم فقرات تلفزيونية وإذاعية، مصور روبورتاجات..

فرصة لتأطير النشاطات الرقمية وتشجيع الفوترة
أكد الخبير في التكنولوجيا الرقمية والمستشار في المؤسسات الناشئة، يزيد أقدال، أن مبادرة المقاول الذكي هي ثورة حقيقية في رقمنة الإدارة الجزائرية، حيث تمكن المستفيد من الحصول على بطاقة المقاول الذاتي، في ظرف 30 دقيقة فقط، ولا تحتاج العملية لأي ورقة، بالإضافة إلى التنسيق البياني الافتراضي بين عدة قطاعات وزارية على غرار الضمان الاجتماعي والضرائب والعمل والوكالة الوطنية للمقاول الذاتي لإنجاح هذه المبادرة التي تعتبر حسبه سابقة في تاريخ الجزائر من جيل الامتيازات والتسهيلات والعصرنة.
وأضاف أقدال في تصريح للشروق، أن العملية ستساعد في تأطير عدد كبير من النشاطات الرقمية التي كانت خارج القانون وبدون فوترة، “خاصة بالنسبة للمؤثرين وصناع المحتوى الذين يقدمون خدمات إشهارية وترويجية للمؤسسات داخل وخارج الوطن، والذين يمكنهم من خلال بطاقة المقاول الذاتي تأطير نشاطاتهم وإضفاء الجانب القانوني عليها، وهذا ما يعطي ارتياحا للمؤسسات وحماية للأشخاص الناشطين في تقديم الخدمات الرقمية بمختلف أنواعها على غرار تطوير المنصات والتطبيقات ونشاطات الترويج..”.
وأردف محدثنا أن مبادرة المقاول الذاتي تمثل أيضا دفعا جديدا للاقتصاد الوطني بالاستفادة ولو رمزيا من مداخيل عدد كبير من النشاطات التي كانت غير مؤطرة، وتشجيع أصحاب المهن الحرة على خوض تجربة العمل بالفوترة والاستفادة من امتيازات ضريبية واجتماعية تساعدهم على تطوير نشاطاتهم والعمل في ضوء القانون والشفافية.
وأثنى محدثنا على الامتيازات الضريبية الممنوحة للمقاول الذاتي بنسبة 0.5 بالمائة من رقم الأعمال الذي لا يجب أن يتجاوز حسبه 5 مليون دينار سنويا، وأضاف أنه حتى في حال تجاوز المقاول هذا الرقم في العام الأول والثاني تعطى له فرصة ثالثة لتصحيح مساره بشرط عدم تجاوز هذا الرقم لثلاث سنوات متتالية، وهو امتياز غير مسبوق حسبه بنسب ضرائب شبه منعدمة.
وقال مصدرنا أن العملية ستشجع عددا معتبرا من الإطارات وحتى العاملين في القطاع العام والخاص الذين لهم مهارات وهوايات على تطويرها والانخراط في هذه العملية، التي لا تتطلب مقرا مهنيا ولا سجلا تجاريا، وهو الأمر الذي يجعلها مطلوبة وسهلة.

نحو استحداث مليون مؤسسة منتجة
وبدوره أثنى الخبير الاقتصادي فريد بن يحي، على مبادة المقاول الذاتي التي ستساهم حسبه في تأطير وتنمية نشاط “جيش” من المهنيين والمبدعين والمؤثرين والمنتجين في مختلف المجالات، قائلا “هناك الكثير من الحرفيين والمنتجين غير المعروفين والذين ينشطون في ورشات محلية ومحدودة، ومع الدعم الذي ستقدمه الدولة من خلال هذه الآلية فإنها ستساهم في تأطير هؤلاء الحرفيين والمهنيين ومساعدتهم على تنمية نشاطهم وزيادة الإنتاج ودعم الإنتاج الوطني خاصة للعاملين في مجال إنتاج الخزف والقماش والمعادن والحليب والأجبان..”.
ودعا بن يحي، في تصريح للشروق، أن ترافق هذه المبادرة رؤية إستراتيجية وآليات دعم ومرافقة وتكوين للمستفيدين من بطاقة المقاول الذاتي، لمساعدتهم على النجاح وعدم التعثر وتطوير مهاراتهم، وهذا ما يساهم حسبه في تحويل النشاطات الفردية إلى مؤسسات منتجة، متوقعا استفادة أزيد من مليون مواطن من هذه العملية لما فيها من تحفيزات ضريبية واجتماعية ومالية، وهذا ما يساهم مستقبلا – حسب محدثنا – في استحداث مليون مؤسسة منتجة في مختلف المجالات وهو ما يمثل دعما قويا للاقتصاد الوطني، مؤكدا أن اقتصاد الدول الكبرى مبني على كثرة المؤسسات الخاصة المنتجة وليس المؤسسات العمومية.
وشدد ذات المتحدث على ضرورة استئصال جميع مظاهر البيروقراطية من الإدارات والمؤسسات المالية، خاصة البنوك، التي تطلب ضمانات على زبائنها على غرار قطع أراض وعقارات وهذا ما يستعصي على الشباب المقاولين توفيره وهو ما يمنعهم من تمويل مشاريعهم وتمنيتها، قائلا “الحكومة الجزائرية اتخذت قرارا جريئا برقمنة عملية المقاول الذاتي وتيسير آليات الاستفادة منها وهو ما يجب أن يتوفر في جميع أطوارها المتعلقة بالحصول على الامتيازات الضريبية والاجتماعية وحتى المالية بتسهيل الاستفادة من القروض..”.