أتمنى أن تكونوا بخير اليوم. في هذا المقال، أود أن أشارككم بعض جوانب حياتي وتجربتي في اليابان، خاصة فيما يتعلق بقضية فلسطين وتأثيرها على حياتي هنا. خلال السنوات التي قضيتها في اليابان، شاهدت وعايشت العديد من التجارب التي أثرت على وجهة نظري تجاه العديد من القضايا، ومن بينها القضية الفلسطينية التي تحتل مكانة خاصة في قلبي. إن العيش في بلد أجنبي كاليابان مع خلفية ثقافية وجغرافية مختلفة عن بلدي الجزائر، يعطيني منظورًا فريدًا حول كيفية تعامل الثقافات المختلفة مع قضايا دولية حساسة.
نبذة عني
أنا مسعودة، صديقتكم من ولاية جيجل بالجزائر، أعيش في اليابان منذ عام 2019. انتقلت إلى هنا لأعمل كمدرسة للغة الإنجليزية واللغة العربية في مدارس خاصة وفي الجامعة. منذ وصولي إلى اليابان، قررت مشاركة تجاربي ومعايشتي اليومية من خلال فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار “من الجزائر لليابان بدون فلتر وبدون سيناريو”. هذا الشعار يعكس رغبتي في تقديم صورة حقيقية وعفوية عن الحياة هنا. أطمح من خلال هذه الفيديوهات إلى توصيل فكرة أن الحياة في اليابان ليست مجرد تقنيات حديثة وثقافة مبهرة، بل هي تجربة إنسانية مليئة بالتحديات والفرص. إذا كنتم مهتمين باليابان والحياة اليومية هنا، أتمنى أن تنضموا لي لنكتشف اليابان معًا ونعيش تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. يمكنكم متابعة مغامراتي وتجربتي مع تعلم اللغة اليابانية، والتحديات التي أواجهها كأجنبية في مجتمع محافظ، وأيضًا اللحظات الجميلة التي أعيشها هنا.
أهمية المقاطعة وتأثيرها
منذ فترة طويلة، كانت المقاطعة وسيلة فعالة وسلمية لتحقيق التغيير. نرى كيف أن الشركات الكبرى مثل كوكا كولا وماكدونالدز وكينج برجر أصبحت قوية بفضل دعم المستهلكين. هذه الشركات لم تكن لتصبح بهذا الحجم لولا أننا كمستهلكين نشتري منتجاتها بشكل يومي. عندما نقوم بمقاطعة هذه الشركات، نحن لا نعبر فقط عن رفضنا لسياستها، بل نرسل رسالة قوية بأننا كمستهلكين نمتلك القوة لتغيير مسار الأمور. المقاطعة ليست مجرد عمل رمزي؛ بل لها تأثير حقيقي ومباشر، حيث خسر العديد من الشركات أموالاً طائلة وأغلقت العديد من المتاجر بسببها. علينا أن ندرك أن قوتنا في وحدتنا، وأن كل قرار شرائي يمكن أن يكون له تأثير كبير. يمكننا أن ننظر إلى تجارب الشعوب الأخرى التي نجحت في إحداث تغييرات كبيرة من خلال المقاطعة، مثل تجربة مقاطعة المنتجات العنصرية في جنوب إفريقيا، وكيف ساهمت في إنهاء نظام الفصل العنصري.
موقف اليابانيين من القضية الفلسطينية
للأسف، العديد من اليابانيين ليسوا على دراية بما يحدث في فلسطين. الثقافة اليابانية تركز بشكل كبير على القضايا المحلية وتفضل الابتعاد عن السياسة الدولية، مما يجعل الوعي بالقضية الفلسطينية محدودًا. بعض اليابانيين فقط يقوم بالاحتجاجات والمقاطعة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. لقد شاهدت بنفسي مشاركات الفلسطينيين في اليابان في مظاهرات بطوكيو لدعم قضيتهم. كنت أشارك في هذه المظاهرات، ولكن لاحظت أن الوعي العام بين اليابانيين ما زال محدودًا. بالرغم من ذلك، هناك بعض الأشخاص الذين يظهرون اهتمامًا حقيقيًا ويسعون لفهم الوضع بشكل أعمق. هذه المواقف تعكس الحاجة المستمرة للتوعية والتثقيف حول القضايا العالمية وأهمية التضامن الدولي. يجب أن أذكر أن هناك تحديات كبيرة في زيادة الوعي بالقضية الفلسطينية في اليابان، حيث أن وسائل الإعلام اليابانية لا تولي اهتمامًا كبيرًا للأحداث الدولية المتعلقة بفلسطين، وهذا يؤدي إلى نقص في المعلومات والتوعية بين الجمهور الياباني.
تجربتي الشخصية مع المنتجات الأمريكية
كنت في السابق أستخدم العديد من المنتجات الأمريكية مثل ستاربكس، ديزني، ومنتجات العناية بالبشرة. كانت هذه المنتجات جزءًا من حياتي اليومية، وأحيانًا كنت أعتقد أنها لا غنى عنها. ولكن مع مرور الوقت وبعد الأحداث التي جرت في فلسطين، بدأت أبحث عن بدائل وأصبحت أكثر وعيًا بتأثير اختياراتي الشرائية. الآن أحاول بقدر الإمكان تجنب المنتجات الأمريكية والبحث عن بدائل محلية أو من دول أخرى. أدركت أن كل قرار شرائي يمكن أن يكون له تأثير، وأنه من الممكن أن نجد بدائل محلية ممتازة تلبي احتياجاتنا دون دعم الشركات التي تساهم في استمرار الظلم. هذه التجربة جعلتني أكثر وعيًا ومسؤولية تجاه اختياراتي. إضافة إلى ذلك، بدأت أبحث عن المنتجات التي تدعم قضايا البيئة والاستدامة، مما يجعلني أشعر بأن اختياراتي الشرائية تساهم في جعل العالم مكانًا أفضل.
التحديات التي أواجهها في العمل
في بيئة العمل، واجهت العديد من التحديات بسبب مواقفي السياسية. أحد هذه التحديات كان مع زميلي البرازيلي اليهودي، الذي كان يحاول باستمرار استفزازي بسبب دعمي لفلسطين. هذا الزميل كان يعمل في الجيش الإسرائيلي سابقًا، وكان يفخر بمشاركته في العمليات العسكرية هناك. كان يحاول دائمًا أن يظهر لي أن دعمي لفلسطين هو دعم للإرهاب، وكان يتحدث عن تجربته في الجيش الإسرائيلي بصفة تطوعية وكيف كان يشارك في الأعمال العسكرية ضد الفلسطينيين. كانت هذه الأحاديث تثير غضبي بشدة، ولكنني كنت أحاول دائمًا أن أكون هادئة ومهنية في الرد عليه.
لم يكن الأمر سهلاً، خاصة عندما أخبرني زميل آخر، وهو أسترالي الجنسية، بأنه سمع عن مشاركتي في المظاهرات الداعمة لفلسطين في ديسمبر الماضي في طوكيو. هذا الزميل الأسترالي كان داعمًا لي وسألني كيف تمكنت من المشاركة في تلك المظاهرات، مما جعلني أشعر ببعض الدعم والتفهم. ولكن بالمقابل، زميلي البرازيلي بدأ يشن هجومًا لفظيًا ضدي، واتهمني بدعم الإرهاب وتأييد العنف ضد المدنيين الإسرائيليين. كانت هذه المواجهة حادة ومتوترة للغاية.
في إحدى المرات، أثناء استراحة الغداء، بدأ زميلي البرازيلي يهاجمني بشدة أمام باقي الزملاء، وقال إنه لا يمكنه العمل مع شخص يدعم الإرهاب. لم أتمكن من كبح جماح غضبي في تلك اللحظة، واندلعت مواجهة بيننا. حاولت الحفاظ على هدوئي، ولكن استفزازه المستمر وكلماته الجارحة جعلتني أواجهه بشدة. اتهمته بالدفاع عن جرائم الحرب والتواطؤ في الظلم، ولم أتمالك نفسي حين بدأ يتهمني بمعاداة السامية.
نتيجة لهذا الصدام، تدخلت الإدارة وقامت بتحذيرنا شفويًا. حصلت على تحذير شفوي بسبب هذه المواجهة، وتمت مراقبة تصرفاتي عن كثب بعد ذلك. بالرغم من أنني لم أكن أنا التي بدأت المواجهة، إلا أن الإدارة كانت حريصة على الحفاظ على السلام في بيئة العمل. ومع ذلك، بعد التحقيق في الأمر، اكتشفوا أن زميلي البرازيلي كان يتصرف بطريقة غير مهنية وعدائية، مما أدى في نهاية المطاف إلى فصله من العمل. كانت هذه النتيجة غير متوقعة بالنسبة لي، ولكنها أكدت لي أن الإدارة تأخذ الأمور بجدية وتبحث عن العدالة.
إضافة إلى ذلك، شعرت بأنني فقدت بعض الدعم من زملائي الآخرين الذين كانوا يفضلون البقاء بعيدًا عن النزاعات. هذه التجربة جعلتني أكثر حذرًا في التعامل مع زملائي والتعبير عن آرائي السياسية بشكل مباشر. بالرغم من ذلك، لم أتخل عن موقفي الداعم لفلسطين، ولكنني أصبحت أكثر انتقائية في مشاركة آرائي ومع من أشاركها. هذه التجارب في بيئة العمل علمتني الكثير عن التوازن بين الدفاع عن مبادئي والحفاظ على علاقات مهنية جيدة.
أهمية البحث والتوعية
أوصي الجميع بالبحث والتوعية حول الشركات والمنتجات التي ندعمها. المقاطعة يجب أن تكون مبنية على فهم ومعرفة الأسباب وراءها. البحث الشخصي يمكن أن يكون له تأثير كبير في اتخاذ قرارات مستنيرة ومسؤولة. من خلال البحث والتوعية، يمكننا فهم الآثار السلبية لدعم بعض الشركات والبحث عن بدائل أفضل. هذا ليس فقط دعمًا للقضية الفلسطينية، بل هو أيضًا جزء من مسؤوليتنا كمستهلكين في خلق عالم أكثر عدالة وإنصافًا. يجب أن نكون دائمًا مستعدين للتعلم والتكيف مع المعلومات الجديدة، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق تغيير حقيقي. يمكننا أن نبدأ بالبحث عن المصادر الموثوقة للمعلومات، والانضمام إلى حملات التوعية، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تهدف إلى نشر الوعي بالقضايا العالمية.
دعوة للعمل والدعاء
أدعو الجميع لدعم إخواننا في فلسطين من خلال المقاطعة والدعاء. قد لا نكون قادرين على فعل الكثير، ولكن حتى الدعاء والمقاطعة يمكن أن يكون لهما تأثير كبير. نحن نعيش في عالم مترابط، وكل فعل نقوم به يمكن أن يكون له تأثير يتجاوز حدودنا الجغرافية. لا تبخلوا بالدعاء ولا بالتوعية. يمكننا من خلال هذه الأفعال الصغيرة أن نحدث تغييرًا كبيرًا، وأن نكون جزءًا من الحل. دعونا نتذكر دائمًا أن التضامن والتعاطف هما أساس الإنسانية، وأن كل شخص يمكن أن يكون له دور في دعم العدالة والسلام. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا دعم المنظمات الإنسانية التي تعمل على الأرض في فلسطين، والتبرع للجهات التي تقدم المساعدة للمحتاجين.
خاتمة
أتمنى أن يكون هذا المقال قد أعطاكم نظرة على حياتي في اليابان وتأثير القضية الفلسطينية عليها. سأراكم في المقالات القادمة إن شاء الله، وآمل أن تكون المواضيع القادمة أخف. تهتموا بأنفسكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في النهاية، أود أن أقول إن تجربتي في اليابان علمتني الكثير عن القوة الداخلية والقدرة على التأقلم مع التحديات. العيش في بلد أجنبي يفتح عينيك على العديد من الأمور ويجعلك تدرك أهمية التمسك بمبادئك وقيمك. آمل أن تستمروا في متابعتي ودعمي، وأن نتمكن معًا من تحقيق تغيير إيجابي في العالم. دعونا نبقى دائمًا على اتصال ونتبادل الأفكار والتجارب، لأن هذا هو السبيل لتحقيق فهم أعمق وتواصل أفضل بين الثقافات