Home تعليم بعد عودتهما من المستقبل، فضلاوي و مقران يخبراننا بأن القادم أفضل

بعد عودتهما من المستقبل، فضلاوي و مقران يخبراننا بأن القادم أفضل

by Mohamed Redha Chettibi
0 comment
A+A-
Reset

 

في جزائر نابضة و متطوِّرة باستمرار، كان مصيران غير متوقعين سيلتقيان بطريقة غير متوقعة تمامًا. فقد تحدى فضلاوي بوحفص ، القادم من سعيدة، أقسى التحديات لينال شهادة البكالوريا بتقدير “ممتاز”. كان مساره متميزًا بالعزيمة الثابتة، على الرغم من الظروف المعيشية القاسية. يوميًا، كان يقطع 48 كيلومترًا للذهاب والإياب من مدرسته، ساكنا في خيمة ويراجع دروسه تحت ضوء الشموع حتى جاءت الطاقة الشمسية لتخفف قليلًا من معاناته. لم تحبط صعوبات حياته اليومية عزيمته أبدًا؛ بل على العكس، صقلت فيه مرونة ورغبة لا تتزعزع في المعرفة. كان والداه، رغم وضعهما المعيشي الصعب، يدعمانه دائمًا معنويًا، مؤمنا بقوة بمقدراته ومستقبله.

على الجانب الآخر من الطيف الاجتماعي، تمكن محمد أمين مقران، طالب في ثانوية محمد بلكبير في حجوط بولاية تيبازة، من الوصول إلى القمة بمعدل 19.62. نشأ في بيئة أكثر يسراً، وكان لديه إمكانية الوصول لجميع الموارد اللازمة للتفوق. ومع ذلك، كانت مقاربته الفريدة وانضباطه الأكاديمي هما ما ميزاه حقاً. كان يفضل الكتب والعمل الجاد بدلاً من الدروس الخصوصية، وكانت تواضعه رغم نجاحه الباهر درساً للكثيرين. نشأ مقران في بيئة تعتبر التميز الأكاديمي أمراً طبيعياً، لكنه لم يأخذ  ابدا نجاحه كأمر مسلّم به. فعائلته، رغم يسرها، غرست فيه قيم العمل الجاد والمثابرة.

تقاطع طريقهما بشكل غير متوقع في يومهما الأول في المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي (ESI) في الجزائر. كان فضلاوي، الذي تأثر بالمرافق الحديثة والأجواء الدراسية، يشعر بالحماس والرهبة في آن واحد من هذه المرحلة الجديدة في حياته. لا يزال يتذكر المرة الأولى التي رأى فيها الحرم الجامعي: المباني الضخمة، المختبرات المجهزة بأحدث التقنيات، كل ذلك كان مختلفاً تماماً عما اعتاد عليه. للمرة الأولى، شعر أن أحلامه أصبحت في متناول اليد، رغم أن الانتقال إلى هذه الحياة الجديدة كان يبدو أحياناً مرهقاً.

مقران، الذي كان دائم الفضول والانفتاح، لاحظ على الفور الشاب ذي النظرة الحازمة ولكنه كان يبدو ضائعًا نوعًا ما. تذكر وصوله إلى المعهد العالي للدراسات الهندسية، محاطًا بزملاء من مسارات متنوعة وفريدة. كان يعرف مدى أهمية أن يشعر الشخص بالترحيب والدعم في بيئة جديدة.

“مرحبًا، أنا محمد أمين مقران. وأنت؟”

قال مقران بابتسامة ودية. لقد لاحظ فضلاويي بين الطلاب الجدد، مغتبطًا بعزيمته

وفضوله.

 

 

 

“أنا فضلاوي بوحفص. سعيد بلقائك” 

أجاب متقدمًا بالشكر على الاستقبال الحار. شعر بالفعل بشيء من الراحة، مطمْئَنًا بلطف صديقه الجديد.

تعمقت محادثاتهما بسرعة، حيث شارك كل منهما قصته وطموحاته. تحدث فضلاوي عن الليالي التي قضاها يدرس تحت النجوم، مضاءً بشمعة بسيطة، وكيف تجاوز كل عقبة للوصول إلى ما هو عليه. بينما كان مقران يتحدث عن حبه للرياضيات، وساعاته التي قضاها في استكشاف مفاهيم معقدة، ومعتقده بأن المعرفة يجب أن تُشارك وتستخدم من أجل المصلحة العامة.

على الرغم من اختلاف خلفياتهما، اكتشفا شغفًا مشتركًا للتكنولوجيا ورؤية مشتركة لمستقبل بلدهما. حلُم الاثنان بالمساهمة في تنمية الجزائر، وتقليص الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، ومنح كل طفل الفرصة لتحقيق إمكانياته. تحدثا عن أحلامهما وآمالهما للجزائر، مما وفّر لهما إلهامًا متبادلًا من رواياتهما.

واقع التعليم في الجزائر

تشهد الجزائر حالياً صعوداً ملحوظاً على الساحة الدولية في مجال التعليم. في عام 2024، حصلت الجزائر على المركز الأول على المستويين الأفريقي والعربي في تصنيف تأثير الجامعات العالمية الصادر عن “تايمز هاير إديوكیشن”. هذا التصنيف الذي أعلنه وزير التعليم العالي والبحث العلمي، يقيِّم مساهمة الجامعات في تحقيق 17 هدفاً من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. وقد حققت الجزائر تحسناً كبيراً في وجودها في هذا التصنيف العالمي، حيث تم تصنيف 12 مؤسسة تعليم عالي جزائرية في عام 2023، ليصل العدد في عام 2024 إلى 54، مما يدل على التزام متزايد نحو تحسين جودة التعليم والبحث في البلاد.

لتعزيز هذه الديناميكية، كثفت الجامعات الجزائرية شراكاتها مع مؤسسات عالمية. على سبيل المثال، في مايو 2023، وقعت عشر جامعات جزائرية اتفاقية توأمة مع جامعة أفيلـا في مدينة كانساس، الولايات المتحدة. تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز تبادل الخبرات في مجالات متنوعة، بما في ذلك التكنولوجيا، وتتيح للطلاب الجزائريين الحصول على شهادات أمريكية أثناء دراستهم في الجزائر. بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء اتفاقيات مشابهة مع مؤسسات صينية، مثل جامعة الصين الغربية، لتعزيز التبادل العلمي والتكنولوجي بين البلدين.

تميزت الجامعات الجزائرية بشكل خاص في بعض أهداف التنمية المستدامة التي قيمها تصنيف التايمز للتعليم العالي. وقد أظهرت تقدمًا ملحوظًا في الهدف الرابع: “تعليم ذو جودة”. وفقًا لتقرير الأمم المتحدة حول أهداف التنمية المستدامة لعام 2020، قامت الجزائر بتنفيذ مبادرات متنوعة لتحسين الوصول إلى تعليم عالي الجودة. تشمل هذه الجهود زيادة معدلات الالتحاق، وتحسين البنية التحتية التعليمية، وبرامج لضمان المساواة بين الجنسين في التعليم. وقد تميزت جامعة أم البواقي بحصولها على المركز الأول على المستوى الوطني وتصنيفها بين أفضل 401-600 جامعة على المستوى العالمي. تعكس هذه الإنجازات التزام قطاع التعليم العالي الجزائري بتحسين موقع الجامعات في التصنيفات العالمية وتعزيز رؤيتها الدولية.

تتجلى هذه الجهود في زيادة الاعتراف بالجامعات الجزائرية على الصعيد الدولي. يتيح التعاون مع الجامعات الأجنبية تبادل الأبحاث، وتحسين تدريب الطلاب، وزيادة رؤية المؤسسات الجزائرية. تعتبر هذه المبادرات أساسية لمواصلة تحسين جودة التعليم في الجزائر وضمان اندماج أفضل للمؤسسات الجزائرية في الشبكة الأكاديمية العالمية.

 

تعاون مثمر

منذ الأشهر الأولى في المدرسة العليا للإعلام، أصبح فضلاوي ومقران لا ينفصلان. برز تكاملهما كعنصر ثمين: بينما قدم فضلاوي منظورًا خامًا وعمليًا اكتسبه في أقسى الظروف، كان مقران يوفر دقة تحليلية وعمقًا نظريًا. معًا، بدءا العمل على مشاريع تهدف إلى حل مشكلات ملموسة في المناطق الريفية بالجزائر، لا سيما الوصول إلى التعليم والموارد التكنولوجية.

مشروع واحد بالخصوص ميّز تعاونهما و كان نقطة تحول. مستلهمين من التحديات الشخصية فضلاوي، قرّروا تطوير منصة تعليمية عبر الإنترنت، متاحة حتى في المناطق التي تفتقر إلى اتصال إنترنت مستقر. باستخدام تقنيات ضغط البيانات والشبكات المحلية، أنشأوا نظامًا يتيح للطلاب في المناطق الريفية تحميل الدروس والمواد التعليمية عندما تتوفر لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت، ثم استخدامها دون اتصال.

 

التحديات والانتصارات

لم يكن الطريق نحو تحقيق رؤيتهما خاليًا من العقبات. كان عليهم إقناع السلطات المحلية والمعلمين والآباء بجدوى مشروعهما. كانت لياليهما طويلة غالبًا، كُرست لكتابة الكودات واختبار أنظمتها وتنقيحها. لكن إصرارهم لم يتزعزع أبدًا.

خلال مؤتمر وطني حول التعليم، قدما مشروعهما أمام جمهور من الوزراء وخبراء التعليم ورجال الأعمال. أثارت عرض منصتهم تصفيقًا حارًا ونقاشات حماسية. لم تمر ابتكاراتهما دون أن تُلاحظ؛ فقد كانت تلبي حاجة ملحة وتقدم حلاً ملموسًا.

لم يقتصر مشروعهما على المحتويات التعليمية البسيطة. بل أضافوا ميزات تفاعلية مثل المنتديات النقاشيّة، وجلسات التوجيه عبر الإنترنت، والاختبارات لقياس تقدم الطلاب. كان الهدف هو إنشاء مجتمع تعليمي ديناميكي، حيث يمكن للطلاب، حتى ولو كانوا معزولين، أن يشعروا بأنهم جزء من عائلة تعليمية كبيرة.

 

رؤية للمستقبل

حقق نجاحهما في المؤتمر العديد من الفرص. حيث حصلاا على تمويل لتوسيع المشروع وبدؤوا التعاون مع شركات التكنولوجيا والمنظمات غير الحكومية. أصبحت منصتهم، المسماة “EduAlgeria”، أداة أساسية للآلاف من الطلاب في جميع أنحاء البلاد.

ولكن بالنسبة لفضلاوي ومقران، لم يكن ذلك سوى بداية. كان لديهما أحلام أكبر للجزائر. أرادا أن يريا الجزائر رائدة في التكنولوجيا والابتكار في شمال إفريقيا. بدأوا بتنظيم ورش عمل وندوات لإلهام وتدريب الجيل التالي من المبتكرين الشباب.

كما أسسوا حاضنة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، تقدم مساحة وموارد لرواد الأعمال الشباب لتطوير أفكارهم. وأصر فضلاوي، الذي عاش صعوبات العزلة الريفية، على أن تكون هذه الحاضنة متاحة للجميع، دون حواجز مالية. بينما قام مقران، الذي يتمتع بموهبة الابتكار، بإنشاء برامج للتوجيه، مدعوماً بخبراء من مجالات متنوعة لمشاركة معرفتهم وخبراتهم.

الأثر والإرث

في غضون بضع سنوات، شعر الجميع بأثر عملهما على نطاق واسع. زادت نسبة النجاح في الامتحانات في المناطق الريفية، وزاد عدد الشباب الذين يتابعون التعليم العالي. أصبحت قصة فضلاوي ومقران مصدر إلهام وطني، تثبت أن اتحاد المواهب المتنوعة يمكن أن يحدث تغييرات ملموسة.

لم يقتصر شراكتهما على مشروع EduAlgeria. بل أسسوا معًا مركزًا بحثيًا مختصًا بالابتكار التكنولوجي في التعليم والتنمية الريفية. أصبح مركزًا للشباب المبدعين في جميع أنحاء البلاد، حيث يقدّم منحًا دراسية وموارد لأولئك الذين مثل فضلاوي سابقًا، لم تتوفر لهم الوسائل اللازمة لتحقيق أحلامهم.

قدّم المركز مختبرات بحثية متطورة، ومكتبات رقمية، ومساحات عمل مشتركة. وجد الشباب الباحثون والطلاب في المركز بيئة ملائمة للإبداع والابتكار. كما تم إنشاء برامج تبادل مع جامعات أجنبية، مما أتاح للشباب الجزائري الانفتاح على العالم وإعادة أفكار جديدة وملهمة.

الأجمل قادم

قصة  فضلاوي بوحفص ومحمد أمين مقران هي تجربة يُقتدى بها لشابيّن حركتهما و ميّزتهما العزيمة و المثابرة التي تجمعت فيهما، رغم بداياتهما المتباينة، فوحدا جهودهما من أجل تحويل مستقبل بلدهما. إن مسيرتهما هي شهادة قوية على الصمود البشري، وأهمية التعليم، وقوة التعاون.

لقد أظهرا أنه بالإرادة، والابتكار، وروح التضامن، يمكن التغلب على العقبات الأكثر صعوبة، وخلق مستقبل أفضل. يواصل عملهما إلهام أجيال من الحاصلين على الشهادة الثانوية والشباب الجزائريين، مؤكدين أن مهما كانت أصولك، من الممكن تغيير العالم.

اليوم، يُعترف بفضلاوي ومقران كروّاد في الابتكار الاجتماعي والتكنولوجي في الجزائر. يتم دعوتهما بانتظام إلى مؤتمرات دولية لمشاركة خبراتهما ورؤاهما. تُدرَّس قصتهما في المدارس كنموذج لما يمكن تحقيقه بالشجاعة والعزيمة.

يستمر حلمهما المشترك بجزائر مزدهرة ومبتكرة في توجيه أفعالهما. يعملان بلا كلل لخلق فرص للشباب، وتحسين البنى التحتية التعليمية، وتعزيز ثقافة الابتكار. بفضل جهودهما، أصبحت الجزائر نموذجًا للتنمية المستدامة والإدماج الاجتماعي.

في نهاية المطاف، تعتبر قصة فضلاوي بوحفص و محمد أمين مقران احتفالًا بالروح الإنسانية، ودليلاً على أن أبرز الطرق غير المتوقعة يمكن أن تتقاطع وتخلق شيئًا رائعًا. إرثهما هو منارة أمل للأجيال القادمة، وتذكير بأن مستقبل الجزائر بأيدي الذين يجرؤون على الحلم والعمل.

You may also like

Leave a Comment

روابط سريعة

من نحن

فريق من المتطوعين تحت إشراف HOPE JZR مؤسس الموقع ، مدفوعا بالرغبة في زرع الأمل من خلال اقتراح حلول فعالة للمشاكل القائمة من خلال مساهماتكم في مختلف القطاعات من أجل التقارب جميعا نحو جزائر جديدة ، جزائرية جزائرية ، تعددية وفخورة بتنوعها الثقافي. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة القائمة «الجزائر الجزائرية»

من نحن

جمع Hope JZR ، مؤسس الموقع ومالك قناة YouTube التي تحمل نفس الاسم ، حول مشروعه فريقا من المتطوعين من الأراضي الوطنية والشتات مع ملفات تعريف متنوعة بقدر ما هي متنوعة ، دائرة من الوطنيين التي تحمل فقط ، لك وحماسك للتوسع. في الواقع، ندعوكم، أيها المواطنون ذوو العقلية الإيجابية والبناءة، للانضمام إلينا، من خلال مساهماتكم، في مغامرة الدفاع عن الجزائر الجديدة هذه وبنائها.

ما الذي نفعله

نحن نعمل بشكل مستمر ودقيق لتزويد الجمهور بمعلومات موثوقة وموضوعية وإيجابية بشكل بارز.

مخلصين لعقيدة المؤسس المتمثلة في “زرع الأمل” ، فإن طموحنا هو خلق ديناميكية متحمسة (دون صب في النشوة) ، وتوحيد الكفاءات في خدمة وطنهم. إن إصداراتنا كما ستلاحظون ستسلط الضوء دائما على الأداء الإيجابي والإنجازات في مختلف المجالات، كما تعكس منتقدينا كلما رأينا مشاكل تؤثر على حياة مواطنينا، أو تقدم حلولا مناسبة أو تدعو نخبنا للمساعدة في حلها. 

مهمتنا

هدفنا الفريد هو جعل هذه المنصة الأولى في الجزائر التي تكرس حصريا للمعلومات الإيجابية التي تزرع الأمل بين شبابنا وتغريهم بالمشاركة في تنمية بلدنا.

إن بناء هذه الجزائر الجديدة التي نحلم بها والتي نطمح إليها سيكون عملا جماعيا لكل المواطنين الغيورين من عظمة أمتهم وتأثيرها.

ستكون الضامن للحفاظ على استقلالها وسيادتها وستحترم إرث وتضحيات شهدائنا الباسلة.

© 2023 – Jazair Hope. All Rights Reserved. 

Contact Us At : info@jazairhope.org

Letest Articles