، ألقى أ.د. كمال ديب، عبر قناته الشخصية على يوتيوب، نظرة متعمقة على أزمة الجفاف الحادة التي تعصف بالمغرب. من خلال تحليل دقيق ومبني على المعطيات الميدانية والتاريخية، حذر ديب من التأثيرات الكبيرة لهذه الأزمة على الاقتصاد الوطني واستقرار المجتمع المغربي. هذا النقاش يأتي في وقت حساس تواجه فيه المملكة تحديات بيئية قد تضعها أمام مفترق طرق حاسم لمستقبلها.
الأزمة المائية في المغرب
بدأ ديب حديثه بالتحذير من تفاقم أزمة الجفاف في المغرب، مشيرًا إلى أنها ليست جديدة ولكنها تضاعفت في السنوات الأخيرة بسبب عوامل متعددة منها قلة تساقط الأمطار على مدى السنوات الخمس الماضية، والتغيرات المناخية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية. ووفقًا لديب، فإن المغرب الذي كان يعتمد تاريخيًا على الزراعة المعتمدة على الأمطار (الزراعة البورية) أصبح اليوم يواجه تحديات كبيرة في تأمين موارده المائية، حيث انخفضت الثروة المائية بنسبة تصل إلى 70% في السنوات الأخيرة.
تأثيرات الأزمة على الزراعة والاقتصاد
أوضح ديب أن الزراعة المغربية تواجه أزمة حادة بسبب اعتماد 80% من الأراضي الزراعية على الأمطار، في ظل شح المياه السطحية والجوفية. وكانت هذه الأراضي تكفي حاجيات المغرب عندما كان عدد السكان أقل بكثير مما هو عليه الآن. ومع زيادة الطلب على المياه من سكان المدن، الذين يشكلون حوالي 60% من مجموع السكان، تضاعف الضغط على الموارد المائية بشكل كبير. وأشار إلى أن 87% من الموارد المائية في المغرب تُوجه للقطاع الزراعي، ما يترك حوالي 10% فقط للاستخدام البشري في المدن والصناعات.
أثار ديب قلقًا خاصًا حول أنماط الزراعة المعتمدة على السقي من المياه الجوفية، وخاصة زراعة المحاصيل الموجهة للتصدير مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر، والتي تستهلك كميات ضخمة من المياه. وأكد أن هذه الزراعات تسهم في استنزاف الموارد المائية بشكل خطير. وقد تزامن ذلك مع توسع استخدام تقنيات الطاقة الشمسية لضخ المياه الجوفية، مما جعل من السهل ضخ المياه على مدار الساعة، وزاد من استنزاف الموارد المائية.
أثر الأزمة على الاستقرار الاجتماعي
تطرق ديب إلى الآثار الاجتماعية لأزمة المياه، محذرًا من أن نقص المياه قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية كبيرة. فالمغرب، الذي يواجه أصلاً تحديات اقتصادية بسبب الفقر والبطالة، قد يجد نفسه في وضع أصعب إذا استمر الجفاف. وأشار إلى أن الجفاف يهدد الاستقرار الاجتماعي من خلال تأثيره على الزراعة، التي تعد مصدر دخل أساسي لكثير من الأسر الريفية، مما قد يدفع بالسكان نحو الهجرة إلى المدن أو حتى إلى خارج البلاد، بما في ذلك الهجرة إلى الجزائر المجاورة.
الحلول والتحديات المستقبلية
لم يغفل ديب عن الحديث عن جهود المغرب في مواجهة هذه الأزمة، مثل بناء السدود ومحطات تحلية مياه البحر، ولكنه أشار إلى أن هذه الحلول غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة للمياه. وأكد على ضرورة إعادة النظر في السياسات الزراعية التي تركز على المحاصيل الموجهة للتصدير والتي تستهلك الكثير من المياه، والبحث عن استراتيجيات جديدة تكون أكثر استدامة.
كما حذر من أن التوقعات المناخية تشير إلى أن المغرب قد يكون على أعتاب موجة جفاف طويلة الأمد، مما يزيد من أهمية التحرك العاجل لمعالجة الأزمة المائية. وشدد على أهمية التوعية العامة حول أهمية ترشيد استخدام المياه والبحث عن تقنيات زراعية جديدة تكون أقل استهلاكًا للمياه.
خاتمة
في ختام حديثه، شدد أ.د. كمال ديب على أن أزمة الجفاف في المغرب ليست مجرد تحدٍ بيئي أو اقتصادي، بل هي تهديد وجودي قد يؤثر على استقرار البلاد بالكامل. وأكد أن الحل يتطلب تعاونًا على المستوى الوطني والدولي لإيجاد حلول مستدامة تُخفف من حدة هذه الأزمة وتضمن مستقبلاً آمنًا للمملكة المغربية.