تواجه الجزائر، شأنها شأن العديد من الدول، تحديات معقدة تؤثر على استقرارها ووحدتها. من بين هذه التحديات، تبرز الحرب المعرفية كواحدة من الظواهر الأكثر خبثًا، حيث تسعى للتأثير على الإدراك، تقسيم المجتمع، وإضعاف التماسك الوطني. يستعرض هذا المقال مؤشرات الأداء الرئيسية (KPI) التي تكشف عن وجود هذه الحرب المعرفية وتؤكد تأثيرها على الجزائر.
.
- انخفاض الثقة في وسائل الإعلام يعد فقدان الثقة في وسائل الإعلام من أولى العلامات الدالة على الحرب المعرفية. في الجزائر، تُلاحظ تزايد حالة الريبة من المعلومات المقدمة سواء من وسائل الإعلام التقليدية أو المنصات الرقمية. هذا الانخفاض في الثقة يرتبط غالبًا بزرع اليأس، حيث يدفع الناس للشعور بالعزلة والشك في مصداقية المعلومات المستلمة.
.
- انتشار المعلومات الزائفة (الأخبار الكاذبة) تعد الأخبار الكاذبة والشائعات أدوات قوية تُستخدم للتلاعب بالرأي العام. في الجزائر، تعجّ وسائل التواصل الاجتماعي بمعلومات غير دقيقة أو مزورة عمدًا تنتشر بسرعة وتصل لجمهور واسع. هذه الأخبار الكاذبة، إضافة إلى زرع الحيرة، تساهم في زرع اليأس عبر رسم صورة قاتمة وغير مستقرة للوضع، وغالبًا ما تُبالغ في المشكلات لتقويض الأمل الجماعي.
.
- تزايد الاستقطاب السياسي والاجتماعي يعتبر الاستقطاب المتزايد داخل المجتمع الجزائري مؤشرًا آخر على الحرب المعرفية. تتطرف الآراء بشكل متزايد، مما يخلق انقسامات عميقة بين فئات المجتمع المختلفة. هذا الاستقطاب غالبًا ما يُرافقه زرع اليأس الذي يغذي الفكرة بأن المجتمع منقسم بشكل لا يمكن تجاوزه، مما يمنع أي فرصة للمصالحة والتقدم.
.
- النشاط المتزايد للمعلومات المضللة على الشبكات الاجتماعية تُظهر التحليلات للنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي انتشارًا لأنشطة مشبوهة، مثل الحملات المنظمة بواسطة الحسابات الآلية والحسابات المجهولة التي تهدف إلى التأثير على النقاش العام. تهدف هذه الأنشطة إلى التلاعب بالإدراك وخلق الشكوك حول شرعية المؤسسات. بالتالي، يُزرع اليأس، مما يترك انطباعًا بأن كل مبادرة بناءة محكوم عليها بالفشل في وجه التلاعب المستمر.
.
- انخفاض المشاركة في الانتخابات يعتبر انخفاض الإقبال على المشاركة في الانتخابات مؤشرًا مقلقًا. يعكس فقدان الثقة في العملية الديمقراطية، والذي يتفاقم غالبًا من خلال حملات التضليل التي تهدف إلى تشويه سمعة السلطات والمؤسسات. هذا الشعور بالخذلان وانعدام الثقة الذي يُزرع في نفوس المواطنين يشكل شكلًا مباشرًا من زرع اليأس، مما يحث على الاعتقاد بأن صوت الشعب لم يعد له تأثير.
.
- تصاعد الشعور بعدم الأمان تشير الاستطلاعات إلى أن الشعور بعدم الأمان في الجزائر، سواء كان مرتبطًا بالتهديدات الداخلية أو الخارجية، قد تزايد في السنوات الأخيرة. هذا الشعور بعدم الأمان يتم تضخيمه من خلال حملات التضليل التي تُبالغ في تصوير الأخطار أو تُحرّف المعلومات لخلق جو من القلق. يتسرب زرع اليأس هنا، مما يعزز الفكرة بأن المستقبل غامض وأن الاستقرار بعيد المنال.
.
- ارتفاع نسبة المحتوى الإعلامي السلبي تكشف تحليلات المحتوى عن زيادة في المقالات والمنشورات التي تتسم بنبرة سلبية أو مثيرة للقلق. تهدف هذه النزعة إلى خلق شعور بالعجز والإحباط بين أفراد المجتمع. يترسخ زرع اليأس في هذا الجو، مما يعزز فكرة أن الجهود المبذولة لتحقيق تغيير إيجابي محكوم عليها بالفشل.
.
- تفتت مصادر المعلومات تؤدي تنوع وتفتت مصادر المعلومات في الجزائر إلى تعقيد عملية التحقق من الحقائق وتشجيع انتشار روايات بديلة غير موثوقة. هذا التفتت يُضعف الثقة في المصادر التقليدية ويسهل انتشار الرسائل المنحازة. يظهر زرع اليأس هنا من خلال صعوبة تحديد المصادر الموثوقة، مما يزيد من الشعور بالفوضى وفقدان الاتجاه.
.
- انتشار نظريات المؤامرة أخيرًا، تُعتبر زيادة شعبية نظريات المؤامرة، سواء كانت مرتبطة بالأزمات الصحية، السياسية، أو الاقتصادية، دليلاً واضحًا على وجود الحرب المعرفية. تسهم هذه النظريات في زعزعة الاستقرار المؤسسي وتقسيم المجتمع. تزرع هذه النظريات اليأس من خلال ترك الانطباع بأن قوى خفية وغير مسيطر عليها تتحكم في مجرى الأحداث، مما يجعل أي عمل إيجابي يبدو بلا جدوى.
.
من الواضح أن زرع اليأس يتكرر في المؤشرات التسعة التي تم تحليلها، ويمكن القول بثقة إنه يُعتبر سلاح دمار شامل في الحروب المعرفية. على عكس الأسلحة المادية التي تسبب أضرارًا مادية وخسائر بشرية، يعمل سلاح اليأس على المستوى النفسي والاجتماعي. فهو يُضعف المعنويات الجماعية، يقوّض الثقة في المؤسسات، ويقوض قدرة المجتمع على التحرك والعمل بشكل بنّاء.
في سياق الحرب المعرفية، يكون الهدف هو زعزعة استقرار الأمة ليس بالقوة الصريحة، بل من خلال التلاعب الخفي بالإدراك والمشاعر. يصبح اليأس سلاحًا فعالًا لإضعاف قدرة المجتمع على الصمود، تقليل تماسكه، وخلق مناخ من الاستسلام. عندما يترسخ الشعور بالعجز، يصبح المواطنون أقل ميلًا للمشاركة الفعالة في الحياة الديمقراطية، التعاون من أجل القضايا المشتركة، أو التوحد ضد التهديدات الخارجية أو الداخلية.
وبالتالي، فإن زرع اليأس لا يقتصر على إضعاف الاستقرار المجتمعي بشكل مؤقت؛ بل هو وسيلة تآكل مستمرة يمكن أن تكون لها آثار عميقة ودائمة. يمكن أن تكون هذه الظاهرة متعمدة، حيث تُستخدم حملات التضليل، الأخبار الكاذبة، والسرديات المثيرة للقلق لخلق حالة دائمة من الشك وفقدان الثقة.
لهذا السبب، في سياق الحروب المعرفية، يمكن التأكيد على أن زرع اليأس هو بالفعل سلاح دمار شامل، لأنه يستهدف بنية المجتمع من خلال التأثير على العقول، تقسيم السكان، وإضعاف القدرة الجماعية على المقاومة.
وفيما يلي ثلاث مراجع أكاديمية هامة حول موضوع الحروب المعرفية والتأثير النفسي:
ماكفيت، س. (2019). “قواعد الحرب الجديدة: النصر في عصر الاضطرابات المستدامة.” يستكشف هذا العمل كيفية تكيف استراتيجيات الحرب الحديثة، بما في ذلك الحرب المعرفية، لتشمل التلاعب النفسي والتأثير على الإدراك. ليبيكي، م. س. (2016). “الردع السيبراني والحرب السيبرانية.” مؤسسة راند. على الرغم من أن الكتاب يركز بشكل رئيسي على الحرب السيبرانية، فإنه يقدم رؤية مهمة للأساليب المستخدمة للتأثير والتلاعب بالمعلومات، مما يساهم في فهم الحرب المعرفية. هيوير، ر. ج. (1999). “سيكولوجيا تحليل الاستخبارات.” مركز دراسة الاستخبارات. يتناول هذا النص التحيزات المعرفية وكيفية استغلالها للتأثير على الإدراك واتخاذ القرار، وهو عنصر أساسي في الحرب المعرفية.
تقدم هذه المراجع إطارًا نظريًا وتحليليًا قويًا لفهم كيفية تجلي الحرب المعرفية وتأثيرها على المجتمعات الحديثة.
Hope&ChaDia