تتسع دائرة اغتيالات شهود الإبادة والحقيقة، والتي لطالما طالت أرواح الصحفيين والمقاومين في فلسطين، لتصل الآن إلى عمق أوروبا. ففي حادثة هزت الرأي العام، عُثر يوم الاثنين الماضي على جثة الصحفية الفرنسية المستقلة مارين فلاهوفيتش على سطح شرفة شقتها في مدينة مارسيليا جنوب فرنسا.
ملابسات الحادثة التي وُصفت على نطاق واسع بأنها اغتيال، ما زالت غامضة، والتحقيقات لا تزال جارية. في الوقت ذاته، تتعالى أصوات عائلتها والنقابات المهنية مطالبة بالكشف عن الحقيقة وراء هذه الجريمة، وعن الأطراف التي قد تكون متورطة في اغتيالها داخل ثاني أكبر المدن الفرنسية.
فيلم وثائقي قد يكون مفتاح الجريمة
ذكرت وسائل إعلام فرنسية أن فلاهوفيتش كانت تعمل على فيلم وثائقي حساس يتناول تفاصيل الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. الوثائقي كان يهدف إلى تسليط الضوء على تاريخ الاحتلال الصهيوني وجرائمه الممتدة التي طالت شهود الحقيقة في غزة، وقبلها أصوات المعارضين له حول العالم.
مارين، التي كانت معروفة بشجاعتها ونزاهتها الصحفية، لم تتردد في فضح الغطرسة الصهيونية ومجازرها في غزة والضفة الغربية ولبنان. ومنذ بداية الإبادة الأخيرة في غزة في أكتوبر العام الماضي، حاولت فلاهوفيتش دخول القطاع المحاصر، لكنها بقيت عالقة في القاهرة، حيث لم تتوقف عن نقل أصوات الصحفيين الفلسطينيين من الحدود.
معركة الصحافة والحقيقة
لأكثر من 15 عاماً، تخصصت مارين في قضايا الشرق الأوسط، وعملت في عدة إذاعات ناطقة بالفرنسية، حيث اكتسبت خبرة واسعة في نقل الحقيقة عن الداخل الفلسطيني. ومع تصاعد العدوان الأخير، انتقدت بشكل صريح تغطية الإعلام الفرنسي للإبادة في غزة، ما دفع جهات رسمية إلى رفض تجديد بطاقتها الصحفية.
رغم كل الضغوط، قررت مارين الاستمرار في عملها الصحفي المستقل، مركزة جهودها على إعداد فيلم وثائقي يكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي. الفيلم، الذي يبدو أنه كان يحمل وثائق وشهادات خطيرة، لم يُكتب له أن يرى النور، حيث انتهت حياة مارين قبل أن تنتهي من إعداد هذا العمل.
اغتيال شهود الحقيقة في أوروبا
الحادثة تفتح الباب أمام تساؤلات حول استهداف الصحفيين في أوروبا، وخاصة أولئك الذين يختارون تسليط الضوء على قضايا حساسة مثل جرائم الاحتلال. الاغتيال، الذي يحمل دلالات خطيرة، قد يكون جزءاً من سلسلة عمليات تصفية ممنهجة تهدف إلى إسكات الأصوات التي تفضح ممارسات الكيان الصهيوني.
مارين فلاهوفيتش لم تكن فقط صحفية، بل كانت شاهدة على الإبادة وناطقة باسم الحقيقة. جريمة اغتيالها تعد امتداداً لسياسات استهداف الصحفيين والمثقفين الذين يرفضون التواطؤ مع الجرائم الصهيونية.
في انتظار نتائج التحقيقات، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة: من يقف وراء اغتيال مارين فلاهوفيتش؟ وهل أصبح قتل شهود الإبادة والحقيقة سياسة تمتد لتطال حتى أعماق أوروبا؟
Hope&Chadia