يشكل رأس السنة الأمازيغية، الذي يُحتفل به سنويًا في 12 يناير، مناسبة فريدة لتكريم الجذور الثقافية العميقة للجزائر. هذا العام، وتحت شعار يناير 2975، اكتسبت الاحتفالات بُعدًا استثنائيًا من خلال سلسلة من المبادرات الفنية والثقافية والتعليمية في جميع أنحاء البلاد. تعكس هذه الفعاليات إرادة وطنية لتثمين التراث الأمازيغي وتعزيز دوره في الهوية الجماعية الجزائرية.
قافلة أدبية لتعزيز اللغة الأمازيغية
من أبرز أحداث هذا الاحتفال إطلاق قافلة ثقافية مخصصة للترويج للأعمال الفائزة بـ”جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية”. وقد انطلقت هذه القافلة، التي بادر بتنظيمها المفوضية العليا للأمازيغية (HCA)، من الجزائر العاصمة لتجوب مدنًا مثل غرداية وتيميمون، وهما من أبرز مناطق التنوع اللغوي والثقافي في الجزائر.
تأسست هذه الجائزة عام 2020 بموجب مرسوم رئاسي، وهي تهدف إلى تكريم الكُتّاب والباحثين الذين يعملون على تطوير اللغة والأدب الأمازيغي. ووفقًا للأمين العام للمفوضية، سي الهاشمي عصاد، فإن هذه المبادرة تهدف إلى تقريب الجمهور العام من الإنتاج الأدبي الأمازيغي، وتسليط الضوء على الأعمال الإبداعية الغنية بالتراث.
يشارك في هذه القافلة مؤلفون حائزون على الجائزة، مما يوفر للجمهور فرصة فريدة للتواصل معهم ومناقشة أعمالهم. وفي نفس السياق، تسلط القافلة الضوء على الجهود المؤسسية المبذولة للحفاظ على اللغة الأمازيغية وتطويرها. وتصل القافلة إلى ذروتها في تيميمون، حيث سيتم توزيع الجائزة رسميًا في 12 يناير، وهو اليوم الذي يوافق بداية التقويم الزراعي الأمازيغي.
الجزائر العاصمة: عاصمة في حراك ثقافي
في ولاية الجزائر، تُميز احتفالات يناير ببرنامج متنوع وشامل، تحت إشراف الوالي محمد عبد النور ربيحي. تتضمن الفعاليات معارض للحرف اليدوية، وعروضًا موسيقية، ومسابقات للطهي، بالإضافة إلى أنشطة رياضية تُقام في أحياء تاريخية وحديثة من العاصمة.
تمتد الاحتفالات إلى أماكن بارزة مثل ساحة الشهداء، والمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، والمركز الثقافي مصطفى كاتب. وقد تحولت هذه الأماكن إلى واجهات للتراث الجزائري، حيث تستضيف أنشطة تعكس أوجه الثقافة الأمازيغية المختلفة، بما في ذلك الحرف اليدوية والفنون التشكيلية والتقاليد المطبخية.
بالإضافة إلى ذلك، توفر الورش التفاعلية والمعارض التعليمية فرصة للمشاركين، خاصة من الأجيال الشابة، لاكتشاف المهارات التقليدية والقيم الثقافية التي تشكل الهوية الجزائرية. من خلال تنظيم هذه الفعاليات، تعزز ولاية الجزائر الرابط بين التراث والحداثة، مع الاحتفاء بالتنوع الثقافي.
قسنطينة: تكريم حيّ للتراث الحرفي
في قسنطينة، ركز برنامج يناير، الذي نظمته الدائرة المحلية للمكتب الوطني للثقافة والإعلام (ONCI)، على الحرف اليدوية والتقاليد الأمازيغية. يضم معرض الحرف اليدوية أكثر من 25 حرفيًا من مناطق مثل قسنطينة والبويرة، حيث يقدمون أعمالًا تتراوح بين الفخار والملابس التقليدية.
ووفقًا لعبد الغني صيفر، مدير غرفة الصناعة التقليدية والحرف، فإن هذا الحدث لا يهدف فقط إلى تعريف الزوار بالتراث الحرفي الأمازيغي، ولكنه يشجع أيضًا الشباب على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي للحفاظ على المهن التقليدية وتطويرها. وتتيح الورش العملية التي تركز على التطريز والخياطة والرسم على الزجاج للزوار فرصة لتعلم تقنيات الحرف اليدوية، مع تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذه المهارات.
تشارك مؤسسات ثقافية أخرى في المدينة، مثل المدرسة الجهوية للفنون الجميلة والمكتبة الرئيسية مصطفى نتور، في الاحتفالات من خلال تنظيم ورش للكتابة الأمازيغية، وأنشطة تتعلق بفن المنمنمات، ومعارض مخصصة للتقاليد القبائلية. كما يثري البرنامج عرض أفلام وثائقية أمازيغية، مثل “يوغرطة الثاني” لمقران آيت سعادة.
يناير: احتفال يوحد الأمة
إن يناير ليس مجرد احتفال ثقافي، ولكنه أيضًا حدث يرمز إلى وحدة وتنوع الجزائر. وكما أشار إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، فإن الهوية الجزائرية تقوم على ثلاثة أعمدة أساسية: العروبة، والأمازيغية، والإسلام. ويُعد هذا التعايش المتناغم بين مكونات الهوية ثروة تعزز قوة الجزائر.
من خلال تنظيم هذه الاحتفالات، تُظهر الجزائر ارتباطها العميق بتراثها المتعدد، والتزامها بنقله للأجيال القادمة. وتُظهر الأنشطة التي نُظمت في الجزائر العاصمة، وقسنطينة، وتيميمون ليس فقط ثراء الثقافة الجزائرية، بل أيضًا قدرتها على الجمع بين مكونات هويتها.
يمثل يناير هذا العام إرادة لتعزيز الرابط بين التراث والحداثة، مع التأكيد على الدور المركزي للثقافة الأمازيغية في الهوية الوطنية. ومرة أخرى، يعكس هذا الاحتفال كيف تتقدم الجزائر، الموحدة بقوة تنوعها، نحو مستقبل مشرق.
Hope & ChaDia