تواصل الجزائر توسيع آفاقها الاقتصادية من خلال تركيز جهودها على قطاع الزراعة، الذي أصبح يشكل ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز مكانتها الاقتصادية. في عام 2024، حقق القطاع الزراعي الجزائري إيرادات بلغت 37 مليار دولار، وهو ما يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضعه في مقدمة القطاعات الاقتصادية الرائدة بعد الصناعات النفطية.
هذا التطور الكبير يعكس رؤية الرئيس عبد المجيد تبون، الذي أكد أن “سلاح الغذاء” ليس مجرد أداة للاكتفاء الذاتي، بل هو وسيلة استراتيجية للتموقع الجيوسياسي. وقد دفع هذا التوجه الحكومة الجزائرية إلى توفير قروض زراعية مدعومة للمزارعين الصغار والكبار، بهدف زيادة الإنتاجية ومواجهة تحديات السوق العالمية.
الجزائر تسابق الزمن لتحقيق الاكتفاء الذاتي
أكد تبون أن الجزائر لن تستورد القمح الصلب في عام 2025، مشدداً على ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد على الواردات. يندرج هذا القرار ضمن خطة أوسع لتعزيز القطاع الزراعي، الذي يوظف حوالي 2.6 مليون عامل ضمن 1.6 مليون مشروع استثماري، ما يجعله محركًا أساسياً للنمو الاقتصادي.
على مدى العقد الماضي، سجل القطاع الزراعي الجزائري نمواً بمعدل 2.7%، ما جعله ثاني أهم قطاع بعد الصناعات النفطية. كما نجحت الجزائر في تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 75% من احتياجاتها الغذائية، إلى جانب تصدير 160 منتجًا زراعيًا مختلفًا.
استثمارات ضخمة لتحويل الصحاري إلى مزارع
استثمرت الجزائر أكثر من 30 مليار دولار بين عامي 2000 و2018 في مشاريع استصلاح الأراضي الزراعية، بهدف تحويل مساحات شاسعة من الصحراء إلى أراضٍ منتجة. وقد تم تخصيص 40% من المساحة الزراعية لزراعة الحبوب، ما أسهم في إنتاج 41.2 مليون قنطار من الحبوب عام 2017.
لم يتوقف الدعم الحكومي عند هذا الحد، بل تم إطلاق مبادرات لتزويد المزارعين بالمعدات الحديثة مثل الجرارات والحصادات وأنظمة الري المتطورة، إضافةً إلى تحفيز الصناعة المحلية لإنتاج المعدات الزراعية تحت شعار “صنع في الجزائر”.
تحديات الجفاف واستراتيجيات المواجهة
رغم النجاحات المحققة، يواجه القطاع الزراعي الجزائري تحديات مناخية صعبة، حيث تصنف الجزائر في المرتبة الثامنة عالميًا من حيث التأثر بالجفاف، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. كما يعاني نحو 10% من السكان من شح المياه، مما يزيد من صعوبة توسيع الرقعة الزراعية.
ولتجاوز هذه العقبات، تعمل الحكومة على تطوير أصناف نباتية مقاومة للجفاف، وتعزيز الاستثمارات في حصاد المياه وتقنيات الري الحديثة. كما تم إطلاق شراكات مع منظمات دولية مثل اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا) والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، بهدف تحسين مرونة القطاع الزراعي.
الجزائر تنافس على الصدارة الإفريقية
تسعى الجزائر إلى تعزيز مكانتها كقوة زراعية إفريقية، في منافسة مباشرة مع نيجيريا ومصر. ويتمثل الهدف في تحويل الصحراء الجزائرية إلى “سلة غذاء” للمنطقة، من خلال استصلاح 3 ملايين هكتار من الأراضي القابلة للزراعة.
إلى جانب التركيز على تطوير الزراعة التقليدية، تتبنى الجزائر استراتيجية متكاملة تقوم على توظيف الذكاء الاصطناعي والبحوث العلمية لتحسين الإنتاجية، وتعزيز عمليات التصنيع الزراعي لرفع القيمة المضافة للمنتجات.
هل تنجح الجزائر في تحقيق حلمها الزراعي؟
مع استمرار الاستثمارات والتوسع في المشاريع الزراعية، تبدو الجزائر على الطريق الصحيح لتكون لاعبًا رئيسيًا في السوق الزراعية الإفريقية. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في القدرة على مواجهة التقلبات المناخية وضمان استدامة الموارد المائية.
فهل ستنجح الجزائر في إزاحة نيجيريا ومصر من صدارة المشهد الزراعي الإفريقي، وتحويل القارة السمراء إلى مزارع جزائرية؟ الأيام وحدها ستكشف عن مدى قدرة البلاد على تحقيق هذا الطموح الكبير.
Hope&ChaDia