بين الجزائر ومالي، لم يعد هناك شك في خيار موسكو: روسيا تفضّل اليوم تعزيز التعاون العسكري مع الجزائر على حساب باماكو، التي تزداد عزلة يوماً بعد يوم.
خلال الأسابيع الأخيرة، كشف تقرير نشره الموقع العسكري المتخصص أفيون ليجندير عن قرار لافت: موسكو رفضت تسليم طائرة جديدة لمالي، وجمّدت بذلك مستقبل الشراكة في مجال الطيران القتالي. قرار لا تقف خلفه اعتبارات تقنية، بل يحمل بُعداً سياسياً بامتياز.
يأتي هذا الرفض في ظل تصاعد التوترات بين الجزائر ومالي. بالنسبة لموسكو، الجزائر شريك استراتيجي من الطراز الأول: جيش عصري، عقود تسليح كبرى، مكانة إقليمية ودولية تعزز مصالح روسيا في المتوسط وشمال إفريقيا.
في المقابل، لا تملك مالي سوى سوق عسكري محدود، يعتمد على طائرات تدريب قديمة، مع ارتهان متزايد لشركة فاغنر، وسلوك دبلوماسي بات يثير قلق الكرملين.
الدبلوماسي الروسي السابق فياتشيسلاف ماتوزوف، وفي مقابلة مباشرة من موسكو، كان واضحاً: « روسيا لا تسعى إلى تأجيج التنافس الإقليمي في إفريقيا. علاقاتنا مع الجزائر استراتيجية وتاريخية. أما مع مالي، فنحن نُفضّل الاستقرار، ولسنا بصدد سباق تسلح في مواجهة شركائنا الجزائريين. »
وأشار أيضاً إلى أن « الرواية الفرنسية » التي يروّج لها هذا التقرير العسكري منحازة: « باريس، بعد أن أُقصيت من منطقة الساحل، تحاول خلق فكرة مؤامرة روسية ضد مالي، للتغطية على فشلها. »
في الحقيقة، تقوم السياسة الروسية في إفريقيا على مبدأ بسيط: دعم استقلال دول الساحل في وجه الاستغلال الغربي، دون جرّها إلى صراعات إقليمية. وفي هذا الإطار يأتي التقارب المتزايد مع الجزائر. الجزائر، كعضو فاعل في العالم العربي وركيزة أساسية في المتوسط، تُمثّل لموسكو شريكاً مستقراً وموثوقاً، بعيداً عن هشاشة باماكو.
الرسالة إذن واضحة: موسكو لا “تعاقب” مالي خدمةً للجزائر، بل تختار ببساطة شريكاً استراتيجياً يعزز حضورها في المنطقة. إنها إشارة قوية لكل اللاعبين في الساحل.
للتأمل…