هو أحد أعمدة الفن الأوراسي، كما يعتبر رمز الأصالة الشاوية، صوته الجوهري عبر الحدود الجزائرية حيث كان أول إفريقي و عربي و شاوي يعتلى مسرح الأولمبيا الشهيرة بباريس في عام 1936، إنه مرزوق عيسي بن رابح المعروف بعيسي جرموني الذي ولد في سنة 1885 بقرية سيدي رغيس في عين البيضاء بولاية أم البواقي و لكن تعود أصوله إلى شرق ولاية خنشلة بعد أن قام والديه بالرحيل من الولاية و ذلك بسبب قيام الاستعمار الفرنسي بمصادرة أراضيهم.
و تربى الجرموني في أسرة فلاحية بسيطة و قد توفي والده و هو في سن صغيرة، و مارس الرعي منذ طفولته حيث لم تسمح له الظروف المعيشية في الحصول على تحصيل علمي فكان لا يعرف القراءة و لا الكتابة، تميز منذ صغره بالصوت القوي و العذب و الإحساس المرهف، و في شبابه كان يغني للرعاة و المزارعين في الحقول، بعدها تم استدعائه للغناء فيما يسمى “بالتويزة” التي تستقطب العديد من فلاحي المنطقة و ذلك حتى يؤنس بصوته العاملين والحاضرين و حتى ينسيهم تعبهم كونهم كانوا يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، فبدأ اسمه يتردد بين الألسنة ليذاع صيته بعدما سحر بصوته القوي سكان المنطقة.
و في عام 1910 دخل عالم الغناء حيث قام بتشكيل فرقته المكونة من الحاج محمد بن زين ومليود قريشي فجاب العديد من المدن، و في عام 1933 قام بتسجيل أوّل اسطوانة له باستوديو “وردة فون” بتونس، حيث قام أحد اليهوديين الجزائريين القاطنين بتونس و هو “هارون الهوزي” بتشجيعه و مساعده على إيصال صوته إلى العالمية، فكان من الأوائل الذين ولجوا قاعة “الأولمبيا” في باريس في 1936، فطلب الجرموني خلال الحفل أن يتم ابعاد الميكرفون عنه لقوة صوته، فأذهل الأجانب بصوته الجوهري كونهم لم يعتادوا على هذا النوع من الأصوات القوية و الصاخبة، كما أن هذا الحدث التاريخي يعد مفخرة للجزائر وللشاويين حيث شكل مجدا وانتصارا للجزائر خاصة وأنه في تلك الفترة كانت الجزائرتحت وطأة الاستعمار الفرنسي فقام الجرموني بمخاطبتهم بكلمات مدوية كالمدفع للتعبير عن الحرية فقال في أحد المقاطع التي غناها في الأولمبيا: “أحنا شاوية لا تقولوا ذلو جينا حواسه و نولوا” و قد كانت هذه الأغنية سببا في طرده من فرنسا.
وتأثر الجرموني بالشيخ عبد الرحمان الزواوي الذي ذكره في العديد من أشعاره وأغانيه، كما كان من المدافعين عن القضية الجزائرية حيث عرف بمواقفه المناهضة و الرافضة للاستعمار الفرنسي و للقوانين التي فرضها مثل الخدمة العسكرية و الضرائب، حيث قام بتنظيم أغنية تحرض الشباب على التمرد، ورفض هذا الوضع و ذلك في أغنيته “الفوشي”، كما تطرق في أغانيه إلى الحب، الغربة، الوطنية، النضال، الموت…، ورغم أن الجرموني أدى العديد من الأغاني، إلا أنه لم يسجل سوى حوالي 35 عمل و التي منها الفوشي، عين الكرمة، بقاو بسلامة، أنت رقيقة…
و توفي الجرموني يوم 16 ديسمبر 1946 بعمر 61 عاما، تاركا ورائه أغاني تجوب كلماتها كل أنحاء الجزائر و التي ترددها و تتداولها مختلف الأجيال إلى يومنا هذا.
http://jow.news/ + مصدر : يوتيوب