أجمع مشاركون في ندوة تاريخية نظمها متحف المجاهد، أمس، بمناسبة الذكرى 138 لوفاة الأمير عبد القادر على أهمية الوحدة الوطنية وبعدها الاستراتيجي في مقاومة الأمير والتي ترسخت عبر الأجيال إلى أن أصبحت أولوية في المبادئ التي قامت عليها ثورة نوفمبر، وتجسدت في بدايات وضع أسس الدولة الجزائرية الحديثة تحت قيادة الأمير الذي وحد كلمة الجزائريين تحت راية الجهاد والتأسيس.
شارك في هذه الندوة، التي نظمت بالتنسيق مع مؤسسة الأمير عبد القادر بعنوان “الأمير عبد القادر الإنسان والمجاهد“ وشعار “حكمة الأمير في زمن الأزمة“، مؤرخون استعرضوا جوانب مهمة من حياة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وتجربته في توحيد عروش وقبائل الجزائر وحيثيات معاركه التي خاضها ضد الفلول الأولى للاستعمار الإستيطاني الفرنسي. واستعرض الدكتور دحماني تواتي، الذي أدار الندوة، مراحل جهاد الأمير ومواجهته لأكثر من 100 ألف عسكري فرنسي بقيادة المجرم بيجو الذي أباد قبائل بأكملها في طريق زحفه الاستدماري، إلى غاية مواجهته، لغدر وخذلان الأشقاء وعلى رأسهم أمير المغرب الأقصى الذي نعته بـ“المتسبب في المشاكل“ ولكن ذلك لم يمنعه من تحمّل كل الصعاب ومواجهتها، حاملا راية لمّ شمل القبائل لمواجهة العدو الغاصب.
وقد تمكن ابن محي الدين رغم كل ذلك من إرساء أسس الدولة الجزائرية بحدودها التي لا تقبل التجزئة، بشعبها الواحد، معتمدا عامل البناء والعصرنة مقتديا في ذلك بتجربة، محمد علي باشا الذي زاره في القاهرة ووقف خلالها على نهضة مصر. وأكد الدكتور مزيان سعيدي، الذي قدم مداخلة بالمناسبة، أن الأمير دخل التاريخ العالمي بفضل مهارته الدبلوماسية وحنكته العسكرية ونظرته الاستراتيجية ولكن ذلك لم يشفع له لأن تعطيه المدرسة الجزائرية حقه انطلاق من ثقله ودوره وزرعه لأولى بذور الجهاد في وجه المحتل الفرنسي. وتطرق هو الآخر إلى دوره في إعادة بناء الدولة الجزائرية الحديثة، التي كانت قائمة منذ سنة 1671 ولكنه حرص على أن تكون جزائرية، قوة ذات سيادة لا أتراك فيها ولا غيرهم، حيث شكل مجلس شورى ضم 12 عالما جزائريا بـ8 ولايات وحكومة من 5 وزارات سيادية، حيث اعتمد الزكاة كمصدر أول للتمويل، واضعا بذلك مبادئ الدولة الجزائرية ومحددا قيمها، التي تبناها فيما بعد جيش التحرير ضمن 10 مبادئ منها مراعاة القيم والتكفل بالأسرى.
وحرص الأمير في سياق هذه الرغبة على وحدة الأمة الجزائرية وحماية ترابها، حيث قاد 30 معركة كبرى بمجاهدين جزائريين جابهوا العدو الآتي من وراء البحر. وأسهب الأستاذ عمار بلخوجة، المؤرخ المتخصص في جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر، من جهته في الحديث عن الأمير الذي قال إنه اكتشف مسيرته مبكرا من خلال كتابات مصطفى لشرف ومحمد الشريف ساحلي. وتوقف المؤرخ عند شهادات حتى أعداء الأمير الذين عايشوه وانبهروا بأخلاقه السامية وأقروا بكونه رجل دولة مقتدر سبق ساسة أوروبا في كثير من القيم والمفاهيم السياسية.
وكانت الندوة مناسبة لتدخل بعض الحضور في النقاش كان في مقدمتهم، محمد ياحي ممثل وزير المجاهدين الذي أشار في رسالة قرأها إلى ضرورة ”تخليد هذا الرمز الوطني مثله مثل كل رموز هذا الوطن والتي كان لها شرف صنع مجد أمة جزائرية رفضت الخضوع بما يتوجب حفظ ذاكرتهم وصونها استخلاصا للعبر. وأضاف أن الأمير عبد القادر رفض لقب السلطان واكتفى بالأمير تيمنا بإمارة الجهاد فقط مؤمنا بوحدة شعبه، لذلك انضمت إليه القبائل وسارت تحت إمرته فقاد الإصلاح من الداخل محاربا الآفات والفساد والبذخ والميوعة لينطلق نحو بناء الدولة الوطنية الموحدة.
وتم بالمناسبة عرض شريط وثائقي بعنوان “استرجاع رفات الأمير“ من إنتاج مصلحة السمعي البصري لمتحف المجاهد عرض خلاله مراسم استقبال جثمان الأمير من دمشق في 4 جويلية 1966 عشية ذكر الاستقلال الرابعة، بحضور رسمي وشعبي ضخم وبث الكلمة التأبينية التي ألقاها الرئيس الراحل، هواري بومدين، وكذا حفل توديع الجثمان في دمشق بحضور الرئيس السوري.
مريم ن
el-massa.com 26.05.2021