تخفي ولاية قالمة كنوزا تعود إلى عصور وحضارات غابرة تشهد على ماضي هذه المنطقة العريق، فهي تُعد قطبا من أقطاب السياحة في بلادنا، لما تزخر به من كنوز سياحية. ومن أهم المواقع السياحية التي تشهدها الولاية وتستقطب السياح في فصل الربيع وأصبحت قبلة خلال هذه الأيام، المدينة الأثرية “تيبيليس” ببلدية سلاوة عنونة، على بعد حوالي 30 كلم غرب عاصمة الولاية قالمة، خاصة بعد تعبيد الطريق المؤدي إليها وإطلاق عملية ترميم لأبوابها العملاقة وتنظيف أرصفتها وشوارعها، ووضعها تحت الحراسة. وتشهد المدينة الأثرية توافد مئات السياح من طلبة وباحثين ومهتمين بالتراث المادي القديم منذ بداية حلول الربيع للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الجميلة وبقايا الحضارة الرومانية العريقة التي عمرت المنطقة، وكذا الاطلاع والبحث في بقايا حضارة عريقة. كذلك الحديقة الأثرية “كالاما” بقلب مدينة قالمة وبجانبها “المسرح الروماني” الذي يقع في الجهة الغربية للمدينة، بُني في فترة حكم الإمبراطور سبتموس 198-211، بَنته الراهبة آنيا إيليا ستيتيرتا، وقد كلفها ذلك 400 ألف سيستر (عملة رومانية)، وهو مسرح يتسع لحوالي 4500 مشاهد، وكان مخصصا لعروض مسرحية وفنية، وتم تصنيفه سنة 1900.
المسرح الروماني في قلب مدينة قالمة
ويتوافد السياح من داخل الولاية وخارجها وحتى من خارج الوطن، بدافع الفضول وحب الاستكشاف للآثار الرومانية التي تزخر بها ولاية قالمة، بعد ركود سنوات طويلة مع إهمال كلي للمواقع الأثرية المعروفة، منها الرومانية، البيزنطية والفينيقية
لمتجول بالحديقة الهادئة يمكنه رؤية التحف الأثرية القديمة، و يستمتع بإبداع هندسي راق خلد الفكر البشري منذ آلاف السنين، و لم تنل منه عوامل الطبيعة و الزمن، لكن يد الإنسان امتدت إليه بسوء و كادت أن تدمر إرثا حضاريا عريقا في زمن الفوضى، و الإهمال الذي طال المواقع الأثرية بالجزائر.
قطب حموي بامتياز
تشتهر ولاية قالمة بالسياحة الحموية لوجود عدة منابع للمياه الساخنة بدرجات متفاوتة تصل إلى97 درجة مئوية، تقول مديرة السياحة بقالمة ماجدة زنادي أن “قالمة تتوفر على 10 منابع حموية منها 05 منابع مستغلة بطريقة تقليدية وتابعة للبلديات وهي بلدية حمام الدباغ المقصودة من كل ولايات الوطن وحتى خارج الوطن، بحيث يوجد بها المعلم الطبي المشهور والذي يجذب السياح “الشلال”، كذلك بلدية هيليوبوليس بقرية حمام أولاد علي الذي يتوفر على مركبين سياحيين لخواص، بالإضافة إلى بلدية عين العربي، حمام بلحشاني وحمام قرفة وهو حمام تقليدي”.
حمام دباغ أو حمام المسخوطين
حمام الشلالة او حمام الدباغ (حمام المسخوطين)
وتضيف المتحدثة أن “هناك من يتحدث عن منابع عديدة موجودة في أماكن أخرى ربما غير معروفة أو غير مستغلة”، موضحة أنه “يجب الاعتماد على دراسة استغلال هذه المنابع الحموية خاصة أن هناك بعض الإشكاليات منها أن هذه المنابع تكون داخل أراض تابعة لخواص. ومن أشهر هذه الحمامات، حمام “المسخوطين” الجوهرة السياحية للولاية الذي يقع على بعد حوالي 22 كلم غرب عاصمة الولاية قالمة، ويتميز بالهدوء والمناظر الطبيعية الخلابة وكثافة الغابات، حمام “الشلالة” بقالمة الذي يمتاز بخصائص علاجية كبيرة، في ذلك يقول الدكتور أحمد بلعيطر مختص في التداوي بالمياه الحموية ومياه البحر بمركب حمام “الشلالة” وعضو في المنظمة العالمية للتداوي بالمياه الحموية، أن “قالمة تتوفر على العديد من الينابيع الحموية، ويعود الإحصاء الوحيد لعدد المنابع الحارة بها إلى سنة 1983 بعد الدراسة المنجزة من طرف المؤسسة الوطنية للدراسات السياحية والتي توصلت حينها إلى جرد ما يقارب 15 منبعا معدنيا منتشرا ببلديات حمام الدباغ وهيليوبوليس وعين العربي وحمام النبايل وبوحشانة، وتتراوح نسبة تدفق الواحد منها بين 6 لترات و25 لترا في الثانية”، وتتوفر ـ حسب المختصين ـ على مواصفات كيميائية مفيدة لعلاج عدة أمراض، منها الجلدية، أمراض المفاصل، الأعصاب ومشاكل التنفس، الأذن والحنجرة وغيرها. ويتميز حمام “الشلالة” بخصائص علاجية متميزة نظرا لنوعية المياه وجوٌه اللطيف، كما تنفرد مياهه الجوفية بحرارة 96 مئوية ومياهه تنبع من باطن الأرض وهي ساخنة جدا، وسمي بالشلال لأن مياهه تكون ساخنة متدفقة ويفوق تدفقها 6500 لتر في الدقيقة، وتتكون المياه من الكالسيوم والمغنيزيوم وأيضا الصوديوم والكبريت والكلور، إلى جانب السلفات والبكربونات وأيضا النتريل والنترات المفيدة في علاج أمراض الروماتيزم والعظام والمفاصل وضغط الدم وأمراض الجلد وآلام الظهر، وحتى أمراض النساء وغيرها، حيث تشير الدراسات المختصة إلى أن جوف الأرض تحت حمام “الشلالة” يشكل بحرا حقيقيا من المياه المعدنية شديدة السخونة، وقد تم تصنيفه رفقة حمام “أولاد علي” ضمن المحطات المعدنية في الولاية التي تستقبل آلاف الزائرين من مختلف ربوع البلاد، وتحظى منطقة حمام الدباغ وحمام أولاد علي بحصة الأسد من الإقبال من طالبي الاستشفاء والراحة، منهم القادمون من بلديات الولاية المداومون على الاستحمام أو الذين يقطعون مئات الكيلومترات من أجل الارتماء بين الأحضان الدافئة للحمامات الموجودة بالمنطقة.
وعن استغلال هذه المنابع، يقول بلعيطر بأن بلدية حمام الدباغ وحدها تتوفر على 6 منابع، منها 4 منابع مستغلة ومنبعان غير مستغلين، ومن بين المنابع الأربعة المستغلة، يوجد المنبع المعروف بحمام “الشلالة”، وهو مركب عمومي للتكفل بالعلاج الطبي يتوفر على إقامة حموية ومصلحة طبية، بالإضافة إلى منبع عين الشفى المستغل من طرف مركز للراحة، منبع ابن ناجي المستغل من طرف الخواص وهو خاص للاستحمام التقليدي، حمام الدروج المعروف بالمحطة القديمة، مستغل من طرف مؤسسة عمومية للتسيير السياحي، إلى جانب منبعين لم يتم استغلالهما بعد للعلاج.
أما حمام “أولاد علي” المعروف بـ(حمام البركة وبوشهرين) فيعد من أبرز المراكز العلاجية في الوطن، يحتوي المركب على مراكز العلاج الطبيعي مثل التدليك المائي والتنفس والتنشق، إلى جانب التدليك بالأيدي والعلاج الميكانيكي، كما يوجد علاج فيزيائي مثل العلاج الكهربائي. ويتوفر حمام “أولاد علي” أيضا على 4 ينابيع حموية، حيث توفر المركبات الراحة والهدوء للسياح، ومياه حمام “البركة” وحمام “بوشهرين” تنبع من باطن الأرض، حيث تبلغ درجة حرارتها 57 درجة مئوية وتتكون من المغنزيوم والكربونات والسلفات والصوديوم، وأيضا الكلسيوم والبوتاسيوم. وتفيد في معالجة أمراض التهاب المفاصل وأمراض الأعصاب والأمراض العصبية النفسية والرئوية من ربو والزلة الرئوية وأمراض الأنف والأذن والحنجرة وكذا الأمراض الجلدية. ويوجد منبعان مستغلان من طرف المركبين بحيث يتوفر حمام “البركة” على مصلحة طبية خاصة للعلاج، بينما حمام “بوشهرين” لا توجد به مصلحة طبية، فيما يستغل للاستحمام التقليدي.
مركب البركة حمام اولاد علي قالمة
ويوجد ببلدية ودائرة حمام النبايل، منبع معروف بحمام “الطاهر” المستغل للاستحمام التقليدي، ولهذه الحمامات المعدنية تحاليل فيزيوكيميائية تستغل عن طريق الإرشادات الطبية لفائدة المرضى، مما يجلب السياح للاستحمام والتداوي بالمياه المعدنية، ويوضح الدكتور بلعيطر أنه يتم التكفل بجميع الأمراض في الحمامات المعدنية وفق معايير مضبوطة، لأن درجة المنبع لها تفسير علمي، بحيث يتم معالجة بعض الإصابات في مركب حموي، كما يمكن معالجتها خارج المحطة الحموية، لكن ربحا للوقت يمكن شفاء المريض في مدة قصيرة داخل المحطة الحموية.
الڨلتة الزرقاء بحمام النبائل ولاية ڨالمة
وعلى بعد35 كلم غرب عاصمة الولاية، وعلى بعد 15 كلم شمال دائرة حمام الدباغ، تقع “المقبرة الميغاليثية” المزار الأثري ببلدية الركنية ويوجد بها 3 آلاف قبر جنائزي تتراوح بين 80 سم إلى 3 أمتار طولا وبين 50 سم إلى 1.70 مترا عرضا، وهي مملوءة بعظام الموتى وبقايا هياكل بشرية عثر عليها سنة 1867، حيث عثر على 37 هيكلا عظميا وجماجم للسود وجمجمة لامرأة مصرية، كما عثر بها على 148 آنية