98
الظاهر أن السيد دريانكور سفير فرنسا ببلدنا، الى غاية منتصف 2020, لا يلتزم بأي من قواعد التحفظ المتعارف عليها في الاعراف الديبلوماسية، و لا حتى بذرة من مراعاة المصداقية الشخصية في سرد الامور، و الحكم الاحادي على النوايا اتجاه الجانب الجزائري.
لم احضر مقابلاته و تعاملاته في الحقببة التي سبقت سنة 2020, ولا يمكنني تصديق او تكذيب قطعي لما جرى بينه و بعض المسؤولين في تلك الحقبة الغير سوية من تاريخنا المعاصر، و ربما هو على حق في ما يخص شخص بعينه او قلة من الاشخاص الغير معنيين بمصالح الأمة قبل ما يرونه مصالحهم الوهمية مع بلده.
أما في ما يخص ما كانت عليه العلاقات في سنة 2020, و انا متأكد انها على نفس المسار، و الا ما تمعن في التهجم على الجزائر تاريخا و مؤسسات.
فلدي معه تجربة تثبت انه يكذب في ما ذهب اليه على عدة اصعدة و ملفات، خاصة ملف التاشيرات التي يستعملها هو كاداة ابتزاز و طعم ساذج لمن يضنهم مغفلين، بحكم انهم افارقة.
لقد طلب مقابلة مع وزير الصناعة في اولى ايام وصولي الى المنصب، و لم يستقبل الا بعد استقبال عدة سفراء لدول اخرى حتى من اوروبا الغربية، التي تتماشى و مصالحنا المشروعة في بعث اقتصاد حقيقي يخدم الوطن اكثر من بلده.
و عند استقباله، ابدى امتعاضه لذلك، و ذكر أن طلبه مرت عليه أشهر ، و كان الجواب أن طلبه يستند لاجندته، و قبولنا لاجندتنا نحن.
و كانت لديه عدة ملفات غير متفق عليها و من بينها نزاعات اقتصادية و قانونية محضة، كنا نرى أنها كلها في مصلحتهم المادية، و في حقنا القانوني و الاخلاقي معالجتها بما يتمشى مع مصالحنا و رؤانا في المستقبل.
و لم يكن لديه اي سند قانوني او تقني للدفاع على تلك الملفات الغير سوية و الموروثة من زمن، الظاهر انه كانت له و لهم فيه اليد العليا في تسيير بعض الامور.
و دون الدخول في التفاصيل التي يعلمها هو و من له علاقة بذلك من كلا الجانبين، لم يكن له الا الاستنجاد بما يتهم الطرف الجزائري الآن باستغلاله كما يسميه ملف الذاكرة، و بما يضنه ذي اهمية قسوى عندنا و هو ملف التاشيرات.
في ما يخص ملف التاشيرات، اعربت له عن استغرابي ان يطرح لوزير لا علاقة له بالملف بتاتا، و في سياق حديث على ملفات متنازع عليها ماليا و قانونيا، و لا علاقة لها بتنقل الاشخاص في الاتجاهين،
و كان هو من يستعمل الملف كطعم او مراوغة، و ليس الطرف الجزائري مهما كان، و الظاهر أن حتى ما قاله عن ما سبق من طلبات تاشيرات، مشكوك فيه، او منبثق عن نفس محاولة ربط طلباته بتاشيرات كرشوة جماعية او فردية، لمن يرى في بلده مركز الارض على حسب زعمه.
اما ما يسمى بملف الذاكرة، او ما ذكره كماض مشترك، و خصوصية العلاقة،”la spécificité de notre relation”, et le passé commun.
فكانت الاجابة ان ذلك “الماضي المشترك”، لا يخدم المستقبل في العلاقات بيننا باي حال، و خاصة حل تلك الملفات، الا من باب التسليم ان ذلك الماضي مستمر و ليس ماض.
و أن المقابلة قبلت من جانبنا على اساس حديث عن ملفات عالقة مع ممثل لدولة ذات سيادة ككافة الدول الاخرى لا اكثر و لا اقل، من طرف دولة ذات سيادة، و لو ذكرني بذلك الماضي في بداية المقابلة لانتهت في حينها دون الدخول في التفاصيل.
حاول اسناد طلباته الى انها استكمال لما اتفق عليه من قبل مع مسؤولين محليين، و كان الجواب أن ما اتفق عليه في اطار القانون في ذلك الوقت له سند شرعي، و ما اتفق عله خارج ذلك الإطار لا يلزم الا المتفقين عليه شخصيا، و يلزمهم كلهم اتجاه الدولة الجزائرية بالمسائلة او التعويض، و تغيير الوضع في ما يخص الطرف الفرنسي.
و حاول بعد ذلك اخذ تصريح في ما يخص رأينا عن المسؤولين الذين سبقوا، و اتخذوا اجراءات تخدم الشركات الفرنسية المعنية بتلك النزاعات.
بالقول: si j’ai bien compris monsieur le ministre vous pensez que vos prédécesseurs avaient tout faux?
و كان يريد او ينتظر نقد لاشخاص المسؤولين المعنيين من مسؤول جزائري.
فكان الجواب أنهم ربما تعاملوا مع شركات بلده و بلدان اخرى، بعادة حميدة محلية تحولت الى عادة سيئة مع مرور الوقت، و هي ان عندما يكون موسم الحصاد خصب، نقيم اعياد و وعدات يمكن حتى للغرباء الاغتراف من القصعة المحلية.
و ان الوعدة قد انتهت ان لم يشعر بذلك. و بصريح العبارة بالفرنسية.
“C’était la fête au village, et la fête est finie monsieur l’ambassadeur”
وكانت آخر الكلمات في ذلك اللقاء المكهرب مع هذا الشخص.
و الظاهر انه اعادها كما سمعها لوزيره الذي ذكر بها اطارا ذهب لينوب عن شخصي في لقاء لم يحضره نضيري الفرنسي، بنفس التعبير حرفيا، و نال التأكيد على ذلك كجواب.
و عن ذكر بعض الجزئيات، فاستطيع القول انه شخص فج، و لا يحترم حتى ادب الضيافة، كمن يضن نفسه في بيته و لا يحترم الضيوف.
فبمجرد الجلوس رفع رجله على ساقه و اظهر قاع حذائه في وجهنا، و ما كان لنا الا المعاملة بالمثل، و بما انه قصير القامة لم يفلح في تلك الجزئية و جلس بطريقة اكثر احتراما عندما استفاق لامتعاضنا منه و من ذلك.
و بالعودة الى ما ذهب اليه عن تاريخ الجزائر الحديث و حالتها في منضوره الشخصي.
فسقوط الجزائر غير وارد، و على العكس من ذلك، لو كانت على وشك السقوط لما قال ذلك، خاصة ان سقطت في جعبة مصالح بلده، و لا يهمه ان كانت الجزائر ذاهبة الى السقوط الا من باب في حجر من ستسقط.
و في نفس المقابلة، ذكرني انه كسفير ما يهمه و من مهاهمه الدفاع عن مصالح فرنسا و شركاتها، و اعترفت له بذلك الحق و الواجب، شرط ان يتذكر ان من مهامي و اهتمامي مصالح بلدي، و إن ذهبت بذلك مصالحهم الى غير رجعة، فغير مأسوف عليها، و العالم واسع و عامر بالفرص و الشركاء.
و تطرق الى مواضيع خارج جدول المقابلة، كالحراك و الاستقرار، و كان الجواب انه يتكلم مع احد من كانوا في اوائل الحراك قبل ان يدخلوا هو و امثاله على الخط لتحويل الوجهة، و ان من مطالب الحراك اعادة النظر في بعض السياسات العرجاء، و هو ما نحن عليه في الملفات المطروحة.
اما في قضية الاستقرار، فكان الجواب انه ليس من صلاحياته التدخل في شأن داخلي، و لا من صلاحياتي الكلام في هذا الموضوع، و الاستقرار ان لم يزعزع في التسعينيات بتكالب كل الاطراف علينا من كل حدب و صوب، فلا خوف عليه في ضل دولة تحضى باحترام الجميع، الا قلة من من لا تروق لهم الا وهي خاضعة للابتزاز.
و ان آخر من له فائدة في زعزعة الاستقرار في بلدنا هو بلده بالضبط، و ذكرته بمقولة فلاق، si par un quelconque malheur on coule, vous coulez avec nous.
وربما هذا ما جعله يكتب ان سقوطنا سيسقط فرنسا، و ذلك حقيقة في شطره الثاني و ليس الاول.
اما ذكر سقوط الجمهورية الرابعة في1958, جراء الثورة الجزائرية، فذلك حقيقة اريد بها باطل.
لان سقوط تلك الجمهورية الرابعة، لم يكن بعد سقوط الثورة، بل دليل قوتها و نذير انتصارها.
و كان ذلك في منفعة حتى فرنسا، لان الجمهورية الخامسة بقيادة الجنرال دي غول، هي من اخرجت فرنسا من الناتو و التبعية لامريكا، و عززت قدراتها الصناعية و العسكرية.
و لو استمرت الجمهورية الرابعة لما اصبحت فرنسا قوة نووية، بحكومات هزيلة و متناحرة، تسقط كل سنتين، و لا خطة لها في اي مجال، كالحكومة الفرنسية الحالية بالذات.
اما ما قاله اننا نأمن بالقوة، فهو حقيقة محرفة، لاننا نؤمن بميزان القوى لترجيحه لصالحنا، و ليس بالقوة، و علمنا التاريخ المرير، ان القبول بتنازلات او امتيازات و نحن اقوياء، يضعفنا اولا، و لن يشفع لنا عند هذه الاشكال عندما نضعف،
فقد هجموا علينا لاننا كنا مدينين لهم بالغذاء في وقت شدتهم، و انقلبوا علينا في وقت استرجاع الدين و نحن كنا قد ضعفنا.
هذا السفير و من سبقه و تلاه، يأمنون بأن ما يمكن الاستيلاء عليه بسذاجة الآخرين، يجنب استعمال القوة الى بعد عد حين، و ما لا يمكن الاستيلاء عليه بتلك الطريقة الفجة، يفتح المجال لاستعمال القوة او التلويح بها لعلا و عسى تخيف الضحية المفترضة.
الا ان غرقه في منطق بائد، حجب عليه امر هام، و هو أن ميزان القوة قد انقلب في قرنين، و من كل النواحي الموضوعية و المادية و غي كل العالم و الجزائر خاصة بالنسبة لبلده.
الا ان آخر و أخطر سلاح في يد دريانكور و امثاله، هو من يرى الامور من زاويته من بني جلدتنا، و يشجع هؤلاء على ما هم عليه من عدوانية، باعتبارهم حقيقة شركاء، او اصدقاء.
خاصة من من يعتبرونهم كنجدة في اطار حقوقهم الشخصية التي يرون تقصيرا فيها عن حق او افتراء من اخوتهم في الوطن، او من يتحججون بالجالية في المهجر، لدفع جزية محلية عن تواجدها هناك،
و اخطر من ذكرهم، و هم موجوون في كل الطبقات، من من يرون ان مركز العالم فرنسا، بحكم العادة و عدم تمكنهم من اية لغة اخرى تفتح لهم آفاق العالم الواسع و الرحب.
و تصريحات زميله في المتاهات بوريل في بروكسل دليل على ذلك، فهم يرون قارتهم حديقة و قارتنا ادغال متوحشة، تصلح لاصطباد الوحوش و استغلال الحيوانات الاليفة.
و من تلك الحيوانات الاليفة على سبيل الاحصاء و ليس الحصر، ذلك المعارض الابدي، المشحون بعبارات غير قابلة للتطبيق، التي يرتلها اتباعه كآيات من حكيم جديد.
و الذي يرى ان هذا السفير صديق للشعب الجزائري، كان العداء للدولة الجزائرية، يعتبر عربون صداقة للشعب الموضوع عنوة في خانة الخصومة الازلية مع دولته، و الصداقة المشبوهة من اعداء الأمس، بحكم اعتلاء هذه الاشكال منابر المعارضة بحكم الاقدمية في التهريج و الفشل.
كمن خرج علينا للدفاع عن سفير فج و مبتز، بتكرير نفس عباراته في خرجته الاخيرة، و حتى بعض العبارات التي لم ترد الا في لقائي به، كاحقيته في الدفاع عن شركات و مصالح بلده.
كان دريانكور بحاجة الى محامي محلي، لتثبيت حقوقه الحصرية على قوت اولادنا، ينطق من قلب فرنسا، بما لم تنطق فرنسا به صراحة.
لكنه سبق من قبل انه ادلى بتصريحات لسفير دولة اخرى، عن فحوى حديث دار بينه و بين اعلى مسؤولين في الدولة يخص مسؤولين آخرين في حينها، و لم يعتبر ذلك خيانة او حتى خطأ سياسي فادح.
ولو لا ويكيليكس لما سمع بذلك احد، و رغم ويكيليكس مرت مرور الكرام في زمن كان لسابق دريانكور صولات و جولات في ارضنا، و بعض مكاتبنا، حتى وصلنا الى بوس ابدي رئيسهم في الشارع، من طرف مخادع مخدوع ضن انه في الشطر الاخير قبل انزال جديد.
لقد قلتها من قبل و اكررها : لا مسؤول و لا معارض يحق له انتقاء الصداقات المسمومة من هؤلاء للدولة الجزائرية، أو شعبها بمعزل عن بعضهما، او بضمهما،حسب اهوائه الشخصية.
خاصة اذا كان هؤلاء الاصدقاء لا يمررون اي فرصة، للطعن في ماضينا، و حاضرنا و مستقبلنا، في كل المنابر، دون تحفظ و بوقاحة لا تقبل اية مجاملة في الرد.
لكن وقاحة العمالة الابدية عند بعض الاشكال ،لا تضاهيها حتى وقاحة العداء.
و بين ذلك وذاك، افضل دور الوحش، على دور الثور المطيع لذئاب في هيئة بشر.
و في نهاية الامر و المقال، هو قالها، لا يحب الوحوش لكنه يهابها.
1 comment
شكرا على المقال
السيد آيت علي لقن ذاك السفيه درسا لن ينساه