يبدو أن قطاع الهيدروجين في الجزائر على مشارف خطوات جريئة لتعظيم مكانته بالأسواق العالمية، بعدما أبدت العديد من الشركات رغبتها في شراء إنتاج البلاد من هذا الوقود النظيف.
تأتي هذه الخطوة في ظل اتجاه قطاع الطاقة الجزائري إلى تثبيت خطواته بتجسيد برنامج المزيج الطاقي، للتقليل من التبعية للطاقات التقليدية، على غرار الغاز.
وسيسهم في ذلك الاهتمام بالطاقة المتجددة، وفي مقدّمتها مخطط الطاقة الشمسية موازاةً مع تطوير الهيدروجين بأنواعه ضمن برنامج يمتد على المدى البعيد إلى سنة 2050.
وعلى هذا الأساس، تعمل وزارة الطاقة الجزائرية ومجمع سوناطراك على تحقيق الأهداف المقررة في سياق الاستفادة من إمكانات البلاد لجعل الهيدروجين المطلوب بكثرة -حاليًا- في القارة الأوروبية أحد أبرز البدائل للصادرات الجزائرية من الغاز الطبيعي نحو بلدان الضفة الشمالية للمتوسط.
وفي هذا الصدد، كشفت مصادر مطّلعة على الملف إلى منصة الطاقة المتخصصة، أنّ الشركات الألمانية المتخصصة في مجال الطاقة أبدت رغبتها بشراء الإنتاج الجزائري من الطاقة المتجددة، وفي مقدّمتها الهيدروجين، بالإضافة إلى الأمونيا واليوريا، التي تنتجها الجزائر -حاليًا- في منطقة أرزيو غرب البلاد.
منافسة لشراء إنتاج الجزائر من الهيدروجين
ذكر المصدر أنّ المفاوضات جارية -حاليًا- بهذا الخصوص، مع عدد من الشركات الألمانية، وفي مقدّمتها مجمع “في إن جي” الذي يضم 20 شركة، ويعدّ ثالث أكبر مستورد للغاز يسهم بقوة في تغطية الطلب الألماني من الطاقة.
وأشار -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أنّ هذه الخطوة تأتي استكمالًا للوثيقة الموقّعة سابقًا من قبل هذا المجمع ومجمع سوناطراك الجزائري لدراسة إقامة شراكة لإنجاز مشروع نموذجي لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء بغرض تصديرها نحو ألمانيا.
بالإضافة إلى مجمع “في أن جي”، فإنّ الشركة الألمانية المتخصصة في مجال الكمياء “باسف” BASF أبدت هي الأخرى رغبتها للاستفادة من المقومات الجزائرية بمجال إنتاج الأمونيا واليوريا والهيدروجين الأخضر والازرق، وشراء حصص من الإنتاج الجزائري، والمساهمة موازاةً مع هذا في إطار الشراكة لنقل التكنولوجيا قصد التحكم في التقنية المستعملة خلال المرحلة الأولى للإنتاج، قبل تصديره نحو ألمانيا لتلبية جانب من احتياجات البلاد من الطاقة، خاصة أنّ هذا النوع من الطاقة نظيف، ويتميز بانخفاض مستوى الانبعاثات الكربونية، خلال استعماله في القطاع الصناعي.
مخطط الجزائر حتى عام 2050
تحقيقًا لهدف التحول الطاقي، تقسّم وزارة الطاقة الجزائرية برنامج تطوير الهيدروجين إلى 3 مراحل أساسية، ضمن خريطة طريق تنطلق في مرحلتها الأولى لتستمر إلى سنة 2030.
ويعكف خلالها القطاع بمجهود المنفرد، أو في إطار الشراكة، على تجسيد المشروعات النموذجية للهيدروجين الأخضر والأزرق، بغرض التحكم في التقنية والوقوف على الإمكانات الحقيقية للبلاد في هذا المجال.
وفي المرحلة الثانية التي تمتد 10 سنوات من سنة 2030 إلى 2040، ستخصَّص لإنجاز المشروعات الصناعية لإنتاج الوقود النظيف بنوعيه الأخضر والأزرق.
أمّا المرحلة الأخيرة التي تتواصل إلى 2050، فتخصَّص لتطوير استعمال الهيدروجين في المشروعات التي تواجه صعوبات لإيصال الكهرباء إليها عبر الطرق الكلاسيكية.
وتشير خريطة الطريق المعتمدة من قبل وزارة الطاقة الجزائرية -أيضًا- إلى تحديد 3 مشروعات نموذجية للمرحلة الأولى، أخذت بالحسبان في اختيارها تحقيق الأهداف ذات العلاقة بالتحكم في التكنولوجيا بمجال مجموعة العمليات المتعلقة بهذا النشاط والصيانة للأنظمة على طول مسار سلسلة إنتاج الهيدروجين، وتعتمد الجهات المسؤولة في هذا الشأن على شراكات لاكتساب الخبرة من ناحية، وتقاسم التكاليف والمخاطر في تطوير هذا الفرع الجديد من ناحية أخرى.
ويتعلق المشروع الأول بتحضير شبكة الغاز الطبيعي للقيام بمهام نقل الهيدروجين، عبر إنجاز وحدة للعزل والتخزين في منطقة حاسي الرمل، والمشروع النموذجي الثاني يتعلّق بتخزين الطاقة الشمسية لاستعمالها من قبل سوناطراك في المواقع والحقول النفطية المعزولة، أمّا المشروع الثالث، فهو مخصص لإنتاج مادّتي الأمونيا والميثانول الأخضر في منطقتي أرزيو (غرب البلاد) وعنابة (شرق الجزائر).
اهتمام عالمي
يأتي ذلك في ظل إبداء العديد من دول الاتحاد الأوروبي اهتمامًا كبيرًا لشراء إنتاج الجزائر من الهيدروجين، ولدى البلاد أهداف طموحة للاستحواذ على حصة من سوق الهيدروجين، خاصة الأسواق الأوروبية.
وكشفت وزارة الطاقة والمناجم، في وقت سابق من الأسبوع الجاري، أن شركة ألمانية تتطلع لشراء كل إنتاج الجزائر من الهيدروجين، وتعمل الوزارة -حاليًا- لوضع الإطار القانوني المناسب لإنتاج الوقود النظيف وتسويقه دوليًا.
يشار إلى أن وزارات الطاقة في النمسا وألمانيا وإيطاليا قد وقّعت مؤخرًا خطاب دعم سياسي مشتركًا لتطوير ممر الهيدروجين إلى أوروبا بما يسهم في نقل الوقود من شمال أفريقيا إلى دول القارة العجوز.
ويشكّل الممر امتدادًا لخطط نقل الوقود النظيف من الجزائر إلى أوروبا، بعد أن وقّعت الدولة الواقعة في شمال أفريقيا مذكرة تفاهم مع إيطاليا لتطوير خط أنابيب لنقله.
والممر عبارة عن خط أنابيب مخصص وجاهز للهيدروجين بطول 3 آلاف و300 كيلومتر، بقيادة 4 مشغّلين رؤساء لنظام التوزيع الأوروبي: سنام، وتاغ، وجي سي إيه، وبايرنتس.
ويُعدّ الممر -الذي من المتوقع أن يعمل بكامل طاقته بحلول عام 2030- جزءًا من العمود الفقري لخطوط نقل الوقود النظيف في أوروبا، ويضمن تطويره أمن إمداد الطاقة في القارة.
ويوضح الرسم التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مسار ممر الهيدروجين إلى أوروبا: