Home مقالات مميزة تبون في روسيا : زيارة_تاريخية و تبعات_مفاجئة بقلم

تبون في روسيا : زيارة_تاريخية و تبعات_مفاجئة بقلم

by Hope Jzr
0 comment
A+A-
Reset
لقد كانت زيارة تبون إلى روسيا حدثا استثنائيا، أثار جدلا كبيرا و متابعة واسعة، خصوصا و أنها جاءت في وقت يشن فيه الناتو بقيادة الولايات المتحدة حرب ضروسا على روسيا في محاولة لإضعافها سياسيا و اقتصاديا، انهاكها عسكريا، و عزلها دبلوماسيا، في هذا المقال سنحاول الغوص في أغوار الزيارة، تحليل مجرياتها و تحديد تبعاتها و مآلاتها.
في الرابع عشر من جوان الماضي قام الرئيس تبون بالتوجه نحو موسكو و قد رافقه 6 وزراء هم، وزير الخارجية، الصناعة، الموارد المائية، الفلاحة، التعليم العالي و وزيرة الثقافة، إضافة إلى رئيس منتدى التجديد الاقتصادي، و قد كان أمامه عند الوصول جدول أعمال مكثف جدا، سوف نذكر هنا النشاطات #المعلنة التي قام بها منذ وصوله، إضافة إلى أهم التصريحات و المداخلات التي جرت خلال اجتماعات الرئيس، و هذا استنادا للمحتويات الإعلامية الروسية التي كانت أكثر ثراء، مراجعة جدول أعمال الرئيس بنوع من الدقة سيمكننا من الانتقال من وضع متابعة الزيارة إلى وضع #عيشها.
1- أول نشاط قام به الرئيس هو إشرافه على افتتاح منتدى الأعمال الروسي الجزائري، و قد أكد تبون خلال كلمته على تحسن مناخ الأعمال في الجزائر و دعي المستثمرين الروس إلى التوجه نحو الجزائر، و أشار إلى أن حكومته قد وضعت 13 مليار دولار كهدف لها من الصادرات خارج المحروقات سنة 2023.
2- ثم انتقل إلى تدشين ساحة الأمير عبد القادر في قلب موسكو.
3- بعد ذلك التقى رئيس الوزراء الروسي Mikhail Mishustin، خلال اللقاء، قال تبون أن الجزائر تسعى إلى أن تصبح أقوى اقتصاد في إفريقيا، و أنها بدأت بالفعل بحصد بعض النتائج الإيجابية، و أنه يبحث عن فرص للشراكة مع الروس في مجال التصنيع.
و في مداخلة ميشوستين، أكد أنه سيكون المسؤول الأول عن تطبيق مخرجات إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة الذي سيتم إمضائه غدا، و اقترح على تبون إنشاء شراكات في مجالات التكنولوجيات الدقيقة، الإتصال، النقل، الصيدلانية، كما أكد استعداد أعضاء المنتدى الإقتصادي الأوراسي OEF (أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، كيرغيستان)، و كذا منتدى روسيا – العالم الإسلامي Russia – Islamic World Forum ، على الإنخراط في الشراكة مع الجزائريين، و دعا الرئيس تبون إلى تمكين المسؤولين و المستثمرين الجزائريين من حضور فعاليات هذه المنتديات.
4- في رابع نشاط له، قام تبون بزيارة مجلس فدرالية روسيا، و هو مجلس شيوخ روسيا، و قام بمحادثات مع رئيسة المجلس IVANOVA MATEVIENKO، و هنا قال تبون أن الظروف الدولية جد صعبة، و من المهم تحقيق تقارب أكثر بين روسيا و الجزائر، و قد كان هذا اللقاء أول محطة #طالب فيها تبون بضرورة الإسراع في ادخال الجزائر في منظمة البريكس، من أجل إستعادة هامش المناورة الذي بدأت الجزائر تفقده بسبب الضغوط، و في هذا اللقاء، طلب تبون التعاون في المجال السيبيراني و تحويل الخبرة في مجالات الفيزياء، الذكاء الإصطناعي و الروبوتيك.
5- بعد ذلك قام بزيارة مجلس الدوما (البرلمان الروسي) و قام بمحادثات مع رئيسه VOLODIN VIASHISLAV، هنا أكد تبون أن الجزائر بقيت وفية لعلاقاتها الوطيدة مع روسيا رغم ما تتعرض له من ضغوط، بعد ذلك قام مستضيفه بإقتراح انشاء لجان برلمانية مشتركة بين البلدين لمتابعة تطبيق الإتفاقيات التي سيتم إمضائها غدا، خصوصا و أن هذا النوع من اللجان قد أثبت نجاعته مع دول أخرى، على غرار الصين، فياتنام، تركيا و إيران.
6- ثم قام تبون بتكريم المحارب السابق، خبير المتفجرات ANDREY PAVLENVKO الذي شارك في جهود إزالة ألغام خطي شال و موريس بعد الإستقلال، و اسدى له وسام العشير.
7- بعد ذلك، نشط تبون لقاء مع الجالية الجزائرية في روسيا، و على خلفية النقاش و بطلب من الشباب الجزائري المقيم هناك، أسدى تعليماته لوزير الخارجية من أجل إفتتاح المركز الثقافي الجزائري في موسكو.
8- و قبيل زيارة الكريملين، زار تبون نصب الجندي المجهول و وضع إكليل من الزهور عليه.
9- لنصل إلى جوهر الزيارة، حيث إستقبل بوتين نظيره الجزائري في بهو القاعة المركزية بالكريملن، ثم انتقل الطرفان إلى قاعة المحادثات الثنائية.
خلال المحادثات، دعى بوتين نظيره الجزائري إلى حضور قمة روسيا-إفريقيا التي ستعقد في جويلية القادم، أما تبون فقد أعاد التأكيد على تمسك الجزائر بعلاقاتها القوية مع روسيا رغم الضغوط الهائلة ، و أن روسيا ساهمت في صون استقلالية الجزائر من خلال التسليح و كذا الدفاع عن حريتها في هذه الظروف الصعبة جدا، كما طلب مجددا و للمرة الثالثة حتى الآن (و ليست الأخيرة) بتعجيل دخول الجزائر لمنظمة البريكس من أجل التخلص من سطوة الدولار و اليورو، كما بارك العلاقات الروسية المالية و #أكد أن لا حل في مالي غير حل إتفاق الجزائر Les accords d’Alger، و طلب من نظيره دعم جهود تطبيق الإتفاق.
بعد المحادثات، تم توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة من طرف تبون و بوتين ، إضافة على عدد من الإتفاقات و هي :- إتفاقية التسليم، أمضاها عن الجانب الجزائري وزير الخارجية.
-أتفاقية حول الإتصالات العامة، أمضاها نفس الوزير.- اتفاقية حول الحجر و حماية النباتات، أمضاها وزير الفلاحة.
– برنامج التعاون الثقافي أمضته وزيرة الثقافة.
-اتفاقية في التعاون في مجال الموارد المائية، أمضاه وزير الخارجية.إتفاق في مجالي اكتشاف و ريادة الفضاء، أمضاه السفير الجزائري المفوض فوق العادة في موسكو.
– إتفاق للتعاون بين مجلس التجديد الإقتصادي الجزائري و منظمة روسيا أعمال للإستثمار.
المثير للإهتمام أن الرئيس الروسي، قد قال أن هذه الإتفاقات المعروضة، هي جزء فقط من مجموع الإتفاقات الممضاة بين البلدين، كما أكد على أن البلدين سيوسعان دائرة تسوية التعاملات المالية بالعملات الوطنية، و ستدخل شركة ROSATOM المتخصصة في التكنولوجية النووية في شراكة مع أطراف جزائرية في مجالات غير مجال الطاقة السلمية، و خص بالحديث، الصناعات الصيدلانية و الفلاحة، إضافة إلى نقل تكنولوجيا الإتصال عبر الأقمار الصناعية، و أخيرا زيادة المنح الدراسية الموجهة للطلبة الجزائريين بنسبة الثلث.
أما في الأخير، فقد قدم موافقته على توسط الجزائر لحل أزمة أوكرانيا.
أما تبون فقد أكد على ضرورة الرفع من مستوى التكامل الإقتصادي و التجاري بين البلدين، و لمح إلى إمكانية الإستعانة بخدمات الروس من أجل تنظيف المواقع الملوثة بالإشعاعات النووية جنوب الجزائر.
10- آخر نشاط قام به تبون هو المشاركة في منتدى سان بيترسبورغ الدولي للإقتصاد في طبعته 23، بصفته ضيف شرف و شارك الرئيس الروسي افتتاح المنتدى، قام من خلال ذلك بمداخلة افتتاحية دعى من خلالها المؤسسات الروسية و مؤسسات بقية الدول ، إلى الإستثمار في الجزائر، مؤكدا على أن الدولة الجزائرية مستعدة لتقديم دعم استثنائي لهم، كما رسم ملامح للمناخ الإستثماري في الجزائر، خصوصا غياب المديونية، نمو اقتصادي بنسبة 4.3٪ مرشح للصعود، و أعطى لمحة عن قانون الإستثمار الجديد.
و خلال الإفتتاح، تلقى تبون 4 أسئلة من مسير اللقاء:
– الأول حول الضغوطات، و رد عليه تبون بذلك الرد المفاجئ، أن الجزائرين ولدوا أحرار و سيبقون أحرار في تصرفاهم و قراراتهم.
– الثاني كان حول قطاع الطاقة في الجزائر، فقام تبون بشرح ملامح القطاع و كذا قانون المحروقات الجديد المحفز، خصوصا في حرية المتعاملين في نقل رؤوس أموالهم أينما و حيثما و كيفما أرادوا.
– الثالث حول واقع الإقتصاد العالمي، فأشار تبون إلى أن الإقتصاد العالمي اليوم أصبح يخضع للتسييس و هذا ما أضر به كثيرا، أعقبه بوتين بتعلق مشابه تقريبا.
-الرابع كان من طرف بوتين، حول عما إذا كان هنالك خطة لإنشاء عملة عربية موحدة، تبون نفى وجود ذلك، رغم وجود عملات قوية لعملات السعودية و الإمارات، و استغل الفرصة ليؤكد للمرة الرابعة على ضرورة الإسراع في قبول عضوية الجزائر في البريكس.
عند ختام الجلسة، شكر تبون نظيره الروسي على قبوله لوساطة الجزائر في الأزمة الأوكرانية، و قال أن بوتين صديق للبشرية، و أن الجزائر أيضا تصادق الجميع إلا من يعاديها.
بالنسبة لبوتين، فقد كانت مجمل مداخلاته حول الإقتصاد الروسي و كذا الحرب الأوكرانية، لكنه في النهاية قال ما يلي:” نشكر الرئيس الجزائري على إيجاده الوقت لحضوره معنا اليوم، الكل بعلم ما معنى أن تزور موسكو في هذا الوقت بالذات “
“الرئيس تبون زعيم و يحترم مصالح بلده”
الآن و قد أتممنا سرد جدول أعمال الزيارة، نمر إلى تحليلها.
كلا الطرفان يعيان قيمة الزيارة و المجازفة التي قد تنجر عنها، فالولايات المتحدة تمارس شتى أشكال الضغط على كل من يحاول الحفاظ على حياده في ما يخص الحرب الأوكرانية و يتجنب تطبيق العقوبات على الروس، فما بالك بزيارة إلى موسكو و عقد اتفاق شراكة معمقة.
من خلال متابعة مجريات المحادثات الجزائرية مع المسؤولين الروس، نرى أن الرئيس مصر على تذكيرهم بحجم الضغط الذي يتعرض له، و حجم المجازفة التي قام بها بإبقاء العلاقات متواصلة معهم، كما أبدى إلحاحه في تقديم الطلبات، و تركيزه على قطاعات معينة من كل مسؤول.
بالنسبة لمحادثاته مع بوتين، فاتسمت بلباقة أكثر لكن الإلحاح حاضر دائما.
خلال كل اللقاءات تقريبا، ضغط تبون بكل ما أمكن على الجانب الروسي من أجل ضم الجزائر إلى البريكس، رابطا بين الإنضمام إليها و بين الزيارة و الضغوطات و ملمحا أن استمرار حياده مرتبط بالتعاون الروسي.
كما أن تعبيره عن رغبته في التخلص من هيمنة الدولار و اليورو، لا يمكن إعتباره سوى مجازفة كبيرة، و إعلان اصطفاف علني مع النظام العالمي متعدد الأقطاب و استعداء للعالم الغربي الحريص على الحفاظ على الوضع الراهن Status quo و موازين القوى الكلاسيكية.
إن المستمع لهذا التصريح و في تلك اللحظة، يتشكل له الإنطباع بأن الرئيس تبون قد قطع أواصل العلاقة بالغرب و هو التصريح الذي خلق حالة من التخوف لدى جميع المتابعين، كان أشبه بإحراق طارق بن زياد لسفن العودة، لقد أعطانا الرئيس إنطباعا بإحراقه سفن العودة لعلاقات طبيعية مع الغرب و والولايات المتحدة، نعم، لقد جازف حد التهور، أو هذا ما بدى لنا نحن و للطرف الروسي و الرئيس الروسي، لسان الحال يقول أنني قطعت أواصلي معهم و لا مهرب لي سوى منظمة البريكس، و أنا أتوقع أن تبون تعمد إلقاء هذا الحمل و هذه المسؤولية على كاهل نظيره……تبون فعل المستحيل #فعليا و ما عليه الآن سوى انتظار قمة البريكس القادمة في جنوب إفريقيا.
بالطبع فإن اعتبار الزيارة مجازفة خالصة غير صحيح كليا، يمكننا استبدال كلمة #مجازفة بكلمة #مخاطرة_محسوبة، ذلك أن وقت الزيارة لم يكن اعتباطيا، بل أخذ في الحسبان النقاط التالية:
– أن الهجوم المضاد الأوكراني باء حتى هذه الساعة بفشل ذريع، تكبدت فيه القوات الأكرانية خسائر ضخمة في الأرواح، و انتهك فيه عرض و سمعة الأسلحة الغربية كالليوبارد، البرادلي و الباتريوت و غيرها، و هذا ما سيدفع حتما الأمريكان إلى مراجعة تطلعاتهم تجاه تحقيق نتائج إيجابية (بالنسبة لهم) على رقعة الصراع الجيوستراتيجي، إعادة التقييم هذه ستولد رغبة أقل في تسليط عقوبات علنية على أصدقاء روسيا.
– النقطة الثانية، و هي نقطة على علاقة بالأولى و قد تبدو متناقضة معها إلا أنها ليس كذلك، و تتعلق بالضغوط، ففي حين أن من غير المرجح قيام الأمريكان بتسليط عقوبات علنية، لكنهم لم يتوانوا في الضغط على الدول بقوية، ليس من خلال التهديد بالعقوبات، لكن من خلال أدوات أخرى، كعرقلة المصالح و منع الإستثمارات و دعم الطرف الآخر، هنالك في الحقيقة عدد لا متناهي من أدوات الضغط في الترسانة الأمريكية، تبون من خلال زيارته عبر عن انزعاجه من هذه الضغوط و أبدى تمردها عليها، و ما يعزز هذه الفرضية، هو أن رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد كان متواجدا في روسيا في نفس فترة تواجد تبون، و في فيديو ظهر يسير فيه مع بوتين في سان بيترسبورغ، قال أننا قررنا التعاون مع روسيا بغض النظر عن الضغوط الغربية.
– النقطة الثالثة، هي استغلال الفرصة لحضور المنتدى الإقتصادي الروسي، و الذي ساهم بفضل كون تبون ضيف شرف، ساهم في تقديمه لجمهور جديد، مختلف عن الجمهور المعروف فيه في السابق (الوطن العربي، إفريقيا و غرب أوروبا)، و هي فرصة قد نستخف بها، لكننا لا يجب أن نفعل ذلك، حين أن الأخبار تقول، أن محمد بن زايد انزعج و غادر المنتدى عندما علم أنه لن يكون في منصة الإفتتاح رفقة بوتين، و أن تبون هو من سينال شرف ذلك.
على كل حال، سوف نفهم أكثرفي نهاية المقال لما اعتبرت الزيارة مخاطرة محسوبة.
على الصعيد السايكولوجي، و عن الجانب الجزائري، بدى تبون هادئا في لغة جسده و في إلقاءاته، رغم بعض التلعثمات، و كانت كل مداخلاته المقروءة موفقة إلى حد معقول، غير أن ارتجالاته كانت أقل من مستوى الحدث للأسف، و خصوصا كلمته في منتدى سان بيترسبورغ و ردوده على الأسئلة، كلنا يعرف تبون و محدودية قدراته الإلقائية باللغة العربية، لكن اللوم يقع على مصالح الإعلام، التي كان من واجبها تحضير مداخلة ذات طابع أعمال Business oriented بدل خطاب كلاسيكي ذو طابع سياسي فقير بالأرقام و الإحصاءات، خصوصا و أن المنتدى يحضره الكثير من رجال الأعمال، المستثمرين و خبراء الإقتصاد، كما كان من واجبهم التنسيق مع منشط اللقاء و الحصول على قائمة الأسئلة و تحضير الرئيس و تلقينه إجابات مطولة تليق بذاك المقام، تماما كما فعل طاقم بوتين.
لحسن الحظ، قام الرئيس بتقديم إجابات نارية غطت الخلل و أثارت الإعجاب.
و بما أننا استحضرنا الجانب السيكولوجي للرئيس، فلا يمكن أن نتجاهل التصريحات الغريبة للرئيس تبون خلال محادثاته مع نظيره، حينما قال” صون استقلالنا يأتي بمساعدة قوية من روسيا الفدرالية الصديقة، في تسليحنا و #الدفاع_عن_حريتنا في ظروف إقليمية صعبة…. صعبة جدا”، يمكنني هنا أن أعتبر هذا التصريح، النقطة السوداء الأبرز في الزيارة، حيث أنه أظهر لـ #الرأي_العام الجزائر في موقف ضعف و حاجة إلى من يحميها، و لكن لنكون صرحاء و موضوعيين، فإن روسيا حقا تعتبر أهم أسباب حفاظ الجزائر على استقرارها و حرية قرارها السياسي، لكن الملاحظ هنا أن الرئيس خلال تصريحه، كان ينظر إلى الورقة أمامه، و وصف تصريحه هذا بكونه المحول الأول من محاور النقاش، أي أنه تعمد إلقائه على الرئيس بوتين، فإذا صح هذا الإحتمال، فإن لسان حالة يقول، أن تمكينكم لنا صان حرية قرارنا بما سمح لنا القدوم اليوم في هذه الظروف، و تمكيننا أكثر من خلال تسليح أحسن و دعم سياسي دولي أكثر، سوف يوسع هامش حرية قرارنا السياسي، و هو ما سيعود عليكم بالفائدة أيضا.
و بالعودة للجانب السايكولوجي للطرف الروسي، فإن كل تصريحات و لغات بدن بوتين و مسؤوليه تعكس السرور و الإمتنان، و يمكن ملاحظة ذلك بوضوح تام في اللحظة التي التقى فيها الرئيسان في منتصف صالة الكريملين، و الطريقة التي رفع فيها بوتين يده زيادة عن اللزوم، لمصافخة تبون، و هو تصرف لا يقوم به الشخص – حسب الـ NLP- إلا لشخص آخر سعيد برؤيته.
شعور الإمتنان يمكن ملاحظته أيضا لدى المسؤولين الروس، و تعاطيهم مع الرئيس الجزائري كان حقيقيا Genuine ، و ذلك باد من خلال، ليس الإستماع فقط، و إنما من خلال تقديم إقتراحات أيضا، و من الواضح أن المسؤولين تلقوا تعليمات بالتعاطي الحقيقي مع المطالب الجزائرية.
قد يتساءل القارئ عن ما إذا كانت حالة الإمتنان هذه حقيقية، خصوصا و أن روسيا، و حتى و هي في خضم الحرب و العقوبات، استقبلت عدد معتبرا من رؤساء الدول، نعم، في الحقيقة هذا صحيح، لكن هنالك فرق جوهري في زيارة تبون، فمن بين كل الزيارات التي حظي بها الروس، تعتبر زيارة تبون هي أول #زيارة_دولة قام بها أي رئيس منذ بدأ الحرب، في حين كانت بقية الزيارات زيارات عمل، و المعروف أن زيارات الدولة هي تشريف للدولة المستقبلة، و في الحالة الروسية، فإن الزيارة الجزائرية ترتقي إلى مصاف فك حصار دبلوماسي…. و جرعة ثقة قد تمنحها الزيارة لقادة الدول الإفريقية لحضور القمة الروسية، و بالتالي انجاحها….. و هو ما ألمح إليه بوتين في نهاية افتتاح المنتدى عندما قال أننا نعلم ما معنى أن تأتي إلى موسكو في مثل هذه الظروف.
بالعودة إلى الإتفاقيات الممضاة، يبدو أن الطرفين فضلا عدم تقديم عدد كبير من الإتفاقيات إلى العلن، كما غابت أي اتفاقيات ذات طابع أمني أو عسكري، لكن الأكيد أن الكثير منها تم إمضائه سرا، و يجدر بنا الإشارة إلى إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة وثيقة استثنائية و لا مثيل لها، حيث أكد نائب رئيس رابطة الدبلوماسيين الروس Andrey Baklanov، و الذي اطلع على الإعلان، أن روسيا لم يسبق لها في تاريخها أن أمضت اتفاق بهذا الشكل، و يقول أن الأمر بلغ من العمق لدرجة أن الطرفين اتفقا على منح الجزائر دورا في المشاركة في شؤون المسلمين في روسيا من جهة، و منح فسحة أكبر للمسيحة الأرثودوكسية على حساب المسيحية الكاثوليكية في الجزائر.
و بالحديث عن نقاط الإتفاق، فمن المثير للإهتمام أن الطرفين امضيا وثيقة حول استكشاف و #ريادة الفضاء و هما مصطلحان يختلفان تمام عن ما هو معهود بالصناعات الفضائية، و المقصود بها تطويرالأقمار الإصطناعية، و هنا يجب فتح علامة استفهام، هل يفكر الطرفان في ارسال رائد جزائري إلى الفضاء؟ أم هنالك رغبة في انشاء برنامج فضائي جزائري.
مهما كان عدد الإتفاقيات الممضاة بين الطرفين، فالأكيد و الثابت هو أن زيارة تبون كانت ذات صبغة اقتصادية طاغية، هدفها الضغط من أجل ولوج البريكس، و جلب الشراكات و الخبرات الروسية، أما الروس فقد تعاملوا مع الزيارة بمنظور سياسي بحت، فهم في حاجة إلى كسر الحصار و الإبقاء على أبواب قلعة موسكو مفتوحة، يمكننا القول أن الزيارة كانت إنتصارا إعلاميا للطرفين، في انتظار البدأ في تجسيد الاتفاقات على أرض الواقع.
بالنسبة للطرف الجزائري، لن تكون الزيارة إنتصار فعليا إلا إذا تم قبول انضمام الجزائر للبريكس في قمة آوت القادمة.
مسألة أخرى لا يجب إغفالها، و هي مسألة الوساطة الجزائرية لإنهاء أزمة أوكرانيا، نلاحظ هنا أن تبون قال” لقد وافق الرئيس بوتين الصديق على توسط الجزائر لحل الأزمة الأوكرانية، و هو تعبير مثير للإهتمام، فالكل يعلم أن الأوكرانيين لن يقبلوا وساطة طرف يعلون أنه منحاز تجاه الروس، مما يعني أن تبون لا ينوى التوسط بين روسيا و أوكرانيا، و إنما بين روسيا و الولايات المتحدة، اللتان انقطع بينهم الإتصال تمام وفق جواب بوتين في ذات المنتدى، في السابق كانت الولايات المتحدة لترفض أي وساطة، عندما كانت تضن أنها قادرة على اضعاف روسيا، لكن عجز الأوكرانيين و قرب انهيارهم، و بالتالي انهزام الولايات المتحدة في حربها بالوكالة، سوف يدفعها إلى الرغبة في التفاوض….. ربما، من يعلم، الطرف الجزائري أخذ المسألأة على محمل الجد، حيث و فور وصوله أرض الوطن، أرسل تبون رسلا إلى كل من إيطاليا، ألمانيا بصفتهما دولتان ثقيلتان جيوستراتيجيا و إلى سربيا بصفتها إحدى الدول التي قد تكون رقعة محتملة لتمدد الحرب الأوكرانية، فما يحدث بينها و بين كوسوفو هذه الأيام لا يبشر بخير، و يمكن أن نقول أن إحتواء الأزمة بين سربيا و كوسوفو يعتبر أول الخطوات الفعلية لحلحلة الأزمة الأوكرانية أو منع تفاقمها.
بعد أن أحطنا بما أمكن من الزيارة، سنمر الآن إلى رصد ردات الفعل عنها، تبعاتها و مآلاتها.
لن نعالج بدقة ردات الفعل على الصعيد الشعبي، لكن يمكننا أن نقول أنها آثارت الخوف لدى المتابع الجزائري و الإعجاب للمتابع الأجنبي و مشاعر الغيرة و الإمتعاض لدى كل من يعادي الجزائر.
أما على الصعيد الدولي، يمكننا أن نركز إهتمامنا على دولتين على الأقل، هما فرنسا، بسبب التأثير المتبادل بينها و بين الجزائر، و الولايات المتحدة التي تهتم بشدة بكل ما يتعلق بروسيا.
بالنسبة لفرنسا ، فلم يصدر أي رد فعل رسمي عقب الزيارة، رغم أن عدد من التصريحات التي قدمها تبون، كانت تستهدف فرنسا بشكل مباشر او غير مباشر، كالتخلص من اليورو، مباركة العلاقات الروسية المالية، و أن الحل في منطقة الساحل لا يكون عسكريا، و في الحقيقة فإن تبون بدأ بحرق القوارب مع فرنسا قبل الزيارة، من خلال اصداره للقرار المتعلق بإعادة مقطع يا فرنسا للنشيد الوطني.
و رغم أننا لم نستشعر أي رد فعل رسمي، لكن يمكننا التكهن به من خلال ردود فعل الإعلام المقرب من السلطة، حيث أن أحد المتدخلين في إحدى الحصص على قناة BFMTV قال أن التقارب الجزائري الروسي مقلق و أنهم لا يعلمون ما الذي يمكن فعله مع الجزائر صعبة المراس، و أنا متأكد أن الكثير من الساسة و المسؤولين الفرنسيين المهتمين بالشأن الجزائري يشاطرونه الرأي.
أما في ما يتعلق بـ #الولايات_المتحدة، فهنا المفاجئة الكبرى، الكل كان يتوقع رد فعل سلبي من طرف الأمريكان، لكن ردود الأفعال (و ليس ردا واحد) كانت مخالفة لكل التوقعات، و إليك ما حدث مباشرة بعد عودة تبون إلى أرض الوطن.
1- في اليوم الموالي، زار الجزائر السيد كازافيي راي مدير فرع المغرب العربي للمؤسسة المالية الدولية IFC ، و هي مؤسسة استثمارية تابعة للبنك العالمي الكائن مقرها بواشنطن، و قد تباحث كازافيي مع وزير المالية فايد، سبل استثمار المؤسسة في الجزائر و نقل الخبرات التقنية.
2- قام الناطق الرسمي عن الخارجية الأمريكية Mathew Miller بالتأكيد على دعم الولايات المتحدة لإتفاق الجزائر كحل للأزمة في مالي.
3- قامت البارحة نائبة وزير الخارجية Wendy Sherman بالمباركة للجزائر على نيلها منصب غير دائم في مجلس الأمن، رغم أن الإعلان عن المقعد قد تم منذ أكثر من أسبوع.
4- خلال افتتاح تبون لمعرض الجزائر الدولي، قام بمصافحة سفراء العديد من الدول في الجزائر، و قد قامت السفيرة الأمريكية بإستيقاف تبون و الحديث معه لمدة طويلة جدا، رغم محاولته الإستمرار في سيره إلا أنها امسكت بيده و اصرت على أن تواصل حديثها معه.
5- السفيرة نفسها قامت البارحة أعلنت عن إستثمار الشركة الأمريكية Flowserve في الجزائر و هي شركة متخصصة في صناعة و صيانة مضخات استخراج الغاز الطبيعي، و أن هذه الشركة الرائدة تستعد لنقل التكنولوجيا لسوناطراك مما يمكنها من التحول لمركز صيانة لكل مضخات إفريقيا.
إن ما قامت به الولايات المتحدة كرد على زيارة تبون لروسيا ذكرني في أحد الكتب – نسيت كاتبه – و الذي قال، أن تعاطي عامة الناس مع العلاقات الدولية يكون بمنظور لعبة Checkers أو كما تدعى في الجزائر بالضامة، أي أن اللاعب مطالب بالقضاء على أحجار منافسه، أما تعاطي الساسة و الدبلوماسيين للدول الضعيفة و متوسطة القوة، فيكون بمنظور لعبة الشطرنج، أي القضاء على الملك من خلال اتباع استراتيجية معينة، أما تعاطي دبلوماسيات الدول العظمى يكون بمنظور لعبة GO و هي لعبة صينية قديمة جدا، تعتمد على محاولة إحتواء العدو و تجنب إحتوائه لك، و تستمر اللعبة لفترات طويلة جدا، قد تبلغ أياما، أي أنها تعتمد على استراتيجيات الإحتواء لا الهجوم، و تخاض على فترات زمنية طويلة جدا.
في الوقت الذي قدر الجميع أن الولايات المتحدة ستنزعج من الزيارة، قامت هي بتكثيف و تسريع خطوات تقربها من الجزائر، إذ أنها ترى أن الروس قد قابوا على إحتوائها في الجزائر، و من اللازم تجنب الإحتواء و محاولة توسيع فجوة التعاون الأمريكي الجزائري، خصوصا و أنهم فهموا أن جزائر اليوم ليست أيديولوجية، و همها الوحيد هو استقطاب الإستثمار و التكنولوجيا، فمن وفر أكثر، يحظى بدعم جزائري جزئي (خاص بموضوع معين).
من خلال ما سبق، يمكننا أن نتأكد أن مخاطرة تبون كانت محسوبة و مدروسة، و قد تمكنت من تحقيق نتائج جيدة في الشق المتعلق بالجانب الأمريكي.
آخر رد فعل سنتطرق إليه، هو زيارة والد أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لم يتم ذكر أسباب الزيارة، و من الصعب التكهن بها بدقة، لكنني أرى أنها كانت تعكس رغبة القطريين في مشاركة الجزائر في وساطتها بين الروس و الأمريكان في حلحلة الأزمة الأوكرانية، أو أن الأمريكيين طلبوا من القطريين ذلك، في كلا الحالتين فإنه من المعروف على القطريين قيامهم بعمليات توسط بين الولايات المتحدة و أطراف لا تملك معها علاقات مباشرة، فقد قاد القطريون وساطات و مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة و إيران، و بينها و بين حزب و الله و آخرها مفاوضات الأمريكان مع طاليان، بالتأكيد هنالك احتمالات أخرى عديدة، لكنني أرى أن هذا الإحتمال هو الأقرب، فما يعززه هو قدوم والد الأمير المعروف بعلاقته المتينة مع الدولة العميقة في أمريكا.
حسب رأيي المتواضع، فإن الزيارة نحو روسيا قد حسنت من تموضع الجزائر كفاعل سياسي اقليمي و دولي مهم، و أنها ستؤدي إلى تزايد عدد الزيارات الرسمية نحو الجزائر، فقد اعلن رئيس وزراء سربيا عن زيارة في الأسبوع القادم.
أما بالنسبة للشراكة الإستراتيجية المعمقمة الممضاة مع الروس، فإذا تم تجسيد جزء يسير من بنودها و الإتفاقيات الملحقة بها، فسيكون لذلك – إذا أضفنا له الشراكة التي بدأت تتجسد مع الإيطاليين في مجال التصنيع و الأمريكان في مجال الطاقة- تأثير جذري على شكل و حجم القاعدة الصناعية و النسيج الإقتصادي الجزائريين، و يمكننا القول بصفة عامة أن السلطة في الجزائر منذ بدأ الأزمة الأوكرانية قد وفقت في المزج بين المناورة و المخاطرة لتحقيق أقصى المكاسب الممكنة رغم وجود بعض الهفوات و النقائص و كذا كون الظروف الجزائرية تمنح تمكينا أقل من ما تمنحه لدول أخرى كالسعودية، إيران، تركيا او الإمارات.

Source :  https://www.facebook.com/Geopolalgeria/posts/pfbid02JwBNt56gz8vETWvcNcHJ2vVAsH3PLgyeLJxhVtZnsSZqjb6jtq9EB3tnAG8UuWqZl

You may also like

Leave a Comment

روابط سريعة

من نحن

فريق من المتطوعين تحت إشراف HOPE JZR مؤسس الموقع ، مدفوعا بالرغبة في زرع الأمل من خلال اقتراح حلول فعالة للمشاكل القائمة من خلال مساهماتكم في مختلف القطاعات من أجل التقارب جميعا نحو جزائر جديدة ، جزائرية جزائرية ، تعددية وفخورة بتنوعها الثقافي. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة القائمة «الجزائر الجزائرية»

من نحن

جمع Hope JZR ، مؤسس الموقع ومالك قناة YouTube التي تحمل نفس الاسم ، حول مشروعه فريقا من المتطوعين من الأراضي الوطنية والشتات مع ملفات تعريف متنوعة بقدر ما هي متنوعة ، دائرة من الوطنيين التي تحمل فقط ، لك وحماسك للتوسع. في الواقع، ندعوكم، أيها المواطنون ذوو العقلية الإيجابية والبناءة، للانضمام إلينا، من خلال مساهماتكم، في مغامرة الدفاع عن الجزائر الجديدة هذه وبنائها.

ما الذي نفعله

نحن نعمل بشكل مستمر ودقيق لتزويد الجمهور بمعلومات موثوقة وموضوعية وإيجابية بشكل بارز.

مخلصين لعقيدة المؤسس المتمثلة في “زرع الأمل” ، فإن طموحنا هو خلق ديناميكية متحمسة (دون صب في النشوة) ، وتوحيد الكفاءات في خدمة وطنهم. إن إصداراتنا كما ستلاحظون ستسلط الضوء دائما على الأداء الإيجابي والإنجازات في مختلف المجالات، كما تعكس منتقدينا كلما رأينا مشاكل تؤثر على حياة مواطنينا، أو تقدم حلولا مناسبة أو تدعو نخبنا للمساعدة في حلها. 

مهمتنا

هدفنا الفريد هو جعل هذه المنصة الأولى في الجزائر التي تكرس حصريا للمعلومات الإيجابية التي تزرع الأمل بين شبابنا وتغريهم بالمشاركة في تنمية بلدنا.

إن بناء هذه الجزائر الجديدة التي نحلم بها والتي نطمح إليها سيكون عملا جماعيا لكل المواطنين الغيورين من عظمة أمتهم وتأثيرها.

ستكون الضامن للحفاظ على استقلالها وسيادتها وستحترم إرث وتضحيات شهدائنا الباسلة.

© 2023 – Jazair Hope. All Rights Reserved. 

Contact Us At : info@jazairhope.org