محمد مسلم
غاص كاتب الدولة المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، عبد الحليم بن عطاء الله، في خفايا الصراع الجزائري الفرنسي الذي جرى خلف الأسوار المغلقة حول اتفاقية الهجرة 1968، وكيف حاول السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافيي دريانكور، استغلال هذه الورقة في الحسابات الانتخابية للرئاسيات الفرنسية سنة 2012، دعما للرئيس اليميني الأسبق، نيكولا ساركوزي.
بن عطاء الله الذي سبق له وأن كان سفيرا للجزائر في بروكسل وممثلها في الاتحاد الأوروبي، توقف عند شخصية السفير دريانكور، الذي عمل في الجزائر على مرتين، الأولى في الفترة ما بين 2008 و2012، وهي الفترة التي شغل فيها بن عطاء الله حقيبة وزير منتدب، والفترة الثانية 2017 حتى 2020، وكشف فيها عن حقائق لم تكن معروفة عن السفير الفرنسي، الذي ملأ الدنيا ضجيجا في الأسابيع الأخيرة مهاجما الجزائر ومطالبا بلاده بإسقاط اتفاقية 1968 من جانب واحد.
ويرجع كاتب الدولة السابق “خرجات” الدبلوماسي الفرنسي المثيرة للجدل، واصطناعه المشاكل من العدم، لخصوصيات لدى هذا الرجل، الذي عمل في الخارجية الفرنسية، ولكنه لم يكن دبلوماسيا ناجحا، بقدر ما غلب على حياته المهنية الطابع الإداري، وإن قضى حياته في وزارة الخارجية (الكيدورسي).
يقول بن عطاء الله في حوار مع قناة “ليمارسف” الإلكترونية، إن “دريانكور هو شخصية يغلب عليها الطابع الإداري مقارنة بغيره من السفراء الفرنسيين الذين عرفتهم. لقد كانوا بحق شخصيات بارزة ومعروفة، شخصيات ثقة بالنسبة للرئيس”، مستغربا إحدى التصريحات السابقة للدبلوماسي الفرنسي، التي قال فيها إنه سلطت عليه رقابة في الجزائر: “يقول دريانكور إنه كان مراقبا في الجزائر.. كل سفير هو تحت المتابعة”.
ويضيف: “كان أمين عام وزارة الخارجية، ثم تنقل إلى العمل في الجزائر كسفير، ثم عاد إلى فرنسا كأمين عام مرة أخرى”، وهو ما يؤكد على أن الرجل لم يكن من “دائرة المفاوضين الفرنسيين”. ويتساءل سفير الجزائر السابق في بروكسل: “كيف لشخصية في مستوى سفير عمل في الجزائر على مرتين (حوالي ثماني سنوات)، ثم يقول إنه لم يفهم شيئا في النظام الجزائري ويعتبر الجزائر لغزا؟ لقد فاجأني هذا كثيرا”.
ويمضي كاتب الدولة السابق معلقا على الأداء الدبلوماسي للسفير دريانكور، قائلا “خلال تواجده في الجزائر تعرضت المصالح الفرنسية فيها (الجزائر) إلى أضرار، طرد شركات فرنسية كانت تعمل بها. والسؤال ماذا كان يفعل دريانكور في الجزائر إذن؟”، بالمختصر، إنه دبلوماسي فاشل، أو هكذا لسان حال المقال.
يقول بن عطاء الله إنه كان لديه اتصالين عندما كان وزيرا منتدبا للجالية، بالدبلوماسي الفرنسي، الأول مباشر والثاني غير مباشر. لقد كلفت يقول الوزير السابق، من قبل الحكومة بمد جسور التواصل مع الجالية الجزائرية في الخارج على اختلافها، ولا سيما في فرنسا على اعتبار أن هذا البلد هو الذي يحتضن الجالية الأكبر.
المفاجأة كانت كبيرة من دريانكور، يضيف المتحدث، وهو أنه كيّف تلك الجهود على أنها تدخل في الشؤون الداخلية لفرنسا في ملاحظة وجهها لسلطات بلاده. وهذا يعني أن هذا السفير لم يكن يتمتع بثقافة الحوار والتواصل مع سلطات الدولة الجزائرية التي كان يعمل بها كسفير، ولم يستغرب بن عطاء الله ما جاء من دريانكور، لأن هذا الأخير كان رجلا إداريا ولم يكن يتمتع بالحس الدبلوماسي الذي يتعين على كل سفير أن يتميز به، كما سبقت الإشارة.
أما الاتصال المباشر بينه وبين السفير الفرنسي فكان في جوان 2012، وذلك بشأن نشاط نظمه مسجد باريس في ليل بفرنسا، لصالح الجالية، وقد دعوته للحضور، يقول بن عطاء الله، لكنه خرج عن موضوع الدعوة وراح يتحدث عن أمور أخرى هزت من قيمته ومصداقيته كسفير، ويومها اقتنع كاتب الدولة، أن دريانكور لم يكن مسموعا لا في بلاده ولا في الجزائر، كما قال.
لقد كانت مسيرة كزافيي دريانكور الأضعف في التاريخ الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا بين جميع نظرائه الفرنسيين، يقول بن عطاء الله، الذي قدر بأن ما كتبه السفير الفرنسي عن الجزائر في كتابه “اللغز الجزائري”، من شأنه أن “يلغم طريق السفراء الفرنسيين في الجزائر مستقبلا.. إنه لم يراع مصلحة بلاده، وبنشره لهذا الكتاب يكون قد وقّع على الفشل الفرنسي في الجزائر”.
وكشف الوزير السابق أن مشكلة دريانكور مع اتفاقية 1968، ليست وليدة 2023، وإنما تعود إلى فترته الأولى كسفير في الجزائر (2008 / 2012)، وحينها قدمت الجزائر مقترحاتها، غير أن الجانب الفرنسي هو الذي لم يقدم مقترحاته، لكن دريانكور راح يتحدث عن رفض الجانب الجزائري ودعا سلطات بلاده إلى مراجعتها من جانب واحد.
ويؤكد بن عطاء الله، أن أمين عام الكيدروسي زار الجزائر في جوان 2011 قبل استئناف المفاوضات حول الاتفاقية، لأن ساركوزي كان في حملة انتخابية ويبحث عن سحب هذه الورقة من اليمين المتطرف، ويشير إلى أن سنة 2012 شهدت جولتين من المفاوضات في الجزائر ثم في باريس وقد كنت مكلفا بالملف، قبل أن يتساءل: “كيف يقول دريانكور أن الجزائر هي التي ترفض المفاوضات حول الاتفاقية. لقد كان غائبا عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيه، أم أنه مبعد من قبل سلطات بلاده؟”.
ويكشف سفير الجزائر الأسبق في بروكسل أن الطرف الجزائري لم يكن مستعدا لإتمام مفاوضات مراجعة الاتفاقية قبل الانتخابات الرئاسية لسنة 2012، حتى لا يسلم ورقة لساركوزي مرشح اليمين للانتخابات، كي يفوز على منافسه آنذاك، فرانسوا هولاند، مشيرا إلى أن الدولة الفرنسية كانت تريد العودة إلى القانون العام للقفز على الاتفاقية في التعاطي مع الرعايا الجزائريين، فيما كان الجانب الجزائري يبحث عن اتفاقية أخرى تتعلق بالتأشيرات السياحية للجزائريين.
echoroukonline.com