Home تاريخ و تراث ” Doghnut.. عن الإسْفَنْج الذي نسيناه وأصبحنا نُسَمِّيه “دُونُوتْ

” Doghnut.. عن الإسْفَنْج الذي نسيناه وأصبحنا نُسَمِّيه “دُونُوتْ

by Mohamed Redha Chettibi
0 comment
A+A-
Reset

بقلم المؤرخ فوزي سعد الله

عن الإسْفَنْج الذي نسيناه وأصبحنا نُسَمِّيه “دُونُوتْ” Doghnut..
“الإسفنج” المعروف اليوم في مطابخنا وعلى موائدنا، لاسيما في الأعياد والمناسبات الاجتماعية، ليس في الجزائر فحسب بل في كامل المنطقة المغاربية، والذي يمتد تاريخه دون أدنى شك إلى ربوع الأندلس وربما إلى أبعد من الأندلس في أعماق المشرق العربي وحضاراته القديمة، ننسى مثلما ينسى الكثير من خبراء فن الطبخ ومؤرخوه في المجتمعات الغربية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا، بأنه الجدُّ الأكبر الذي ينحدر من صُلبِه الكَعْكُ المُسمَّى عالميًا في الوقت الحالي الـ “دُونُوتْ” (Doughnut).
ورغم أن المَثَل الشعبي في مدينة الجزائر يقول “الجْدِيدْ حَبُّه والقْدِيمْ لاَ تْفَرَّطْ فِيهْ”، إلا أن لا أحد يُنْصِتُ اليوم في عصر القنوات التلفزيونية الفضائية والإنترنت و”فِيْسْبُوكْ” و”تِلِيغْرَامْ” والذكاء الاصطناعي إلى حِكَم وأمثال الأجداد. بالتالي، يُخَلِّفُ الإفراطُ في التَّلهُّفِ على “الجديد”، في مجالٍ حضاري عربي/إسلامي شِعَارُهُ “لا إفرَاط ولا تَفرِيط”، وإهمال، بل أحيانًا احتقار ونكران، “القديم”، يُخلِّف أضرارًا كبيرة في الذَّاكرة الجماعية، على الأقل، وضحايا كُثُر في صفوف طوابير طويلة من أطعمةٍ ومأكولاتٍ من طيباتِ تراثنا الغذائي كانت وما زالت نكهاتُها ومذاقاتُها، منذ قرون بعيدة، روحَ مطابِخِ العالَم الملَكِية والعائلية والتجارية. ولعل من بين أبرز هذه الطيبات الإسْفنْج الذي يُعدُّ شيخًا من شيوخ الحلويات…والشيوخ، كما تعلمون، بعد كل تجارب الحياة، لا يُزعزعهم ما يصدر عن الشَّباب، مثلما هو حال الـ “دونوت”، من عقوقٍ ونزوات…
الإسفنج يجوب العالم في حلة جديدة…
اسفنج جزائري

اسفنج جزائري

 

وهكذا، كالأجداد والآباء الذين لا يغارون من الأبناء والأحفاد ويصفحون عما قد يصدر عنهم من تجاوزات، فإن الإسفنج لا يتأثر ولا يحزن لِمشاهد ارتجاف بطونِ الأطفال وأنين أمعائهم أمام سليله الـ “دُونُوتْ” ولا لِسَيَلانِ لعابِهم وهم يشاهدونه مُلَبَّسًا بالسُّكَّر أو مُتزَيِّنًا بحُلَّةٍ من الشُّكلاطة متبخترًا ومتحدِّيًا، وكأنه يقول لِكُلٍّ مِنهم مِن فوق الرفوف “كُلْني إن استطعتْ”، في محلات الخبز والحلويات ومخابز السُّوبِرْمَارْكِتْ وفي نظيراتها المتخصصة في الأكل السريع والخفيف المنتشرة في الجادات والشوارع عَبْرَ العالَم، مِن الـ “مَاكْدُونَالْدْزْ” (McDonald’s)، والـ “بَرْغَرْ كِينْغْ” (Burger Kings)، والـ “كِيْ آفْ سِي” (KFC)، والـ “كْوِيكْ” (Quick)، والمرحوم منذ سنة 1992م الـ “فْرِي تَايْمْ” (Free Time)، إلى “لاَ بْرْيُوشْ دُورِي” (La Brioche Dorée)، و”بُومْ دُو بِينْ” (Pomme de Pain) أو “بُولْ” (Paul)…
مؤرِّخُو الطبيخ والأغذية يُنصِفون الإسفنج…
Adamo de Citellaو Snowdgrass وGianluca Pipitò…
في سنة 2004م، يكون الإسفنج قد شعر ببعض الرّضى، لأن ماري إيلين سنودغراس (Mary Ellen Snowdgrass) الباحثة الأمريكية المتخصصة في تاريخ فن الطبخ أعادت له الاعتبارَ وقالت بكل وضوح في كتابها Encyclopedia of Kitchen History (إنسيكلوبيديا تاريخ الطبخ) الصادر في مدينة نيويورك إن “…”السِّفنج” المقلي”، الذي قالت إنه ذاتُه الـ “…(دونوت) (doughnut)”، على حد تعبيرها، هو “أصلُ الـ “سْفِينْتْشِي” (Sfinci) الصِّقِلِّي الذي كان يُتَدَاوَل في الشوارع بمدينة بَالِيرْمُو حوالي سنة 1298م”…
إسفنج إيطالي أو Sfincia

إسفنج إيطالي  Sfincia

 

وللعارفين باللغة الإنجليزية، هذا ما قالته ماري إيلين سنودغراس بالحرف الواحد:
“The deep-fried Arab sifanj (doughnut) was the origin of the Sicilian sfinci, hawked in the streets of Palermo around 1298, according to the public registrar Adamo de Citella.”
بِقوْلِها هذا، لم تَختَرِعْ الكاتبةُ الأمريكية شيئا بقدر ما نَفَضَتْ عن هذه الحقيقة غبارَ السنين وفنَّدتْ أقاويلَ الجاحِدين، لأنها لم تزد مثقال ذرة عن نقل شهادة المسؤول والموثِّق الإيطالي آدَمُو دِي تْشِيتِيللاَّ (Adamo de Citella) الذي عاش في نهاية القرن 13م وبداية القرن 14م وجُمِعَتْ كتاباتُه وملاحظاتُه سنة 2004م في كتابٍ أصدره إيطالي آخر هو Elio Russo (إيلْيُو رُوسُو) تحت عنوان Palermo nel XIII secolo (باليرمو في القرن 13م)…
لا شك أن إيطاليا أهل العِلم والمعرفة تَعرِف هذه الحقيقة وأن هذه الأخيرة لم تبق حبيسة كتابات آدَمُو دِي تْشِيتِيللاَّ أو ملاحظات ماري سنودغراس، رغم أن الدولةَ الإيطالية اليوم، عبْر وزارة الفلاحة وسياسات التغذية والغابات في العاصمة روما، تَعتَبِرُ رسميًا الإسفنج، أو كما تُسَمِّيه باللغة الإيطالية Sfincia di San Giuseppe (سْفِينْتْشَا القديس يوسف) أو Spincia ri San Giuseppi (سْبِينْتْشَا القديس يوسف) حسب لهجة أهل جزيرة صقلية والذي يُطبخ كل يوم 19 مارس/آذار من كل عام، تراثا ثقافيا غذائيا إيطاليا صِرفًا.
فالباحث الإيطالي جيانْلوكا بيبيتو (Gianluca Pipitò) في تراث بلده الثقافي لا يُحرجه التوضيح بنزاهة في مقال نَشَرَهُ في مجلة Ballarm (بَالاَرمْ) الثقافية الإيطالية في 18 مارس/آذار 2020م تحت عنوان La battaglia della sfincia di San Giuseppe: a Palermo fu lotta fra tavernieri e pasticceri (معركة سْفينْتْشَا القديس يوسف: في باليرمو كانت معركةً بين أصحاب الخَمّارات وصُنَّاع الحلويات)، بأن “سْفِينْتْشَا القديس يوسف” هو في الحقيقة حلوى شاعت قبل قرون على أيدي أخوات دَيْرٍ مِن الأدْيِرَة المسيحية في مدينة بَالِيرْمُو، Suore delle Stimmate di San Francesco، اللواتي استَعَرْنَ وكَيَّفْنَ حسب الأذواق الصقلية/الإيطالية، بتعزيزها بِجُبْنِ المَاعِز (La Ricotta)، “تقليدا غذائيا أقْدَم (من عهدهن Ndlr) جاء من العالم العربي والفارسي” الذي كان، يواصل الباحث الإيطالي، يهوى “قلي الأخباز والحلويات في الزيت” على حد تعبيره. وحرص جيانْلوكا بيبيتو، الذي قال إن هذه الحلوى تَنَازَعَ على احتكارها أصحابُ الطَّبَرْنَات ومُحترِفِي صُنْعِ الحلويات بين شِتاء وخريف سنة 1784م في صراع شرس بينهما حَسَمَتْهُ السلطات، على كتابة اسم هذه الحلوى في مقاله باللغة العربية لإزاحَة الغموض عن أصلها.
لا عيب في رد ما للقيصر للقيصر…
إسفنج سيدي يوسف إذا ترجمناه حرفيا من الإيطالية:Sfinci di San Giuseppe

Sfinci di San Giuseppe: إسفنج سيدي يوسف إذا ترجمناه حرفيا من الإيطالية

 

ولا عيب في إحقاق الحقّ ورَدِّ ما للقيصر للقيصر، فنحن في الجزائر نأكل حلويات الصَّمْصَة منذ قرون طويلة ونعتقد أنها كوْثر العبقرية الجزائرية في الطبيخ، فيما كانت حاضرةً قبل آلاف السِّنين على موائد الفُرْس في إيران الحالية. وعُرفتْ بعدها في بلاد الرافدين بالعراق. كما صادفها الجغرافي المسلم المسعودي في منتصف القرن 10 م في إحدى رحلاته بمدينة دلهي بالهند، مثلما ذَكَرَ ذلك في كتابه المعروف “مُرُوج الذَّهَب”، تحت اسم الـ “سَنْبُوسَجْ”، وهو الاسم ذاته الذي كان يُطلقه الفُرْسٍ على هذه الحُلوى اللذيذة والذي تم تبسيطه لاحقا في بلدان أخرى في صيغة “صَمُوصَة” أو “سَمُوسَة” إلى أن اختزلناه في الجزائر ليصبح الـ “صَّمْصَة”…
ولنا عِبرة أيضا في حالة مشابهة في بلاد الحاج الطيب إردوغان… ألا يُعتقَد اليوم اعتقادا راسخا أن الباقلاوة تركية/عثمانية بحتة إلى حد تسجيلها رسميًا قبل سنوات لدى منظمة اليونيسكو، بعد تنافسٍ شرس على الاستحواذ عليها كتراث ثقافي قومي بين الأتراك واليونانيين…؟ بينما الحقائق التاريخية تقول إن الباقلاوة التي نَصِفُهَا اليوم بالتركية أقْدَم بكثير من آل عثمان وإمبراطوريتهم، وما هي حاليًا في حلتها العثمانية/التركية سوى نسخة تعبِّر عن مرحلة من مراحل تطورها التاريخي بعد أن وُجِدَتْ في مطابخ الآشوريين وعلى موائد البابليين على ضفاف نهري دجلة والفرات في العراق الحالية قبل نحو 3 آلاف سنة…
مع تمنياتي لكم بإسفنجات طيبات وباقلاوات شهيات في هذه الأيام الأخيرة من العام إلى أن نلتقي حين تسمح الظروف والالتزامات.

https://web.facebook.com/fawzi.sadallah

You may also like

Leave a Comment

روابط سريعة

من نحن

فريق من المتطوعين تحت إشراف HOPE JZR مؤسس الموقع ، مدفوعا بالرغبة في زرع الأمل من خلال اقتراح حلول فعالة للمشاكل القائمة من خلال مساهماتكم في مختلف القطاعات من أجل التقارب جميعا نحو جزائر جديدة ، جزائرية جزائرية ، تعددية وفخورة بتنوعها الثقافي. لمزيد من المعلومات يرجى زيارة القائمة «الجزائر الجزائرية»

من نحن

جمع Hope JZR ، مؤسس الموقع ومالك قناة YouTube التي تحمل نفس الاسم ، حول مشروعه فريقا من المتطوعين من الأراضي الوطنية والشتات مع ملفات تعريف متنوعة بقدر ما هي متنوعة ، دائرة من الوطنيين التي تحمل فقط ، لك وحماسك للتوسع. في الواقع، ندعوكم، أيها المواطنون ذوو العقلية الإيجابية والبناءة، للانضمام إلينا، من خلال مساهماتكم، في مغامرة الدفاع عن الجزائر الجديدة هذه وبنائها.

ما الذي نفعله

نحن نعمل بشكل مستمر ودقيق لتزويد الجمهور بمعلومات موثوقة وموضوعية وإيجابية بشكل بارز.

مخلصين لعقيدة المؤسس المتمثلة في “زرع الأمل” ، فإن طموحنا هو خلق ديناميكية متحمسة (دون صب في النشوة) ، وتوحيد الكفاءات في خدمة وطنهم. إن إصداراتنا كما ستلاحظون ستسلط الضوء دائما على الأداء الإيجابي والإنجازات في مختلف المجالات، كما تعكس منتقدينا كلما رأينا مشاكل تؤثر على حياة مواطنينا، أو تقدم حلولا مناسبة أو تدعو نخبنا للمساعدة في حلها. 

مهمتنا

هدفنا الفريد هو جعل هذه المنصة الأولى في الجزائر التي تكرس حصريا للمعلومات الإيجابية التي تزرع الأمل بين شبابنا وتغريهم بالمشاركة في تنمية بلدنا.

إن بناء هذه الجزائر الجديدة التي نحلم بها والتي نطمح إليها سيكون عملا جماعيا لكل المواطنين الغيورين من عظمة أمتهم وتأثيرها.

ستكون الضامن للحفاظ على استقلالها وسيادتها وستحترم إرث وتضحيات شهدائنا الباسلة.

© 2023 – Jazair Hope. All Rights Reserved. 

Contact Us At : info@jazairhope.org